بين ترامب وبايدن وصمود المقاومة: كيف وصلنا لوقف إطلاق النار في غزة؟

17.01.2025 07:30 AM

مساء الجمعة الماضي، تلقى مساعدو بنيامين نتنياهو اتصالًا وصفته وسائل إعلام إسرائيلية بالحاد والمفاجئ. كان مبعوث دونالد ترامب للشرق الأوسط، ستيفن ويتكوف، يتصل من الدوحة مطالبًا بتحديد اجتماع في اليوم التالي مع نتنياهو. ورغم محاولة مساعدي رئيس الوزراء الإسرائيلي نقل الاجتماع لما بعد السبت، يوم الراحة اليهودي، إلا أن ويتكوف رفض التأجيل بشكل قاطع، ليلتقي نتنياهو صباح السبت، في اجتماع وُصف بالمتوتر.

كانت الرسالة مختصرة وصارمة: ترامب يريد التوصل لصفقة تنهي الحرب قبل تنصيبه رئيسًا في العشرين من الشهر الحالي. فبحسب ما نقل موقع والا العبري عن «مصدر إسرائيلي مطلع»، فإن ويتكوف لم يترك لنتنياهو مجالًا للشك، قائلًا إن «ترامب جاد بشأن هذه الصفقة، فلا تدمرها». كما طالبه برفع رتبة الفريق التفاوضي الموفد للدوحة ليشمل رئيسي الموساد والشاباك، وهو ما استجاب نتنياهو له. كانت تلك «لحظة غير مسبوقة في العلاقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل»، وفق ما قال مسؤول إسرائيلي كبير للموقع نفسه.

بعد 15 شهرًا من الإبادة الجماعية، أعلن في الدوحة أمس رسميًا عن التوصل لاتفاق لإنهاء الحرب في غزة، يفترض أن تدخل مرحلته الأولى حيز التنفيذ ظهر الأحد المقبل، على أن يشمل، إلى جانب وقف إطلاق النار، عودة النازحين شمالًا، والانسحاب الإسرائيلي الكامل من القطاع، فضلًا عن تبادل للأسرى سيشمل مئات من الأسرى الفلسطينيين أصحاب المحكوميات العالية والمؤبدات، وألفًا ممن اعتقلوا بعد السابع من أكتوبر.

استبق ترامب إعلان أطراف الاتفاق عنه، ليسارع بالأمس إلى نسب الفضل لنفسه، قائلًا في منشور إن «اتفاق وقف إطلاق النار الملحمي لم يكن ليتحقق لولا انتصارنا التاريخي [في الانتخابات الرئاسية] في تشرين الثاني»، مضيفًا أن إدارته تنوي «البناء على زخم هذا الاتفاق لتوسيع اتفاقيات أبراهام التاريخية».

في المقابل، سعت إدارة جو بايدن لتضخيم مساهمتها في التوصل للاتفاق. إذ قال بايدن في مؤتمر صحفي بالأمس إن الاتفاق لم يكن «نتيجة للضغوط الشديدة التي تعرضت لها حماس والمعادلة الإقليمية المتغيرة بعد وقف إطلاق النار في لبنان وإضعاف إيران فحسب، بل أيضًا نتيجة للدبلوماسية الأميركية العنيدة والمضنية». وفي إشارة إلى مشاركة ويتكوف في المحادثات، قال بايدن إنه «خلال الأيام القليلة الماضية، كنا نتحدث كفريق واحد». لكن محاولات بايدن للحفاظ على مسحة دبلوماسية في الحديث عن دور ترامب فشلت في نهاية المؤتمر الصحفي، حين رد على سؤال ما إذا كان الفضل في الاتفاق يجب أن ينسب إليه أم لترامب بالقول «هل هذه نكتة؟».

في الإطار نفسه، قال المتحدث باسم الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر إن «التوصل للاتفاق لم يحدث بسبب ضغط أي طرف على الحكومة الإسرائيلية في الأيام الماضية»، وإنما لأن حماس وجدت نفسها في موقف «ضعيف ومعزول.. واحتاجت إلى استراحة» على حد تعبيره.

لكن هذه المزاعم لم تغير قناعة كثيرين بأن ترامب مارس ضغطًا لم يمارسه بايدن طيلة ولايته. إذ ذهبت تحليلات إسرائيلية في الأيام الماضية للقول بأن تحذير ترامب السابق من «الجحيم» الذي ستنفتح أبوابه إن لم يتم التوصل إلى صفقة بحلول موعد تنصيبه لم يكن موجهًا لحماس فحسب، وإنما لـ«إسرائيل» أيضًا. بينما رأى محللون إن نتنياهو ظل على مدى شهور خائفًا من انسحاب أقصى اليمين من حكومته، ممثلًا ببتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، إلا أن الأيام القليلة كشفت أن خوفه من ترامب كان أكبر. هذا ما كرره رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت بالقول إن نتنياهو «خائف من ترامب».

كذلك، نقلت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن «دبلوماسيين عرب كبار» قولهم إن «مبعوث ترامب مارس ضغطًا على نتنياهو في اجتماع واحد أكثر مما مارسته إدارة بايدن في عام كامل». أما الواشنطن بوست، فنقلت عن دبلوماسي أمريكي قوله إن تدخل ترامب في الأيام الأخيرة شكل «المرة الأولى التي كان فيها ضغط حقيقي على الجانب الإسرائيلي لقبول الصفقة». وبينما حاول بايدن تقزيم دور ترامب بالقول إن إطار عمل الاتفاق الحالي «هو نفسه المطروح في الصفقة التي اقترحتها في أيار الماضي»، فإن تصريحه بحد ذاته يعزز الاعتقاد بأن ما كان غائبًا عن الاتفاق لم يتعلق بمحتواه أو تفاصيله بقدر ما تعلق بالإرادة الأمريكية لفرضه.

كل ذلك يؤكد ما كان واضحًا منذ بداية الحرب من أنها حرب أمريكية بقدر ما هي إسرائيلية، وأن إدارة بايدن هي من مدّت في عمر الحرب لتبلغ 15 شهرًا، وأنها كانت قادرة على إنهائها في أية لحظة باتصال واحد؛ حقيقة لم تعد تخفى على كثيرين حتى في الولايات المتحدة. قبل يومين فقط، قاطعت ناشطة حديث وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في مؤتمر صحفي حول تطورات الاتفاق، لتصفه بـ«بلينكن الدموي»، وتقول: «إرثك سيكون الإبادة.. على يديك دماء مئات آلاف الأبرياء».

الأهم من ذلك هو أنه رغم محاولات بايدن تمييع دور الإبادة في خسارة الديمقراطيين للانتخابات الرئاسية، ألا أن كثيرًا من الأمريكيين يدركون أن إدارتهم وفّرت كل غطاء ممكن للحرب. كان ذلك واضحًا في استطلاع للرأي نشر بالأمس، بالتزامن مع الإعلان عن وقف إطلاق النار، جاء فيه أن الإبادة في غزة كانت السبب الأول وراء امتناع أنصار بايدن عن التصويت لهاريس، متقدمةً على الاقتصاد والهجرة.

لكن ما بين تبجح ترامب ومكابرة بايدن، يتنازع الطرفان على نسب الفضل إليهما، ويغيّبان سببًا جوهريًا هو صمود المقاومة في غزة وتمكنها من إفشال أهداف الحرب، رغم الدعم اللامحدود والضوء الأخضر والوقت المفتوح اللذين قدمتهما الولايات المتحدة لـ«إسرائيل»، وباعتراف الكثير من الإسرائيليين أنفسهم. فقد أقر مسؤولون ومحللون إسرائيليون بأن الاختلافات بين الصفقة الحالية والصفقة التي عُرضت في أيار الماضي هامشية. تنقل يديعوت أحرونوت عن «مسؤول أمني كبير» قوله إن الرواية التي يحاول نتنياهو تكريسها، من أنه واجه رفض حماس للصفقة بالإصرار على شروطه، وأن حماس استسلمت في النهاية لجميع المطالب، ليست سوى «قصة جميلة إلا أنها ليست حقيقية. في الحقيقة، الواقع معاكس تمامًا».

هذا ما يظهره ما رشح من تفاصيل للاتفاق في مرحلته الأولى حتى الآن. إذ كرّس ثلاثة مما اعتبرتها حماس خطوطًا حمراء منذ بداية التفاوض على الصفقة، وهي وقف إطلاق النار بشكل واضح بدلًا من «التهدئة» التي تفتح الباب لاستكمال الحرب لاحقًا، وعودة النازحين إلى شمال القطاع، والانسحاب الكامل منه، بما سيشمل «محور فيلادلفيا» جنوبًا، الذي شن نتنياهو عملية واسعة في رفح لاحتلاله، واعتبره «مقدسًا»، بل قدمه على أنه «حاجة إسرائيل الأمنية الأبدية»، لكنه سرعان ما تراجع عن المطالبة بالسيطرة عليه تحت ضغط ترامب، كما قال المحلل العسكري لهآرتس عاموس هرئيل.

مسؤولون ومعلقون إسرائيليون كثر كانوا واضحين في اعترافهم بالفشل في تحقيق أهداف الحرب. إذ قال ضابط كبير في القيادة الجنوبية لجيش الاحتلال إن «كل ما فعلناه في الحرب سيذهب سدى». وصرح مسؤول شعبة العمليات الأسبق في الموساد عوديد عيليم بالقول: «يجب أن نعترف بصدق أننا لم نحقق الهدف المركزي من الحرب وهو القضاء على القدرات العسكرية لحماس. صحيح أن لدينا انجازات ولكنها جزئية. علينا أن لا نوهم أنفسنا، فغالبية الغزيين مؤيدون لحماس». فيما قال المحلل العسكري للقناة 13 تسيفي يحزقيلي إن «حماس نجحت في منع إسرائيل من السيطرة على غزة.. وإسرائيل فشلت في تحقيق أهداف الحرب ولم تغير الواقع في المنطقة».

كل ذلك يؤكد أن ثمانية أشهر إضافية من الإبادة لم تفلح في تحسين شروط الصفقة بالنسبة لـ«إسرائيل»، ولا في إجبار حماس على القبول بتنازلات جوهرية أو شروط جديدة، خاصة وأن الحركة أدركت في الأيام الأخيرة أن الصفقة باتت مسألة وقت، وأن لا مبرر لتقديم أي تنازل في ظل الضغط المفروض على نتنياهو للقبول بالاتفاق. كل ما نجحت «إسرائيل» في تحقيقه برفض صفقة أيار الماضي وقبولها اليوم هو إضافة آلاف أخرى من جثامين الشهداء إلى المقتلة التي مارستها بغطاء ودعم أمريكي.

 

المصدر: حبر

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير