الإبادة الرياضية في غزة

14.01.2025 09:04 PM

كتبت: نعمة بصلة: أكثر من عام وثلاثة أشهر مرت على حرب الابادة في غزة، والتي طالت المواطنين وكل مناحي الحياة بما فيها المشهد الرياضي.

دمرت قوات الاحتلال المراكز الرياضية، التي تعتبر مهمة تخدم القطاع الشبابي الفلسطيني، إذ يمارسون داخلها مواهبهم المفضلة، ونشاطاتهم الرياضية و البطولات الرسمية للألعاب الرياضية المختلفة، فتحولت هذه  المرافق والصالات الرياضية على رأسها الملاعب المفتوحة الى مراكز إيواء للنازحين ، فيما لم يعد يصلح بعضها حتى للإيواء بسبب ما لحق بها من دمار جراء القصف الاسرائيلي المتواصل.

"انقلبت حياتي رأسا على عقب، فمن الملاعب الخضراء والتنقل بين الكاميرا والكتابة وتغطية الأحداث الرياضية إلى وضع يسوده الألم " هكذا بدأت الصحفية الرياضية "نيللي المصري" (46) عاما، حديثها معي حين سألتها؛  كيف أثرت الحرب على حياتك المهنية كصحفية رياضية.

قالت نيللي بحسرة : حجم المعاناة التي تعيشها الرياضة والرياضيون في غزة  كبير وهي المعاناة نفسها التي يعيشها أهل غزة، جراء حرب الإبادة التي استهدفت كل شيء على أرض غزة ، الإنسان والحيوان، الجماد والشجر ، لم ينجو أحد، ولم ينجو اي شيء.

وتضيف المصري  "مرت أيام صعبة وفوجئنا بنزوح شقيقتي مع أولادها الخمسة وزوجها إلى بيتنا، تبحث عن أمان لها ولاطفالها".

بعد يومين بدأ جيش الاحتلال بإرسال رسائل عبر منشورات ورقية يلقيها من الطائرات بضرورة إخلاء مدينة غزة وشمالها.. للوهلة الأولى بدا الأمر  صعبا وشبه مستحيل.. كيف لنا أن نترك أحلامنا وذكرياتنا وأشيائنا ونرحل.. أين سنذهب!!؟"

وتابعت: "تلك الليلة  لا يمكن نسيانها، صواريخ متتالية، الأرض تهتز، الصوت مرعب ، الغبار والحجارة تتناثر نحونا، وكلما وقع أحد الصواريخ كنت أنا وابناء وبنات أختي الصغيرات ننام أرضا خلف السيارة، بقينا على هذه الحالة 12 ساعة متواصلة وسط قصف متواصل ، في تلك اللحظات لم نتوقع أن ننجو....في اليوم التالي قررنا التوجه إلى بيت ابن عمي في مخيم النصيرات وسط قطاع غزة حيث استضافته إحدى العائلات، وصلنا بسلام علما بأننا لم نكن نملك وقودا كافيا في السيارة.

مكثنا هناك ثلاثة أيام بشقة على الطابق الخامس. كنا   25 شخصا في شقة صغيرة، بدون ماء او كهرباء او انترنت. همنا الوحيد كيف ننجو ونأمن احتياجاتنا . كان الرجال يحاولون جلب الماء من أماكن في محيط المنزل بخطورة شديدة مع استمرار القصف،  ناهيك عن وقوفنا في طوابير  طويلة أمام المخبز الوحيد !. كنا ننتظر منذ ساعات الفجر حتى  السابعة صباحا  للحصول على "ربطة" خبز واحدة.!

وتختتم المصري حديثها بالقول: "ما زلنا حتى اللحظة في دير البلح وسط قطاع غزة، نرقب قتل الأطفال والرجال والنساء والشيوخ، فيما آلمني كثيرا رؤية المنشآت الرياضية مدمرة وخسارة عدد كبير من الرياضيين، إنها  حرب غير مسبوقة".

وتعتبر نيللي المصري  من أوائل الصحفيات المتميزات في الصحافة الرياضية في غزة .حيث بدأت عملها كصحفية ومصورة منذ عام ٢٠٠٠، وحصلت على جوائز عديدة في التصوير الرياضي والبحث العلمي.

نيللي منهمكة اليوم في النزوح والنجاة وتوفير أساسيات الحياة لها ولعائلتها ، كان لديها حلم بإكمال مسيرتها المهنية ونقل كل ما يجري من إنجازات رياضية في فلسطين للعالم، اليوم تجمد حلمها ،الحرب قضت على كل شيء، فيما لا تفارقها مشاهد أصوات اللاعبين واللاعبات حين كانت الحياة شبه طبيعية في غزة قبل الحرب.

هذا أيضا حال الصحفي الرياضي يحيى المدهون الذي حدثني بألم شديد :" في بداية الحرب اخترت البقاء في بيتي حفاظا على كرامتي وأسرتي، و لم أكن أعلم أن رفضي مغادرة بيتي سيكلفني كل هذا الألم ، وسيسرق مني شغفي وطموحي بالعمل الرياضي".

"يحيى المدهون"  يبلغ من العمر 23 عاماً.

عمل في الإعلام  الرياضي لسنوات وترك بصمات مهمة في عدة فعاليات وقضايا تتعلق بالرياضات المختلفة في غزة .

عمل يحيى مصورا محترفا في نادي الهلال الرياضي بغزة  وفي اتحاد الإعلام الرياضي الفلسطيني ،وفي نادي خدمات الشاطئ ، وترأس اللجنة الإعلامية في الاتحاد الفلسطيني لكرة اليد .

قال "في مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة وفي يوم حزين أمطرت السماء " مناشير" ورقية قذفتها طائرات  الاحتلال الاسرائيلي تطالب سكان المخيم بالنزوح لجنوب وادي غزة،  إلى منطقة آمنة " كما ادعى الاحتلال في المناشير" .

  أضاف يحيى "اتخذت قراراً مع عائلتي بعدم المزوح من بيتي ، لكننا اتجهنا لمنطقة اعتقدنا أنها اكثر أمنا وأقل تعرضا للقصف الاسرائيلي ونذهب إلى منطقة أكثر أمنا بعيدة عن القصف  الاسرائيلي ، لم أدرك حينها أن لا مكان آمن في غزة" ، صمت يحيى وكأنه يعيد ما مر به من قسوة وما فقد، ثم أكمل قائلا: " والدي فقد الحياة بعد أن خرجت المستشفيات في مدينة غزة عن الخدمة بسبب استهدافها من قبل جيش الاحتلال بالقصف والحصار ومنع الإمدادات والاحتياجات الطبية والوقود. خسرت والدي ولم نتمكن من إنقاذه فيما استمرت رحلة نزوحنا من بيت لبيت لمرات عدة أنا وعائلتي قبل أن نستقر في مستشفى الشفاء معتقدين أن المشافي مكان آمن."

نظر يحيى إلى قدمه وجسده وقال: " تعرضت لثلاث اصابات جراء القصف الإسرائيلي خلال نزوحنا القصري ، واحدة منها اصابة بالقدم ،  ابقتني طريح الفراش وسط آلام شديدة ونقص في العلاج وقصف اسرائيلي لا يتوقف "

حدثني يحيى عن اضطراره رغم ألمه للعمل بجهد كبير لتوفير أساسيات الحياة لعائلته، فلم يعد من معيل لهذه العائلة غيره وبات توفير كافة المسؤولية على عاتقه منذ وفاة والده .

تحول يحيى من شاب حالم بشغفه بعمله كصحفي كمصور رياضي الى نازح وجريح ومعيل لافراد عائلته المكونة من 8 أشخاص.

قال يحيى :" جمعت الحطب بديلا للغاز الذي منع الاحتلال الاسرائيلي إدخاله لغزة ، وقفت لساعات تحت الشمس الحارقة والمطر لأحصل على بضعة أرغفة من الخبز  و لأحصل على بعض من الماء الغير صالح في كثير من الأحيان لكن لابديل له في الوقت الراهن"  

حدثني يحيى دون توقف عن تفاصيل كثيرة في رحلة ومعاناة توفير الاحتياجات الأساسية ، الماء والطعام والأغطية والملابس وغيرها، قائلا: الوصول لكل واحدة من هذه الاحتياجات قد تكلفنا حياتنا؛ وسط تحليق طائرات الاستطلاع الإسرائيلي التي لا تغيب عن سماء غزة .

أنهى يحيى حديثه بالقول:" قتلت الحرب حلمي. لم تعد عدسة كامرتي تصور أجمل لقطات الرياضيين وانجازاتهم ، كل ما حولي يتمحور حول الفقد والدمار والجوع ووجوه الناس النازحة  البائسة و المرتعشة خوفا و حزناً، وكل ما أفكر به الآن هو : كيف سأنجو! وما الذي سيعيد لي بيتي وأحبتي !

يذكر أن ٥٣٢ رياضياً وعاملاً في الحقل الرياضي استشهدوا برصاص وقذائف الاحتلال الإسرائيلي منذ حربه على غزة في السابع من أكتوبر ٢٠٢٣ حسب الأمين العام للاتحاد الفلسطيني للإعلام الرياضي، "مصطفى صيام "الذي وصف المشهد  الرياضي الفلسطيني قبل الحرب بالمشهد الهام  على المستويين القاري والدولي. مضيفاً أن الاحتلال عمد الى تدمير كل مقومات الحياة في غزة بما فيها المشهد الرياضي حيث استهدفت الحرب الإسرائيلية اللاعبين و البنية التحتية الرياضية في قطاع غزة بشكل غير مسبوق.

واستكمل قائلا: "هذا الدمار أدى إلى تعطيل كامل للأنشطة الرياضية في القطاع، كما أحال العديد من الملاعب لمواقع غير صالحة للاستخدام حتى في حال توقفت الحرب بسبب حجم الأضرار".

الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم  أورد في إحصائياته أن الحرب أدت لاستشهاد  341 لاعب كرة قدم  بينهم 91 طفلا، إضافة ل 102 من الاتحادات الأولمبية، و80 شهيدا من الكشافة.

وطال الدمار  نحو 70% من المنشآت الرياضية في غزة، سواء كلّياً أم جزئياً، ومنها الصالات الرياضية والملاعب، حيث دمر الاحتلال ٤ صالات رياضية مغطاة من بين ٥ ، و ٤٠ مركز تدريب كمال الأجسام (GYM) و 4 صالات مغطاة في بيت حانون ، وخدمات جباليا، والصداقة، وغزة الرياضي، والأهلي. كما دمر جيش الاحتلال مقرَي اللجنة الأولمبية، واتحاد كرة القدم الفلسطيني، واستهدف مقر المجلس الأعلى للشباب والرياضة الذي دُمر كلّياً، وكذلك مبنى اللجنة البارالمبية، أما عدد المنشآت الرياضية المدمرة، فقد تجاوز ال  ٦٤ في قطاع غزة.

كما اعتقل جيش الاحتلال بظروف لا إنسانية ٢٣ رياضياً من الضفة وغزة.

تصميم وتطوير