أحمد بدير.. شهيد الحقيقة وصوت المقاومة
كتب: ثائر أبو عياش
في العاشر من يناير 2024، ارتقى الصحفي الفلسطيني أحمد بدير، محرر الأخبار في "بوابة الهدف" الإخبارية، شهيدًا للكلمة الحرة والحقيقة التي لا تموت. استُهدف أحمد أثناء أدائه واجبه المهني قرب مستشفى شهداء الأقصى في مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، حينما باغته قصف غادر، في مشهد يؤكد على أن الاحتلال الإسرائيلي لا يكتفي باستهداف الأرض والإنسان، بل يلاحق الكلمة والصورة التي تفضح جرائمه.
أكثر من صحفي: المثقف المشتبك
لم يكن أحمد بدير مجرد ناقل للأخبار، بل كان رمزًا للمثقف المشتبك الذي يعيش تفاصيل قضيته ويناضل من أجلها. بقلمه وكاميراه، كان يجسد معاناة الفلسطينيين وصمودهم. كل مقال كتبه كان يعكس جوهر القضية الفلسطينية، بلغة تمزج بين القسوة والصدق، تنبع من قلب ينبض بالإنسانية وضمير يرفض الظلم.
لم تكن مهنة الصحافة بالنسبة لأحمد مصدر رزق فحسب؛ بل كانت رسالة سامية. كان يحمل في قلبه أوجاع شعبه، ويرى في الكلمة أداة للمقاومة، وفي الصورة شهادةً لا يمكن محوها. لقد كان يسعى دائمًا لنسج خيوط الأمل والنضال رغم سوداوية المشهد، مؤمنًا بأن فلسطين تستحق التضحية.
رفيق النضال: صوت من داخل العاصفة
كان أحمد صديقًا قبل أن يكون زميلًا. عرفته في أوقات الصمود والنضال، وكنت شاهدًا على شغفه الكبير للحقيقة. كان حديثنا يتناول دائمًا تفاصيل الواقع الفلسطيني بكل تعقيداته، وكان أحمد قادرًا على رؤية الأمل في أحلك الظروف. عباراته دائمًا تحمل أبعادًا عميقة، وأذكر قوله: "الحزن لا يعرف الدُفعات، إنه يأخذ منك كل شيء دفعة واحدة." ربما كان ذلك إحساسًا داخليًا بما ينتظره، لكنه أصر على مواصلة رسالته حتى النهاية.
من خان يونس إلى رفح، ومن مقاهي دير البلح إلى مستشفيات القطاع، كان أحمد حاضرًا في كل زاوية توثق جراح الفلسطينيين. لم يكتفِ بكونه شاهدًا، بل كان مؤرخًا بصريًا ينقل القصص التي حاول الاحتلال طمسها. كان يعي أن نقل الحقيقة مسؤولية كبيرة، وأن الكلمة والصورة هما جبهة أخرى في معركة التحرير.
في اللحظة التي قُصف فيها مستشفى شهداء الأقصى، كان أحمد هناك ليغطي ما يفوق الأخبار العاجلة. كان يوثق إنسانية اللحظة، يضع وجهًا على الأرقام، ويعطي صوتًا لمن يُجبرون على الصمت. لم يكن يتخيل أن تلك اللحظة ستكون الأخيرة، لكنها كانت النهاية التي ارتقى فيها شهيدًا وهو في قلب الحدث.
إرث لا يموت
اغتيل أحمد بدير لأن صوته كان يشكل تهديدًا لآلة الحرب الإسرائيلية. صوته الذي مثّل الفلسطيني المقاوم كان أقوى من أن يُسكت بالقصف. في استشهاده، لم يُغلق فصل من النضال الإعلامي؛ بل كُتبت صفحة جديدة من الإصرار على حمل رسالته.
أحمد ترك إرثًا غنيًا من المقالات والصور التي ستظل شاهدة على الجرائم الإسرائيلية وملهمة للأجيال القادمة. في استشهاده، أصبح جزءًا من تاريخ الإعلام الفلسطيني، وأحد رموزه الذين خلدوا الحق في وجه الظلم.
الحقيقة لا تموت
إلى أحمد، الصديق والزميل الذي شكلت كلماته جزءًا من وعينا، نعدك أن نبقى نحمل رسالتك ونواصل مسيرتك. قصف الحقيقة لن يقتلها، وستبقى كلماتك وصورك صوتًا ينقل معاناة غزة وصمودها حتى يتحقق حلم الحرية. ستظل حاضرًا في كل لحظة نكتب فيها عن فلسطين، وفي كل معركة نخوضها بالكلمة والصورة. الحقيقة لا تموت، وأنت، يا أحمد، ستبقى شاهدًا حيًا على ذلك.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء