توظيف التفكير النقدي في التعليم والإعلام: أساس لبناء الوعي والتفكير المستقل
كتب: د. وحيد جبران
مقدمة
يتعرض الأفراد، كمستهلكين للمعرفة والمتلقين للمعلومات من مصادر ووسائط أكاديمية وإعلامية مختلفة، لوجهات نظر متنوعة، وأحيانًا متباينة وقد تكون متناقضة؛ مما يجعل من الضروري التمييز بين المعلومات الموثوقة وغير الموثوقة، والروايات الصادقة وتلك المضللة. يبرز هذا الاحتياج دور التفكير النقدي كمهارة أساسية في التعامل مع التدفق الهائل والسريع للمعلومات في العصر الحالي. لقد أصبحت الحاجة إلى توظيف التفكير النقدي في التحقق من المعلومات التي تعرضها أي جهة أكثر أهمية من أي وقت مضى، إذ يساعد في خلق الوعي وتعزيزه، كما يسهم في عدم الوقوع في فخ الممارسات الساعية إلى تضليل أو تشويه الحقائق.
وتبرز أهمية التفكير النقدي أكثر في أوقات الأزمات والحروب وغيرها من الأحداث، ولا سيما مع التدفق المعلوماتي الهائل لتغطية هذه الأحداث. وهنا تظهر ضرورة تفعيل هذه المهارة واستخدامها نظرًا للدور الخطير لوسائل الإعلام في التأثير على الرأي العام وفي الأمن الوطني أثناء الحروب والأزمات. هذه الخطورة تتأتى لأن هناك أفرادًا ومجموعاتٍ لا يمتلكون القدرة على فحص المعلومات والأحداث والقيام بمقارنات ومقاربات صحيحة بين مكوناتها. في هذه الحالة، وفي غياب أو تغييب التفكير النقدي، قد يسهم هؤلاء في نشر معلومات مغلوطة أو قد يتداولونها أو يقبلون أي أفكار تُعرض دون تحليل أو مناقشة؛ مما يمكن أن يترتب عليه تداعيات شديدة الخطر على الأفراد والمجتمعات.
ستتناول هذه المقالة أهمية التفكير النقدي في عصر يعتمد فيه الناس بصورة متزايدة على المعلومات، وتوضح تطبيق مهاراته في التعامل مع المحتوى في مجالي التعليم والإعلام، لكونهما أكثر مجالين يستلزمان فحص المعلومة والتحقق من صحتها. وتبرز هذه المقالة مسؤولية الأفراد في التفاعل الواعي والمدروس مع المعلومات التي يتعرضون لها، وتسلط الضوء على أهمية التحقق من المعلومات وتقييم مصادرها، ولا تغفل الإشارة إلى المعوقات التي يمكن أن تشكّل حائلًا دون توظيف التفكير النقدي والاستفادة من إمكاناته للوصول إلى المعرفة السليمة واتخاذ القرارات المستنيرة.
مفهوم التفكير النقدي
للتفكير النقدي عدة تعريفات يتفق معظمها على أنه يقوم على التحليل غير المتحيز، وتقييم الأدلة والحجج والبراهين للوصول إلى الحقائق من مصادر موثوقة. فمثلاً، يعرف البغدادي (2021) التفكير النقدي بأنه التفكير المستخدم في حل المشكلات من خلال صياغة بعض الأسس المنطقية التي يُستعان بها في اتخاذ القرارات المناسبة بعد تحليل الفرضيات ودراسة المعطيات المتعلقة بها. وتعرفه شيبوب (2023) بأنه تفكير منطقي بصورة تحليلية تعتمد على الموضوعية الفكرية لإيجاد الحقائق وتشكيل الأحكام بشكل صحيح. أما الكوزي (2024) فقد عرفه بأنه عملية عقلية منظمة وواعية، تُمكّننا من تحليل المعلومات التي نتلقّاها بموضوعية دون تحيّز، وتقييم هذه المعلومات استنادًا إلى الأدلة والبراهين لاستخلاص النتائج منها قبل اتخاذ قرار أو تبني موقف معين.
من جهته، يعرف الأسدي (2023) التفكير النقدي بأنه عملية تفكير مركبة، عقلانية أو منطقية، يتم فيها إخضاع قضية أو خبر أو رواية أو ادعاء أو إجراء أو حدث للتحقق والتقصي، وجمع الأدلة والشواهد بموضوعية وتجرد، وفحص مدى صحتها، ومن ثم إصدار حكم حولها اعتمادًا على معايير أو قيم معينة.
ويمكننا أن نعرف التفكير النقدي بأنه عملية عقلية منظمة ومهارة حياتية أساسية تهدف إلى تمكين الفرد من فحص المعلومات بوعي واتخاذ قرارات مستنيرة وحل المشكلات بفعالية من خلال تحليل المعلومات والأفكار وتقييمها بطريقة منطقية وموضوعية، بالاعتماد على مجموعة من المعايير.
مهارات التفكير النقدي
يتطلب التفكير النقدي مهارات متعددة تشمل التحليل، التقييم، الاستنتاج، والتفكير المنفتح، مع التركيز على التحقق من صحة الأدلة وتجنب التحيز الشخصي. يُعد التفكير النقدي أداة أساسية لتعزيز الفهم العميق ومعالجة التحديات بوعي ومرونة، وهذا ما يجعله مهارة ضرورية في الحياة اليومية والمجالات الأكاديمية والمهنية. فيما يأتي تسليط الضوء على مجموعة من المهارات المتداخلة والمتكاملة لهذا التفكير، من أهمها كما ورد في (البغدادي، 2021؛ الكوزي، 2024):
• مهارة التحليل: تساعد في فحص الأفكار والمواقف بعناية واكتشاف العلاقات بين أجزاء المشكلة أو الموضوع، تحديد الأفكار الرئيسية والثانوية، وتمييز الحقائق عن الآراء، واكتشاف التحيزات أو المغالطات المحتملة التي قد تؤثر في عملية الفهم، إضافة إلى تحديد الأسباب والنتائج وعلاقتها ببعضها.
• مهارة التفسير: تتمثل في تفسير طبيعة المشاكل بطرق بسيطة تسهّل فهمها من قِبَل المعنيين بحلها.
• مهارة الاستنتاج: تهدف إلى الوصول إلى نتائج مستندة إلى معلومات أو بيانات متاحة، بعد تحليل المعلومات وتفسيرها للوصول إلى حكم أو فكرة جديدة.
• مهارة الاستدلال: تفيد في البحث عن أي دليل يساعد على تجميع المكونات المتعلقة بالمشكلة أو الموقف وربطها مع بعضها البعض.
• مهارة التقييم: تركز على تقييم مصداقية المصادر وتحديد التحيزات إن وُجدت، بالإضافة إلى تحليل قوة وضعف الحجج المقدّمة.
• مهارة التواصل: هي عملية نقل المعلومات بطريقة واضحة ومفهومة، مراعية اختيار اللغة المناسبة وتقديم الأدلة المقنعة، وتتضمن الاستماع بانتباه وتركيز للآخرين، والحوار معهم باحترام حتى لو كانوا يخالفوننا في الرأي.
• مهارة اتخاذ القرارات: هي العملية التي نختار فيها خيارًا من عدة خيارات متاحة. تشتمل هذه العملية على تحديد المشكلة أو الهدف، وجمع المعلومات اللازمة، وتحليل الخيارات، وتقييم النتائج المتوقعة لكل منها، ثم التوصل إلى الخيار الأنسب.
التفكير النقدي في العصر الرقمي
بفضل شبكة الإنترنت التي ربطت بين أنحاء العالم وجعلته قرية صغيرة، أصبحت المعلومات تتدفق من كل جانب، وبفضل منصات التواصل الاجتماعي، أصبحت الأخبار والتحليلات والإعلانات تتدفق دون انقطاع. هذا الكم الهائل من المعلومات التي تتدفق يوميًا يجعل التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة أكثر صعوبة، وبين الحقيقة والافتراء. ومع التطور السريع للذكاء الاصطناعي، ازدادت الحاجة إلى التفكير النقدي لمساعدة الأفراد على التمييز بين المصادر الموثوقة والمصادر المشكوك فيها، وتحديد التحيزات التي قد تؤثر على فهمهم، وتحليل الحجج بفعالية، وتقييم الأدلة، واستخلاص استنتاجات مدروسة في خضم بيئة غنية تتميز بالتعقيد وعدم اليقين، إضافة إلى تمكين المواطنين من المشاركة بوعي في الخطاب المجتمعي (الكوزي، 2024).
التفكير النقدي في العصر الرقمي
بفضل شبكة الإنترنت التي ربطت بين أنحاء العالم وجعلته قرية صغيرة، أصبحت المعلومات تتدفق من كل جانب. وبفضل منصات التواصل الاجتماعي، أصبحت الأخبار والتحليلات والإعلانات تتدفق دون انقطاع. هذا الكم الهائل من المعلومات يجعل التمييز بين المعلومات الصحيحة والمضللة، وبين الحقيقة والافتراء، أكثر صعوبة. ومع التطور السريع للذكاء الاصطناعي، ازدادت الحاجة إلى التفكير النقدي لمساعدة الأفراد على التمييز بين المصادر الموثوقة والمصادر المشكوك فيها، وتحديد التحيزات التي قد تؤثر على فهمهم، وتحليل الحجج بفعالية، وتقييم الأدلة، واستخلاص استنتاجات مدروسة في بيئة معقدة تتسم بعدم اليقين. كما يسهم التفكير النقدي في تمكين المواطنين من المشاركة بوعي في الخطاب المجتمعي (الكوزي، 2024).
كيفية توظيف مهارات التفكير النقدي
عند الاطلاع على محتوى معين، سواء كان تعليميًا أو إعلاميًا، وللتأكد من دقة وصحة هذا المحتوى، وعدم اشتماله على معلومات موجهة أو مضللة أو زائفة، علينا شحذ مهارات التفكير النقدي وتوظيفها عبر اتباع ما يلي (شيبوب، 2023):
• التحقق من صحة المعلومات وموثوقية الجهة الصادرة عنها، وتمييزها عن الجهات التي تنشر معلومات غير دقيقة أو مزيفة للتشويه أو لصرف الأنظار عن الحقيقة.
• التدقيق في العناوين الرئيسية وما وراء النصوص وما تخفيه بين السطور، وعدم تمرير أو مشاركة خبر أو قصة دون التحقق من كامل السياق.
• التأكد من أن المعلومات المستخدمة لتكوين الآراء دقيقة ومنطقية قبل مشاركتها أو حتى تمريرها.
• الحذر من تصديق المعلومات لمجرد أنها تتوافق مع وجهة نظر الشخص.
ويضيف الكوزي (2024) المقترحات الآتية لتطوير مهارات التفكير النقدي لدى المواطن وتوظيفها بفاعلية عبر أنشطة التعليم والإعلام:
• اطرح الأسئلة حول كل ما تسمعه أو تقرأه، واستفسر عن مصدر المعلومات، دقتها، ومصداقيتها.
• تجنّب الاقتصار على وجهة نظر واحدة، وحاول فهم وجهات نظر الآخرين حتى لو كنت لا تتفق معهم.
• حدد نقاط القوة والضعف في الحجج المقدمة، وتحقق من مصداقية الأدلة، وتأكد من أنها كافية لدعم الاستنتاجات.
• ناقش أفكارك مع الآخرين، واستمع إلى آرائهم وتعليقاتهم. احذر من التحيزات المعرفية التي قد تؤثر في تفكيرك، ولا تتردد في التشكيك في الآراء السائدة، وكوّن آرائك الخاصة بناءً على الأدلة والمنطق.
تعزيز توظيف مهارة التفكير النقدي في مجال التعليم
تقع مسؤولية تعزيز مهارات التفكير النقدي لدى الطلبة على واضعي السياسات والمناهج، ومعلمي المدارس، ومدرسي الجامعات، الذين يتوقع منهم تعزيز قدرات الطلبة على التحليل النقدي للمعلومات بدلاً من مجرد تلقيها وتداولها، وتمكينهم من التعامل مع تعقيدات المعرفة وتحدياتها بأسلوب منهجي يتسم بالوعي والاستقلالية.
إن تدريس التفكير النقدي يتضمن تدريب الطلبة على مهارات التحليل والنقد، وإثارة الأسئلة والتساؤل، والدفاع عن القضايا باستخدام التفكير الاستقرائي والاستنباطي، بالإضافة إلى تعلم كيفية اختيار المعلومات المفيدة والضرورية بدلاً من أن يكونوا متلقين سلبيين. كما يشمل تطوير هذه المهارات وتطبيقها في دراستهم الأكاديمية ومشكلاتهم اليومية، وفي التفاعل مع المحتوى الذي تقدمه وسائل التواصل الاجتماعي، والذي يُعرض غالبًا بأسلوب يشجع التفاعل السطحي والسريع. ومع ابتكارات الذكاء الاصطناعي المعززة لإنتاج المعرفة ونشرها بطرق يسهل فيها التلاعب والتشويه، باتت الحاجة ملحة لتطوير مهارات التفكير النقدي لدى الأجيال في جميع المراحل التعليمية.
خطوات وممارسات مقترحة لتطوير التفكير النقدي
• دمج التفكير النقدي في المناهج الدراسية: تضمين وحدات مخصصة تحتوي على أنشطة وأسئلة تحفز الطلبة على تحليل المعلومات وتقييمها، مثل: تحليل المقالات الإخبارية والتفكير في مدى مصداقيتها، وتطبيق أنشطة لعب الأدوار التي تتطلب الدفاع عن وجهات نظر قائمة على الأدلة.
• التعلم التفاعلي: طبيق أساليب مثل التعلم القائم على المشكلات لمعالجة قضايا حقيقية، والتعلم القائم على الاستفسار لطرح الأسئلة والبحث عن الإجابات، والتعلم القائم على المشروع لإنشاء حلول مبتكرة.
• توفير بيئة داعمة: تشجيع الطلبة على التعبير عن آرائهم بحرية، واحترام آراء الآخرين، وتحليل الأسباب والنتائج، والتعرف على التحيزات.
• استخدام التكنولوجيا التفاعلية: توظيف تطبيقات وألعاب تعليمية تتطلب التحليل والتقييم وتعزز التفكير النقدي.
• تمكين المعلمين: تدريبهم على طرح الأسئلة الفعالة وتصميم الأنشطة التعليمية التي تعزز التحليل والتقييم.
• ربط التفكير النقدي بالحياة اليومية: تقديم أمثلة واقعية تبرز أهميته في حل المشكلات اليومية واتخاذ القرارات.
• التقييم التحليلي: استخدام استراتيجيات تقييم تعتمد على المشاريع المفتوحة والتغذية الراجعة لتحسين التفكير النقدي.
أهمية التفكير النقدي في الإعلام
الإعلام هو ركيزة أساسية في بناء المجتمعات الحديثة، إذ يؤدي أدوارًا جوهرية تسهم في تعزيز التفاعل الإيجابي بين الثقافات المختلفة، وترسيخ أسس الحوار البنّاء، وتمكين المجتمعات من التعبير عن هويّاتها وأفكارها. يقوم الإعلام بذلك من خلال مجموعة واسعة من قنوات الاتصال التي تشمل نشر الأخبار، توفير المعلومات، وبث الإعلانات؛ مما يجعله أداة فعّالة للتأثير في الرأي العام وتشكيل وعي الأفراد. ويُعد الإعلام وسيلة اجتماعية رئيسة للتواصل مع الجمهور عبر وسائط متعددة مثل الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية، إلى جانب الإعلام الرقمي الذي يشمل الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي التي أضحت اليوم شريانًا حيويًا لنقل المعلومات في العالم. ما يميّز الإعلام المعاصر هو تدفق المعلومات بوفرة غير مسبوقة وسرعة انتشارها في مختلف أرجاء الأرض؛ مما يجعله قوة مؤثرة قادرة على تغيير مجريات الأحداث وتعزيز المشاركة المجتمعية.
إن هيمنة وسائل الإعلام على حياة الأفراد نتيجة الاتصال المباشر والمستمر مع مختلف مجالات الحياة للفئات الاجتماعية كافة تفرض ضرورة ملحة لخلق وعي نقدي حول كيفية التعامل مع هذه الوسائل. هذا الوعي يتطلب إتقان مهارات تفكير متقدمة، وعلى رأسها مهارة التفكير النقدي، التي تُعد حجر الزاوية في التفاعل الواعي مع الإعلام. فغياب هذا التفكير يؤدي إلى الاعتماد السطحي على الرسائل الإعلامية دون تمحيص؛ مما يعطّل قدرات الفرد العقلية ويجعلها رهينة للاستخدام السطحي. والتفكير النقدي هو الوسيلة الأهم لتحسين قدرة الفرد على تحليل المعلومات بحيادية وعقلانية بعيدًا عن التأثير العاطفي. وهو يعزّز مهارات المناقشة، الحوار، التواصل، والتفاوض؛ مما يمكّن الفرد من اتخاذ قرارات مستنيرة في حياته الشخصية والاجتماعية. كما أن امتلاك هذه المهارة ينعكس إيجابيًا على طريقة الفرد في انتقاء المحتوى الإعلامي، ويشجعه على البحث العميق والتحقق من صحة المعلومات.
يسهم الوعي النقدي في حماية الأفراد من الانجرار وراء الأخبار الكاذبة والشائعات المغرضة، التي قد تؤدي إلى ارتباطات خطيرة مع جهات مشبوهة مثل شبكات الجريمة المنظمة، أو الإرهاب، أو المخدرات، أو غسيل الأموال. والأخطر من ذلك التعاطي السلبي مع المواد الإعلامية التي تُقدَّم في إطار سطحي أو مبتذل أو دعائي، والتي باتت تعيق التفكير النقدي الرصين وتُشجع على التفكير السريع وغير المدروس.
ولمواجهة هذه التحديات، يجب على الأفراد أن يحرصوا على تعلم التساؤل المستمر وتحليل الرسائل الإعلامية بعمق وكشف آليات التضليل والدعاية التي قد تمارسها بعض وسائل الإعلام. وعبر التفكير النقدي، يستطيع الفرد رسم خريطة إدراكية دقيقة لفهم معطيات العالم ومتغيراته، وإيجاد حلول بديلة للتعامل مع التحديات التي تفرضها هذه البيئة الإعلامية المعقدة.
لذلك، يُعد التفكير النقدي أمرًا أساسيًا في المشهد الإعلامي، وهو يتطلب تحليل المعلومات وتقييمها بدلاً من قبولها بشكل سلبي كما هي. وصاحب العقل النقدي هو الذي يقوم بالتفكير فيما يتعرض له من محتوى إعلامي أولاً قبل استنتاج أي أمر، وقبل أن يقوم بمشاركته مع أشخاص آخرين (شيبوب، 2023).
وتكتسب مهارة التفكير النقدي أهمية خاصة في هذه الأيام، حيث تزدحم الوسائط الإعلامية بالكثير من المحتوى المُعدّ بشكل يجعل من الصعب على الكثيرين التمييز بين المعلومات الزائفة أو المضللة. ومع زيادة الاعتماد على المنصات الرقمية للحصول على الأخبار والمعلومات، تصبح مواجهة المعلومات المضللة تحديًا كبيرًا للتفكير النقدي واتخاذ القرارات المستنيرة. لذلك، ينبغي توظيف مهارات التفكير النقدي عند التعامل مع المحتوى الإعلامي، والاستفادة من الإمكانات الناتجة عن هذا التفكير (شيبوب، 2023):
· بناء وتطوير الوعي الإعلامي، وتعزيز القدرة على انتقاء المضمون الإعلامي وتحليله وتقييمه، والتفاعل بذكاء مع المعلومات، والتنقل بوعي في بحر المعلومات الواسع واكتشاف الأخبار المشبوهة.
· تجنب فخ التضليل الإعلامي، والتمييز بين السلبي والإيجابي في المواد الإعلامية التي يتم بثها وإذاعتها، والتحقّق من مصداقية المصادر، وتجنّب الوقوع ضحية للشائعات والأخبار الكاذبة.
· تحليل النوايا وراء الرسائل الإعلامية، وتقييم صحة الحجج المقدمة، وتقييم المصادر بفعالية، وتحديد التحيزات في وسائل الإعلام، خاصةً في بيئة مليئة بالمعلومات.
يُعدّ التفكير النقدي مهارة أساسية في القرن الحادي والعشرين، إذ يمكّننا من تحقيق الفوائد الآتية (الكوزي، 2024):
· اتخاذ قرارات صائبة حول القضايا المختلفة على أساس المعلومات المتاحة مستندين إلى الأدلة والمنطق.
· تحليل المشكلات وتحديد أسبابها الجذرية، ثم إيجاد الحلول المناسبة لها وتطبيقها وتقييم نتائجها.
· تطوير الذات وتعزيز القدرة على التفكير باستقلالية وموضوعية.
· تمكين الأفراد من المشاركة بوعي في الحياة السياسية والاجتماعية، والتعبير عن آرائهم في النقاشات المجتمعية، والتعامل مع سيل المعلومات بدقة ووعي.
· على المدى البعيد، يمكن أن يفيد التفكير النقدي في تمكين البعض من اكتشاف الخلفية الفكرية والميل الفكري لمصدر المعلومة، والتفطن للدعاية الكاذبة، وكشف المغالطات.
معوقات التفكير النقدي
إذا لم يتعلم الفرد كيفية التحقق من صحة المعلومات التي يحصل عليها، سواء من المناهج التعليمية المختلفة أو مما يُنشر على وسائل التواصل الاجتماعي، فإنه يصبح عرضة للتضليل، وقد يشارك دون قصد في نشر الأخبار الكاذبة وتداولها كأنها حقائق. لذلك، من الضروري تعزيز التفكير النقدي لدى الأفراد، رغم وجود معوقات متعددة تحول دون ذلك (البغدادي، 2021؛ الكوزي، 2024)، ومنها:
1. الجمود والتزمت: الانتماء إلى نظم مغلقة تتصف بالتسلط وضيق الأفق، مقارنة بالنظم المنفتحة التي تتسم بالمرونة وقبول الأفكار الجديدة.
2. العناد والتمسك بالرأي: إصرار الفرد على آرائه دون أدلة واضحة، حتى في مواجهة آراء أكثر منطقية أو أدلة جديدة.
3. التعصب والانحياز: التأثر ببيئة الفرد وتربيته، مما يؤدي إلى تعصب مفرط وانحياز في الآراء.
4. الخوف من التغيير: تردد الفرد في مواجهة الحقائق التي تتطلب تغييراً في آرائه أو تبنّي أفكار جديدة.
5. الكسل وافتقار الصبر: تجنب بذل الجهد والصبر المطلوب لتحليل الآراء المختلفة.
6. الحصانة الزائفة: اعتقاد خاطئ بعدم التأثر بالتلاعب الإعلامي أو الرقمي، مما يؤدي إلى التهاون في التحليل النقدي.
7. التفكير الجماعي: ضغط الجماعة يدفع الأفراد لتبني آراء دون تقييم نقدي.
8. التسرع والاندفاع: إصدار أحكام أو استنتاجات دون التعمق في فهم وتحليل الموضوع.
9. تحيز التأكيد: البحث عن المعلومات التي تدعم المعتقدات المسبقة مع تجاهل الأدلة الأخرى.
10. الصعوبة في التعبير: الخوف من التعبير عن الآراء المخالفة نتيجة تجارب سابقة أو ضغط مجتمعي.
خلاصة
لعل أبرز ما يُميّز التفكير النقدي هو قدرته على تعزيز التفكير المستقل؛ فهو يساعد الفرد على تجنب قبول ما يُقال على نحو أعمى، بل يدعوه إلى التحقق مما يُقال أو يُسمع، بطرح الأسئلة والبحث عن الأدلة التي تدعم الادعاءات أو تُفنّدها. إن التفكير النقدي لا يهدف إلى التشكيك لمجرد التشكيك، بل يسعى إلى تسليح الفرد بمهارات التحليل والبحث عن الحقيقة دون تحيّز. علينا ألا ننسى أننا كمستهلكين للمعرفة، لدينا مسؤوليات أخلاقية توجهنا نحو تقييم المعلومات التي نستهلكها ونشاركها بعناية، والتحقق من المصادر، وتجنب نشر المعلومات المضللة، والتفكير في تأثير أفعالنا على الآخرين.
لذلك، يعدّ التفكير النقدي أداة ضرورية في مجالي التعليم والتدريب، يجب على كل فرد التسلح بها في مواجهة المعلومات الزائفة أو المشوهة أو المغلوطة التي تصدر عن جهات توظف مختلف السبل لخداع الآخرين وتحقيق مصالح شخصية أو حزبية ضيقة. وإذا لم يتسلّح الفرد بمهارة التفكير النقدي في أسرع وقت، فسوف يصبح عرضة للتلاعب من قبل بعض الجهات التي تسعى غالبًا لتحقيق أهداف خاصة ومشبوهة.
مراجع
- الاسدي، مروة. (2023). كيف تستخدم مهارة التفكير الناقد عبر وسائل الإعلام. مقالة منشورة بتاريخ 23 تشرين أول 2023. https://2u.pw/aMItUK3u
- البغدادي، محمد. (2021). مهارات التفكير النقدي واستخدامها مع وسائل الاعلام. نشر بتاريخ 27 آذار 2021.
- https://maqall.net/education/critical-thinking-skills-use-media/
- شيبوب، بيبو.(2023). إجراءات التفكير الناقد للإعلام. المرسال. نشر بتاريخ 4 كانون الأول 2023. https://www.almrsal.com/post/1192994
- الكوزي. (2024). التفكير النقدي: كل ما تحتاج معرفته عنه؛ تعريفه، مهاراته، مراحله، ومعوقاته. مقالة منشورة بتاريخ 10 تشرين الثاني 2024. https://elgouzitalks.com/critical-thinking/
وحيد جبران: استشاري تعليم وتدريب
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء