كيف نفهم الوضع السوري، ما الذي جرى في بضع أيام؟
كتب نضال العضايلة: ما الذي شهدته الساعات الأخيرة التي سبقت سقوط النظام السوري، وحركة الدول الفاعلة في الملف السوري "روسيا، إيران، تركيا، أميركا وإسرائيل".
تشير المعلومات إلى تحولٍ كبير شهدته المنطقة فيما يتعلق بالملف السوري، هذا التحول يشبه الى حد كبير تحولات جرت في القرن العشرين، البعض يطلق عليها سايكس-بيكو جديدة، والبعض الآخر أعتبرها لحظة شبيهة بخروج الأميركيين من سايغون في فييتنام،
لكنها في جميع الأحوال، لحظة امفصلية في تشكيل مستقبل الشرق الأوسط الآن.
السقوط الذي اذهل العالم بسرعته ودقته، لم يحدث بصورةٍ مفاجئة بل جاء نتيجة 13 سنة أُنهكت فيها سوريا بالقتال والعقوبات وشدة الضغوط، وضيق خيارات الاستجابة لتداعياتها، ثم كان خطأ أخير في فهم اللحظة.
النقلة الأخيرة كانت قاتلة حين رفض الأسد الدعوات الروسية والتركية للذهاب باتجاه حلٍ سياسي، خصوصاً أن ظروفه الداخلية كانت كلها تشير إلى استحالة القدرة على الدفاع، في ظل توحش إسرائيل في المنطقة، ومساندة واشنطن لها مهما فعلت.
في الأسابيع الأخيرة، وبعد ما وصلت اليه المنطقة في لبنان وغزة، تلقى الأسد مطالباتٍ من أردوغان وبوتين بضرورة الذهاب بسرعة نحو حلٍ سياسي يجنب سوريا تداعيات التحول الكبير في المنطقة، الا ان الأسد تمسك بموقفه الرافض لكل الحلول، في حين كانت تسوية كبرى تجري من دون أن يجد مكاناً له فيها، على الرغم من المحاولة الروسية التركية الأخيرة لإبقائه في اللعبة.
وفي الذي كان يطلب فيه المساعدة العسكرية من روسيا وإيران، كان التدخل الروسي مستحيلاً، إذ كانت قد اتخذت قرار تركه وحيداً في الساحة، وكان التصريح الأخير بأنها "لن تدافع إذا كان الجيش السوري لا يريد القتال".
روسيا التي باتت بحاجة إلى ضمان أمنها القومي من الجهة الغربية، أصبحت تدرك ان وجودها في سوريا يحدد جزئياً مكانتها العالمية، لكن الضرورة الآن توجب حفظ الداخل وأمن الحدود، إذاً سوريا باتت بالنسبة لروسيا عبء وعلى هذا الكابوس ان يصل الى خط النهاية.
على الجانب الآخر حرّك الرئيس التركي أردوغان ورقة تحرك المعارضة في وقت قاتل للجميع، فهو من ناحية، استغل لحظة خروج حزب الله من الحرب مع إسرائيل بضغوط هائلة وخسائر مادية وبشرية قاسية، وفي لحظة تحفّز إسرائيلية لضرب إيران، ومحاولات مضنية للحصول على موافقة ترامب على خوض هذا الرهان.
كما وضع أردوغان بهذه الحركة روسيا في موقف لا تحسد عليه فهي أمام احتمالين لا ثالث لهما، القتال إلى جانب الأسد أو القبول بخروجه.
في المقابل فإن الموقف الإيراني بتجنب المشاركة المباشرة في التصدي للهجوم يشير إلى فهم أن التوجه بات أقرب إلى إقفال حرب أوكرانيا وفتح النار عليها، هذا الاعتقاد يعزز ما ذهب اليه ترامب بخصوص غزة، وتهديده بجحيمٍ كبير غير مسبوق في الشرق الأوسط إذا لم يتم الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين.
كما وردت إشارات في غير مكان وانعكست في الصحافة عن قابلية نتنياهو لاستخدام الأسلحة النووية فور اندلاع حرب مع إيران، وطهران تعلم أن التدخل المباشر لمنع سقوط سوريا كان يستوجب حرباً طويلة وموارد كبيرة، إلى جانب المخاطر الكبرى. وذلك بموازاة الانقسام الداخلي حول خيارات التعامل مع أميركا ومد خيوط تفاوض خلفية معها.
في المقابل فلا شك أن التغيير في سوريا يحرم حزب الله من خط إمداده،
لكنه أيضاً تلمس فخاً جديداً ينصب له هناك، لتجديد الحرب عليه استناداً إلى نتائج الحرب التي توقفت، والمتغيرات الجديدة في سوريا، لهذا سيكون إرسال المقاتلين إلى سوريا محفوفاً بالخطر بشدة الهجوم المدعوم تركياً، وانكشاف كامل من الجو أمام الطيران الإسرائيلي، وقطع خطوط الإمداد، بالإضافة الى حصار داخلي لبناني لهذا الخيار، والمخاطرة بإسقاط اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل.
سوريا الجديدة تبدو مبعث قلقٍ الآن في المنطقة، على الرغم من التطمينات التي ترسلها هيئة تحرير الشام بغير اتجاه، فالدول العربية القريبة تتوجس من حكم الإسلاميين المتناغمين مع تركيا في دمشق، والزخم الجديد المدعوم من أنقرة، والذي تحصل على إشارات إسرائيلية إيجابية، يكتسب بالنسبة لهم قدرةً مستجدة على التوسع.
لذلك لم تظهر هذه الدول حماسةً لهذه النقلة الجديدة، فيما حشد لبنان والعراق قواتهما عند الحدود لدرء أي انفلات للخطر نحوهما.
وتبقى قضية سوريا الجديدة في بدايتها، والجميع يبحث الآن عن نقطة التوازن بين مصالح اللاعبين من جهة، ويتمنون أن تستقر سوريا بأسرع وقتٍ ممكن لأن تشظيها سيرسل الحمم خارج الحدود في جميع دول الجوار.
في حسابات اللحظة، تبدو خيارات تركيا وأميركا هي الرابحة، فيما تنتظر إسرائيل جائزةً كبرى يقدمها ترامب لها بأن يختار ضرب إيران بعد إنهاء حرب أوكرانيا، فاللحظة الجيوسياسية خطرة جداً، وهي قابلةٌ لتحرك الحدود، وتغيّر الدول وإعادة تشكلها، بل وحتى نشوء كيانات جديدة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء