سوريا في عين العاصفة.. لم يصبح تاريخاً ليعيد نفسه
كتب: عمر عساف
هجوم في سياق
الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له مناطق الشمال السوري؛ حلب وريفها وريف حماة يقع في ظروف مختلفة وبالغة التعقيد، فإذا كانت مؤامرة عام 2010 وقعت في سياق ما سمي زوراً " بالربيع العربي" واتضح مبكراً أن أموالاً تم ضخها بغزارة للمتمردين وصلت إلى عشرات المليارات من الدولارات، كما تم حشد مرتزقة من 84 دولة يشاركون في "الثورة المزعومة" التي بدأت في يومها الاول غير سلمية بل مسلحة وعنيفة، وغير فقيرة بل بدأت بأنياب حادة وثراء فاحش، كما أكد ورعاها، واصطف ليس فقط الدول الاستعمارية الكبرى إلى جانب الثورة بل وبعض الخليجية النفطية، حتى أطلق عليهم اسم ثوار الناتو، وكذلك فعل النظام الرسمي العربي من خلال جامعة الدول العربية التي طردت سوريا من عضويتها ليبقى مقعدها شاغراً في سابقة لم تشهدها من قبل.
رهانات وسقوط حتى الهاوية؛
واستطاع "الثوار المرتزقة" السيطرة على أجزاء واسعة من سوريا من شمالها حيث تركيا الراعي الأول والممر الأول للاسلحة "والثوار والمرتزقة" وما لها من أطماع في الشمال السوري، إلى غرفة "الموك" على الحدود الأردنية السورية العراقية والرعاية الأمريكية وقاعدة التنف، ومثلت حركة الإخوان المسلمين رأس الحربة في "الثورة السورية " التي وصلت إلى أرياف دمشق، وظلت العاصمة وحدها، ومنطقة الساحل السوري تحت سلطة الدولة السورية، ومثلت في حينه اختباراً حقيقياً لحلفاء سوريا من مكونات محور المقاومة، مما دفع إيران وحزب الله إلى انخراط فعلي في القتال دفاعاً عن لبنان كما هو دفاع عن سوريا، كما أعلن سماحة السيد الشهيد حسن نصر الله وبالمقابل احتضنت إسرائيل "الثورة السورية" وكذلك فعلت فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة ودول عربية ومصر المرحوم محمد مرسي، وفي حينها أحدثت الثورة السورية والموقف منها انقساماً حاداً عمودياً بين المثقفين والسياسيين في العالم العربي، فاختبأ البعض خلف شعارات الديمقراطية والحريات وتصنيفات ثارية مع سوريا واتخذ موقفاً منحازاً لصالح ما سمي "بالثورة السورية" ليجد نفسه في أحضان قادة الاستعمار التقليديين فرنسا وبريطانيا، والاستعمار الحديث؛ أمريكا وحلفاوها، وبعضهم وجد نفسه يعوم في المال المدفوع من دول ديمقراطية حتى النخاع، وآخرين راهنوا على تلزيم المنطقة للإخوان المسلمين لنصف قرن من الزمن.
المقاومة .. لماذا سوريا؟
وفي مواجهة هؤلاء كان انصار محور المقاومة الذين رضعوا منذ صغرهم حليبا يحدد معياراً شبه ثابت لاتخاذ الموقف عنوانه "إذا رضيت عنك إسرائيل وأمريكا فأنت في الطريق الخطأ" وإذا اصبحت اسيراً للمال فأنت موضوع شبهة. انطلق هؤلاء في موقفهم من أن سوريا مستهدفة وتتعرض لمؤامرة لأنها لم تطبع ولم تعقد صلحاً مع إسرائيل كما فعلت مصر والأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية، ولأن سوريا الدولة العربية الوحيدة الذي وفرت أمنا غذائياً لمواطنيها وكانت مديونيتها للبنك الدولي صفراً، ولأنها ظلًت القاعدة الخلفية لكل المقاومة في الإقليم وفي مقدمتها تاريخياً المقاومة فلسطينية، وكذلك المقاومة العراقية بعد احتلال العراق عام 003 ، والمقاومة اللبنانية خصوصاً حزب الله خلال السنوات التي تلت احتلال لبنان وحتى هزيمة إسرائيل عام 2006.
وقد ياخذ البعض على سوريا أنها لم تحارب إسرائيل، وفعلاً هي وحدها لا تستطيع محاربة إسرائيل في ظل خروج مصر والعراق وكل الدول العربية من ساحة المواجهة وظلت تعمل على تحقيق ما سمته "التوازن الاستراتيجي" وكانت ترسانتها من الأسلحة الكيماوية عنصراً رئيساً في هذا المجال.
حافلات النقل الخضراء .. الهزيمة
أواسط العشرية الثانية من القرن الحالي تمت هزيمة المشروع المؤامرة على سوريا ولم تسقط سوريا بفضل محور المقاومة بمكوناته؛ الحرس الثوري وحزب الله إلى جانب الدعم الروسي، ولعل خير من عبر عن تلك المؤامرة كان حمد ابن جاسم رئيس الوزراء ووزير خارجية قطر في مقابلاتته على " قناة قطر الفضائية" بأن الحلفاء اختلفوا على "الصيدة قبل اصطيادها بعد ان دفعوا 37 مليار دولار وجندوا عشرات الآلاف من المرتزقة من كل أقطار العالم تدريباً وتسليحاً وتمويلاً، ومع هزيمة المؤامرة وبسط الدولة سيادتها على الأراضي السورية، ظل الشمال السوري وتحديداً إدلب وشمال شرق سوريا، مدعومة من تركيا وأمريكيا تشكل لغماً قابلاً للانفجار كل وقت ويشغل الدولة والجيش السوري من حين لآخر، مع كل التباينات بين مكوناتها من داعش إلى جبهة النصرة إلى كتائب الزكي إلى قصد الى "الجيش الحر" وفصائل عدة.
كشف النقاب … الحقيقة واضحة
اليوم تعاود الأزمة السورية والمؤامرة على سوريا البروز من جديد والمعطى الثابت بين العامين 2010 و2024 هو الموقف من إسرائيل وموقع سوريا في محور المقاومة، وأفضل من عبر عنه كان خطاب الرئيس الاسد في القمة العربية والإسلامية قبل أسابيع قليلة، إذ كان الخطاب خارجاً عن سياق كل ما قاله الزعماء العرب حيث طالب بإعادة القضية الفلسطينية إلى جذورها باعتبارها اولوية الامة لا تتقدمها قضية اخرى، وهذا ما شكل تحدياً واستفزازاً لدولة الاحتلال ورئيس وزرائها الذي وجه تهديداً مباشراً للرئيس الاسد وسوريا، وهكذا جاء هجوم القوى المتمردة بعد أسابيع قليلة من هذه التهديدات وبعد تهديد جديد قبل يومين من هجمة داعش حين قال " ان الاسد يلعب بالنار"، وفي اليوم الأول لوقف إطلاق النار على الجبهة اللبنانية الذي شكل انتصارا لحزب الله ولمحور المقاومة وهزيمة لإسرائيل وإفشال أهدافها التي رفعتها في الحرب؛ بالقضاء على حزب الله وإعادة المهجرين، ذلك كان نتيجة التصدي الباسل من قبل حزب الله الذي شكل سداً منيعاً لتقدم جيش الاحتلال في لبنان، وظلت صواريخ الحزب تمطر المدن الصهيونية حتى اللحظة الأخيرة لوقف إطلاق النار مما اضطر إسرائيل وأمريكا للبحث عن حل سياسي في محاولة للحصول بالسياسة على ما فشلوا في الحصول عليه في الميدان ولفصل العلاقة بين حزب الله وغزة وسوريا، وقوى المقاومة كلها.
كما وتسعى الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا لأشغال روسيا في الجبهة السورية بعد هزائم الغرب على الجبهة الاوكرانية، وارتباطاً بذلك تشير بعض التقارير إلى أن المورد الرئيس لتزويد قوى المعارضة بالطائرات المسيرة هو أوكرانيا، ومن جانب ثالث تسعى تركيا للضغط على سوريا التي ترفض حتى الآن أية علاقات معها إلا بعد الانسحاب من الأراضي السورية كلها، مع أن تركيا تنفي تورطها في الهجوم الإرهابي.
من هنا لا يمكن لكل ذي عقل إلا أن يربط بين توقيت الهجوم على حلب وحماة ووقف إطلاق النار وربط الهجوم بالحرب الشاملة في المنطقة على الطرق التجارية من البحر الأحمر إلى فنلندا في سياق التنافس التجاري الدولي، مقابل هذا الموقف تختلف ظروف الجبهة التي تنتمي لها سوريا في واقعها عما كانت كانت عليه قبل حوالي عقد ونصف فروسيا اليوم موجودة في طرطوس وفي قاعدة "حميميم" ومنطقة اللاذقية، والحرس الثوري وفيلق القدس والمستشارون الإيرانيون موجودون على الأرض السورية، والحشد الشعبي العراقي مجاور لسوريا ومستهدف بعدوان داعش، وكذلك يتحدث البعض عن وجود كتائب لحزب الله في بعض القرى التي هاجمها المرتزقة، كله هذا يجعل من تدخل هذه القوى ودعم سوريا أمراً حتمياً وسهلاً وربما يضع المنطقة أمام إنفجار شامل.
خيار وحيد … نهاية المؤامرة ؛
إن مكانة سوريا في محور المقاومة تجعل من الدفاع عنها والتصدي للمؤامرة هدفاً مركزياً لكل قوى محور المقاومة التي لن تسمح باختراق اسرائيلي بالواسطة لهذه الجبهة، بعد أن فشلت إسرائيل بتحقيق الانتصار التي حلمت ان تحققه في لبنان لتعيد رسم الشرق الاوسط الجديد، ومركزية سوريا في العالم العربي والإقليم، تلزم روسيا بأن تكون إلى جانب سوريا في مواجهة هذه الهجمة التي تدعمها أوكرانيا وحلفاوها، وهي لن تفرط بموقعها في المياه الدافئة في المتوسط الذي ظل هدفاً يراود روسيا وقبلها الاتحاد السوفييتي لعقود عدة، وعلى الصعيد العربي جرب العرب وجامعتهم ونظامهم الرسمي الاصطفاف إلى جانب المتمردين وأنفقوا المليارات وبعد أخذ ورد اعادت الجامعة العربية إلى حضن سوريا، وليس العكس، وهم اليوم يدركون أن أي خطر يلحق بسوريا سيهز مكانة النظام الإقليمي ويخل بالتوازنات القائمة.
ومع وصول الادارة الأمريكية الجديدة إلى البيت الأبيض لن يكون من مصلحة تركيا وبالطبع إيران أن تتركا للولايات المتحدة أن تلعب بالإقليم أو تعيد ترتيب الشرق الأوسط وفق المصالح الإسرائيلية، لأن من شأن هذا أن يكون على حساب البلدين، خصوصاً إذا كان الموضوع الكردي على الطاولة وعلى حساب اراضي الدولتين، وعلى الصعيد الأوروبي فإن إرهاق الدول الأوروبية في أوكرانيا وخشيتها من اختلالات إضافية خصوصاً على صعيد استقرار أسواق الطاقة، سيدفعها لتجنب اية مغامرات حتى لو حاولت أن تدفعها لها الادارة الأمريكية.
لن يتكرر المشهد … الوقت من دم
كل هذه المعادلات تدفع باتجاه إنهاء هذه الأزمة التي يبدو أنه تم التحضير والإعداد لها منذ فترة لأهداف عدة منها؛ حرف الانظار عن مركزية القضية الفلسطينية التي دفعها طوفان الأقصى إلى مقدمة الاهتمام العالمي، ولفت الأنظار عن العمل على جلب نتنياهو وجالنت إلى محكمة الجنايات الدولية، وربما جر الكيان كله إلى محكمة العدل الدولية على خلفية الإبادة الجماعية، أو محاولة إشغال الرأي العام العالمي بحروب مذهبية او بعشرية أخرى من الحروب الأهلية، وربما يكون السعي الإسرائيلي الأمريكي هو المحاسبة بأثر رجعي وردع كل من وقف او يقف في مواجهة السياسات الأمريكية الإسرائيلية، ويجب أن لا ننسى للحظة أن سوريا ما زالت ترفض عقد اتفاقات صلح مع إسرائيل، وما زالت راعية لقوى المقاومة في المنطقة وركيزة أساسية في محور المقاومة، وأن بشار الأسد الذي تتحدى كولن باول حين زاره في دمشق بعد غزو العراق وحين كان مئات الآلاف من الجنود الأمريكيين في المنطقة مهدداً إذا ما تم مواصلة دعم المقاومة العراقية أو حزب الله ، أو دعم المقاومة في غزة وتسليحها هو نفس بشار الأسد الذي تحدث في القمة العربية قبل أسابيع مؤكداً ذات الموقف فهو إلى جانب المقاومة وإلى جانب فلسطين ولذا تظل المواجهة قائمة ما دامت إسرائيل هي الثابت الوحيد في السياسة الاستعمارية في المنطقة وتظل ماثلة في الموقف من أية دولة أو حزب أو جماعة، واخيراً فإن دور الادارة الأمريكية استنفذ العقوبات من خلال " قانون قيصر" وبعد ان أعلنت ادارة ترامب انها ليست في وارد ارسال قوات أمريكية إلى المنطقة، ورغم كل التهديدات الاسرائيلية الأمريكية فان هناك انحسارا للنفوذ الأمريكي على الصعيد العالمي وما زالت دولة الكيان تلعق جارحها جراء الحرب المستمرة منذ اربعة عشر شهراً ، فالمستقبل لمحور وقوى المقاومة وستهزم فلول داعش كما هزمت جحافله من قبل وليس ذلك ببعيد.
خلاصة
سوريا اليوم ليست مجرد ساحة معركة جيوسياسية، بل هي خط الدفاع الأول عن كرامة الأمة واستعادة حقوقها في وجه مخططات الهيمنة ومهما تنوعت أدوات العدوان واختلفت وجوه المتآمرين، تبقى دمشق رمزاً لصمود لا ينكسر وإرادة لا تُقهر. فقد أثبتت السنوات الماضية أن من يراهن على إسقاط سوريا يراهن على سراب، لأن محور المقاومة بتكوينه العضوي لن يسمح بسقوط قلعة العروبة الأخيرة. ولأن التاريخ يكتبه المقاومون الصامدون، فإن مستقبل المنطقة لن يكون إلا بيد من رفضوا الركوع، وأبوا أن يُباع ترابهم بثمن بخس وستبقى يدهم العليا، سوريا اليوم تقف بثبات في قلب العاصفة، لكنها ستخرج منها أكثر قوة، وستظل شعلة المقاومة التي لن تنطفئ مهما اشتدت التحديات.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء