اتفاق ببصمة الإحتلال وتعطيل المقاومة .. قراءة في اتفاق وقف إطلاق النار
كتب: نسيم قبها
لقد أكد الاتفاق الذي تم توقيعه بين لبنان و ( إسرائيل) على التزام الطرفين بقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701، والذي يركز على الحفاظ على "السلام والاستقرار" في المنطقة، وأنه سيتم مراقبة الالتزام بالاتفاقية من قبل لجنة مشتركة متفق عليها بين البلدين. وسيتم الإبلاغ عن أي انتهاكات إلى هذه اللجنة ولقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان.
لقد توضّح أن هذا الاتفاق بكل بنوده ، أنه يمثل هدنة لا تتيح استئناف المواجهة العسكرية عند الضرورة إلا للكيان الصهيوني؛ لأن بنود الاتفاق تمثل قيودًا على الحزب وتُعطل إرادته وقراره في المبادرة والهجوم، بينما تُمكن الكيان الصهيوني من استئناف عدوانه بذريعة الدفاع عن النفس، ولهذا صرح سموتريتش المعروف بمعارضته لوقف الحرب أن "اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان ربما يضمن أمن إسرائيل للأبد". وهو المطلوب اسرائيليًا على مستوى الأمن وعلى مستوى الاستراتيجية الاسرائيلية الواسعة في المنطقة، وبخاصة في المواجهة مع إيران، ومتطلبات المرحلة المقبلة من التطبيع والحل الإقليمي الذي سيحوي بوابة الشرق الأوسط ، لبنان أيضا . وهو الأمر الذي يؤكد أن الهدف الرئيس من الاتفاق هو تحقيق الفصل بين الجبهات، وإبطال فاعلية حزب الله في محور المقاومة وتحييده تمهيدًا لمواصلة إضعاف أذرع المقاومة التي تضعف يوما بعد آخر ، وتقويض قدرات إيران العسكرية وأجندتها السياسية في المنطقة، وتغيير ميزان القوة في الشرق الأوسط لصالح الكيان الصهيوني. ولا سيما وأن الاتفاق الذي تمحور حول "الصمت مقابل الصمت" يمكّن نتنياهو من طي صفحة كاملة من سياسة الكيان القائمة على الحروب الخاطفة والسريعة بعد أن رسخ في الوعي العام لدى أهل المنطقة بعامة، ولدى قوى المقاومة بخاصة، فكرة أن الكيان الصهيوني لا يبالي بفاتورة المواجهة في حال قرر توسيع النزاع مع إيران، وبعد أن أرغم القوى الغربية على تقديم الدعم المطلق لمواصلة عدوانه ووحشيته ، كما وأرغم الأنظمة في البلاد العربية على الثرثرة من بعيد ، وبعد أن طوَّع المناخ السكاني للكيان لتحمل الحروب الطويلة وتبعاتها من خسائر اقتصادية وبشرية، ولا سيما وأن القتلى الصهاينة من "المدنيين" لا يكاد يُذكر بسبب خضوع المقاومة لقواعد اشتباك عقيمة لا تحقق الردع الذي تتغنى به ، ولا تصب إلا في صالح العدو الذي لا يبالي في التدمير الهائل والتقتيل المستمر .
ولا شك أن اتفاق الهدنة هذا يمثل خطرًا استراتيجيًا على قوى المقاومة كلها، إذ لم يُخف نتنياهو نواياه وعزمه على ضرب مشروع إيران النووي في خطابه. وهو ما يُفسر تصريح رئيس هيئة الأركان العامة الإيرانية قبيل الإعلان عن اتفاق الهدنة: "لن نتحمل اعتداء على أراضينا ولن نبقي أي اعتداء دون رد". وقوله: "سنرد على العدوان الإسرائيلي الأخير بما يفوق تصورات قادة الكيان".
ومن المرجح أن يواصل نتنياهو قطع خطوط الإمداد الإيرانية لحزب الله في سوريا بوتيرة عالية والتي بدأت فعلا ، وقد مهد لذلك في خطابه بتهديد بشار الأسد شخصيًا، مما يعني أن العمليات العسكرية الإسرائيلية على الأراضي السورية سيجري تكثيفها. ولذلك كان ينبغي على القيادة الإيرانية والتي قال قائد فيلق القدس باسمها: "سنقف مع حزب الله حتى اقتلاع شجرة الصهيونية وتحرير فلسطين والقدس" أن تعاجل الكيان الصهيوني بالرد وحماية المقاومة لو كانت جادّة ، قبل اتفاق الهدنة مع لبنان التي باركته ، وقبل تولي ترمب سلطاته في البيت الأبيض.
وأما حزب الله فقد اتضح من خلال تكثيف هجماته على الكيان المحتل في الأيام الأخيرة والتي تجلت في إطلاق نحو 350 صاروخ على الكيان الصهيوني في يوم واحد، أنه يركز على إظهار قوته لمواجهة الضغط الصهيوني أثناء المفاوضات بالضغط المقابل، وتسجيل بصمة القوة مقابل البصمة التي تركها نتنياهو في هجماته الوحشية الواسعة قبل إعلانه لوقف إطلاق النار بساعات كنوع من التهديد والردع. كما ويهدف حزب الله من إظهار القوة إلى إرسال رسالة للداخل اللبناني بأنه لا يزال يتمتع بقوته، لمواجهة الصراع على السلطة والنفوذ السياسي. لا سيما وأن أميركا تعمل على استغلال الضربة التي تلقاها الحزب في قيادته وكوادره وترسانته وحواضنه الشعبية لإعادة هيكلة النظام وتقوية الجيش اللبناني والدفع لانتخاب رئيس موال لها وإلحاق لبنان بقطار النهج الإبراهيمي والتطبيع مع العدو الصهيوني. وهو ما عملت له السفيرة الأميركية في بيروت ليزا جونسون، التي دعت مؤخرًا القوى السياسية والمجتمع اللبناني إلى البدء في العمل على تأسيس مرحلة لبنان ما بعد حزب الله. ولهذا حرص الحزب على رسم صورة قوية عن نفسه في وجه خصومه السياسيين من خلال الكثافة الصاروخية على الكيان ومواقع توغل الجيش الصهيوني في الأراضي اللبنانية، والذي من شأنه أن يعزز موقفه في وجه خصومه أمثال البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي الذي قال: إن الشعب اللبناني "يرفض أن يكون رهينة ودرعًا بشرية وكبش فداء" لـ"ثقافة الموت التي لم تجلب سوى انتصارات وهمية". ولردع سمير جعجع الذي طالب بنزع سلاح الحزب مؤخرًا.
ووفقًا لهذه المعطيات فإن اتفاق الهدنة من شأنه أن يُحَيِّدَ حزبَ الله ويمهد الطريق لنقل لبنان من معسكر المقاومة إلى معسكر التحالف والتطبيع، وهو ما يصب في المشروع الأميركي ومصلحة الكيان الغاصب، وهو المشروع الذي كان يتطلب تحطيم حزب الله أو إضعافه عسكريًّا ومنعه من تحقيق نصر يعزز من شعبيته وثقله النيابي والحكومي، أو تحييده وتحجيم نفوذه وتأثيره في المسار السياسي عبر تصفية قيادته السابقة المحكومة بمواقف لا تتغير حيال القضايا السياسية العامة والمعادلات الإقليمية. ولهذا كثف حزب الله هجماته المؤثرة على الكيان بعد اغتيال حسن نصر الله لمواجهة الضغط العسكري والسياسي. وفي المقابل فإن هذا الاتفاق من شأنه أن يمكن نتنياهو من التركيز على مشروعه اليميني في غزة والضفة بعد تحييد حزب الله؛ ويمكنه أيضًا من التركيز على المواجهة المنتظرة مع إيران وأذرعها في اليمن وسوريا والعراق، مستغلًا ما حققه من إنجازات كبيرة أمام الرأي العام الداخلي والدولي، وفي مقدمتها تصفية الصف الأول في قيادة الحزب السياسية والعسكرية وتدمير جزء من قدرات الحزب وترسانته العسكرية، والتوغل في بعض القرى الحدودية اللبنانية. ومن ثم لم يعُد هناك تحديات تؤثر على نهج نتنياهو وحكومته المتطرفة بعد تحييد حزب الله، وسيطرته على قطاع غزة وبعد فوز ترمب بالرئاسة الأميركية سوى التحديات الداخلية التي لا تملك فيها المعارضة الإسرائيلية القدرة الوازنة للتأثير في ظل ائتلاف حكومي متماسك ومسنود بظهير يميني صهيوني ديني واسع.
إن اتفاق وقف إطلاق النار لا يعني بالضرورة وقف الحرب ، ما يعني أن المبادأة في أي عمل عسكري سيكون في يد دولة الإحتلال ، والتي شكّلت صورة الردع في الشارع العربي ، ولو أنها صورة مرفوعة بالصمت الرسمي العربي ، لا بقدرة وقوة دولة الإحتلال ، وهذا ما يمكّن الكيان الغاصب في التعاطي الأمني العسكري الذي يهدد هيبته بلا رحمة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء