الدولة العميقة وتأثيرها على السياسات الاستراتيجية – الولايات المتحدة الامريكية نموذجا

12.11.2024 09:48 PM

كتب خالد ناصيف : مفهوم الدولة العميقة هي مصطلح يُستخدم لوصف مجموعة من المؤسسات الرسمية وغير الرسمية في الدولة، التي تتمتع بنفوذ قوي على صنع القرارات والسياسات، وتعمل بشكل شبه مستقل عن الهياكل الديمقراطية الظاهرة. يشير مفهوم الدولة العميقة إلى شبكة معقدة من المسؤولين العسكريين، والاستخباراتيين، والسياسيين، ورجال الأعمال، والمصالح الخاصة، الذين يمتلكون السلطة الحقيقية خلف الكواليس.

عناصر الدولة العميقة
1. الأجهزة الأمنية والعسكرية: تشمل المخابرات، ووكالات الاستخبارات، والمؤسسات الأمنية والعسكرية، والتي غالباً ما يكون لها نفوذ قوي في السياسات المتعلقة بالأمن القومي.
2. الشركات متعددة الجنسيات وأصحاب النفوذ الاقتصادي: تلعب الشركات الكبرى والبنوك دوراً مهماً في التأثير على السياسات الاقتصادية والتجارية من خلال التمويل والضغوط الاقتصادية.
3. القضاء والبيروقراطية: يعتمد النظام القضائي والمستويات البيروقراطية العليا على استمرارية المؤسسات والأنظمة القائمة، وقد تؤثر على السياسات بطرق غير مرئية.
4. المصالح الإعلامية: الإعلام ومراكز الأبحاث التي تدعمها جهات نافذة تعمل على تشكيل الرأي العام بما يتماشى مع أجنداتها الخاصة، وتوجيه النقاشات السياسية.
دور الدولة العميقة في رسم السياسات الاستراتيجية
تعمل الدولة العميقة في الولايات المتحدة على تشكيل وصياغة السياسات الاستراتيجية بطرق عدة:
1. التحكم في القرارات الأمنية والسياسية: تعمل الدولة العميقة على التأثير في قرارات الأمن القومي والسياسات الخارجية. من أمثلة ذلك العلاقات الدولية، والتدخلات العسكرية.
2. التأثير على السياسة الاقتصادية: تتمتع الشركات الكبرى والبنوك بنفوذ واسع من خلال اللوبيات والتبرعات السياسية، مما يؤثر على السياسات الاقتصادية والتجارية.
3. توجيه الإعلام والرأي العام: تقوم الدولة العميقة باستخدام الإعلام ومراكز الأبحاث للتأثير على الرأي العام وتشكيل سرد معين يخدم مصالحها.
4. ضمان استمرارية المصالح الكبرى: تحاول الدولة العميقة المحافظة على المصالح الأساسية، مثل استقرار النظام المالي والأمني، بغض النظر عن الحكومات المتعاقبة.
الولايات المتحدة كنموذج
في الولايات المتحدة، يبرز مفهوم الدولة العميقة من خلال التداخل بين المؤسسات العسكرية والأمنية والمالية والشركات التكنولوجية الكبرى، حيث تمثل شبكة قوية تعمل خلف الكواليس لضمان استمرارية الهيمنة السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة على المستوى العالمي، بغض النظر عن تغير الإدارات الرئاسية.
أساليب الدولة العميقة في تنفيذ سياساتها الاستراتيجية
في الولايات المتحدة تعتمد الدولة العميقة على مجموعة من الأدوات والوسائل التي تتيح لها التأثير على القرارات والسياسات العامة دون أن تظهر للعلن. فيما يلي بعض من أبرز هذه الأساليب:
1.  التأثير على النظام السياسي من خلال اللوبيات
• الضغط السياسي (Lobbying): تُعد اللوبيات وسيلة أساسية للدولة العميقة في التأثير على المشرعين وصناع القرار، حيث تدعم جماعات الضغط السياسي القوية مثل "لوبي الدفاع" و"لوبي النفط" و"لوبي التكنولوجيا" مصالح الدولة العميقة، وتسعى لتمرير القوانين أو تعطيلها بما يخدم مصالحها.
• الدعم المالي للمرشحين: تمول جماعات الضغط والجهات النافذة حملات انتخابية لمرشحين يدعمون سياساتها، ما يضمن وصول مسؤولين مؤيدين لها إلى مناصب هامة.
2.  السيطرة على المعلومات والإعلام
• التأثير على وسائل الإعلام: تستخدم الدولة العميقة وسائل الإعلام الكبرى للتأثير على الرأي العام وتوجيه النقاشات حول قضايا معينة بما يخدم مصالحها، إما من خلال الشراكات مع المؤسسات الإعلامية أو الترويج لروايات محددة حول الأحداث والسياسات.
• التلاعب بالمعلومات: تعتمد الدولة العميقة على نشر المعلومات المضللة أو حجب المعلومات الحساسة عن الجمهور، بهدف توجيه السياسات الداخلية والخارجية نحو تحقيق أهدافها دون إثارة جدل أو اعتراض شعبي.
3.  التأثير على القرارات الاقتصادية
• التدخل في الاقتصاد: تستخدم الدولة العميقة نفوذها داخل الشركات الكبرى والبنوك لتحريك الاقتصاد بما يتماشى مع أهدافها الاستراتيجية، بما في ذلك التحكم في الأسواق العالمية والتأثير على السياسات المالية والنقدية.
• استغلال الأزمات الاقتصادية: تلجأ الدولة العميقة إلى استغلال الأزمات الاقتصادية لتبرير سياسات تزيد من نفوذها، مثل تعزيز التدخل الحكومي في الأسواق أو دعم القطاعات التي تخدم مصالحها.
4. استخدام الأجهزة الأمنية والاستخباراتية
• التنصت والمراقبة: تعتمد الدولة العميقة على قدرات الأجهزة الأمنية والاستخباراتية لمراقبة الأفراد والجماعات داخل وخارج الولايات المتحدة، ما يتيح لها تحصيل المعلومات الحساسة عن الخصوم وتجنب التهديدات التي قد تعيق تنفيذ سياساتها.
• العمليات السرية: تقوم الدولة العميقة بتنفيذ عمليات استخباراتية سرية خارجية، بما في ذلك الانقلابات والتدخلات العسكرية، لفرض النفوذ الأمريكي في الدول الأخرى والتأثير على حكوماتها.
5.  التأثير على السياسات الخارجية
• العقوبات الاقتصادية: تستعمل الدولة العميقة العقوبات كوسيلة للضغط على الدول الأخرى وتوجيه سياساتها بما يتوافق مع المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة.
• الدعم العسكري: تقوم الدولة العميقة بتسليح وتدريب قوات عسكرية وحركات سياسية حليفة، مما يضمن ولاء هذه الجهات ويزيد من التأثير الأمريكي في مناطق النزاع.
6. التحكم في القطاع التكنولوجي
• الشراكات مع شركات التكنولوجيا الكبرى: تقوم الدولة العميقة بالتعاون مع الشركات التكنولوجية العملاقة مثل "جوجل" و"فيسبوك" و"أمازون" لضبط البيانات الشخصية للمستخدمين ومراقبة التوجهات العامة للأفراد، ما يمكنها من رسم استراتيجيات فعالة للتعامل مع التغيرات الاجتماعية والاقتصادية.
• تطوير التقنيات العسكرية والاستخباراتية: تستثمر الدولة العميقة في الأبحاث التكنولوجية المتقدمة التي تعزز قدراتها العسكرية والاستخباراتية، مثل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي وتكنولوجيا الطائرات بدون طيار.
7. التأثير على السلطة القضائية
• تعيين قضاة مؤيدين: تسعى الدولة العميقة إلى تعيين قضاة في المحكمة العليا والمحاكم الفيدرالية الذين يتماشون مع توجهاتها، مما يضمن وجود نظام قانوني يميل لصالحها عند اتخاذ القرارات القضائية الحاسمة.
• الضغط على القضاء: يمكن أن تمارس الدولة العميقة ضغطًا غير مباشر على القضاء لتوجيه الأحكام في القضايا الهامة، مما يسمح لها بفرض القوانين والقرارات التي تخدم مصالحها الاستراتيجية.
تتمثل أساليب الدولة العميقة في الولايات المتحدة في قدرتها على اختراق كافة مستويات السلطة والنظام الاجتماعي، من خلال استخدام الأدوات السياسية، الاقتصادية، الإعلامية، الأمنية، والتكنولوجية. هذا التغلغل يجعلها قادرة على التأثير بشكل كبير على السياسات الاستراتيجية للدولة، والتحكم في مجريات الأمور دون الحاجة للظهور في الواجهة.
مدى تأثير الدولة العميقة على السياسات الاستراتيجية للولايات المتحدة الامريكية في ادارة الرئيس دونالد ترامب
في فترة رئاسة دونالد ترامب، كان تأثير الدولة العميقة على السياسات الاستراتيجية للولايات المتحدة موضوعًا مثيرًا للجدل، حيث أشار ترامب وكثير من مؤيديه إلى أن هناك محاولات من قِبل "الدولة العميقة" لإفشال أجندته. وقد شمل هذا التأثير عدة مجالات من بينها السياسة الخارجية، الأمن القومي، الاقتصاد، والسياسة الداخلية. فيما يلي نظرة على مدى هذا التأثير في ظل إدارته وتأثيره المحتمل في المستقبل:
1. السياسة الخارجية والأمن القومي
• التأثير على القرارات الخارجية: عارضت العديد من المؤسسات الاستخباراتية وبعض الجهات السياسية أساليب ترامب التفاوضية، مثل انفتاحه غير التقليدي على كوريا الشمالية ونهجه المتقلب تجاه روسيا. على الرغم من رغبة ترامب في إعادة النظر في التزامات الولايات المتحدة الخارجية، ضغطت جهات نافذة للحفاظ على استراتيجيات التحالفات التقليدية، مثل دعم حلف الناتو.
• السياسات تجاه الصين وإيران: دعمت الدولة العميقة بشكل عام تصاعد النهج المتشدد تجاه الصين، إلا أن نهج ترامب كان يتسم بالتقلب أحياناً، مما دفع العديد من المسؤولين لضبط قراراته لضمان استمرارية الضغط. كما اتخذ ترامب موقفًا عدائيًا من الاتفاق النووي مع إيران، وهو موقف تماهى مع توجهات بعض الأطراف داخل الدولة العميقة التي كانت ترى ضرورة اتباع سياسات قوية تجاه إيران.
2. السياسات الاقتصادية
• التوجهات التجارية: حاول ترامب تنفيذ سياسات تجارية حمائية تهدف إلى تقليص العجز التجاري مع الصين وأوروبا، لكن جهات نافذة في الدولة العميقة، خاصة في المؤسسات المالية الكبيرة، كانت تدعو إلى توازن أكبر نظرًا للروابط الاقتصادية العميقة مع هذه الأسواق. لعبت الدولة العميقة دورًا في تقليل أثر بعض السياسات الاقتصادية عبر المؤسسات المالية والمصرفية الفيدرالية.
• السياسة النقدية: تعرض ترامب للخلاف مع مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي) في محاولاته للضغط لخفض أسعار الفائدة. هنا، يظهر تأثير الدولة العميقة من خلال استقلالية المؤسسة ورفضها التأثر المباشر بقرارات ترامب، مما أضعف قدرته على التحكم الكامل بالسياسة النقدية لتحقيق أهداف اقتصادية سريعة.
3. التأثير على المؤسسات الحكومية والقضائية
• التحقيقات والإجراءات القانونية: واجهت إدارة ترامب سلسلة من التحقيقات والإجراءات القضائية، بدءًا من التحقيق في مزاعم التدخل الروسي في الانتخابات، والتي أشرف عليها المحقق الخاص روبرت مولر، إلى محاولات العزل. يعتبر الكثير من المحللين أن هذه التحقيقات جاءت نتيجة لضغوط من أطراف داخل الدولة العميقة التي كانت معارضة لسياسات ترامب غير التقليدية.
• التعيينات القضائية: بالرغم من أنه قام بتعيين العديد من القضاة المحافظين في المحاكم الفيدرالية، إلا أن بعض القضاة واصلوا اتخاذ قرارات مستقلة تتعارض مع توجهاته، مما يعكس تأثير الدولة العميقة في حماية استقلالية القضاء عن سياسات الإدارة.
4.  الإعلام والرأي العام
• التلاعب بالرأي العام: لعبت الدولة العميقة دورًا كبيرًا في وسائل الإعلام التقليدية والتواصل الاجتماعي، حيث انتقدت وسائل الإعلام الرئيسية توجهات ترامب وسياساته. ساهم الإعلام في تضخيم التوترات بين ترامب وأجهزة الدولة، مما زاد من التحديات التي تواجه إدارته في تنفيذ سياساتها.
• التواصل الاجتماعي: تعرض ترامب للرقابة على وسائل التواصل الاجتماعي، لا سيما خلال السنوات الأخيرة من ولايته، وهو ما اعتبره محاولة لتقويض خطابه الشعبوي وتوجيه الرأي العام بعيدًا عن سياساته، بدعم من شركات التكنولوجيا التي تتماشى مصالحها أحياناً مع توجهات الدولة العميقة.
5. الحد من سياسات الهجرة والأمن الداخلي
تقييد سياسات الهجرة: سعى ترامب إلى تشديد السياسات الحدودية وفرض قيود صارمة على الهجرة، غير أن بعض الإجراءات واجهت معارضة من القضاء، فضلاً عن عدم تعاون بعض المؤسسات الحكومية في تنفيذ سياسات صارمة على المدى الطويل. أظهر هذا الأمر مقاومة من داخل الدولة العميقة للحفاظ على سياسات قائمة تفضل مرونة أكبر في الهجرة.
6. التوجهات المستقبلية وتأثير الدولة العميقة
• استمرار الضغط من الدولة العميقة: عاد ترامب إلى السلطة واذا ظهرت  في ادارته المرتقبة إدارة مشابهة لفترتة الاولى في التوجهات، فقد يكون هناك استمرار للصراع بين الإدارة الجديدة والدولة العميقة، خاصة في مجالات مثل التجارة، التحالفات الدولية، والأمن القومي.
• التكيف مع أجندات جديدة: قد تلجأ الدولة العميقة إلى ضبط السياسات بشكل تكتيكي، حيث تبقي على جوانب من أجندة ترامب التي تتوافق مع مصالحها، مثل تشديد السياسات تجاه الصين، مع إضعاف الأجندات التي تتعارض مع التوجهات التقليدية.
أثرت الدولة العميقة بشكل ملحوظ على سياسات إدارة ترامب، وساهمت في ضبط العديد من القرارات التي كانت تُعتبر خروجًا عن الاستراتيجيات الأمريكية التقليدية. في المستقبل، قد تستمر الدولة العميقة في لعب دور رئيسي في التأثير على السياسات الاستراتيجية، خاصة إذا عادت شخصيات غير تقليدية إلى السلطة.

ارتباط الدولة العميقة في الولايات المتحدة الامريكية بالحركة الصهيونية العالمية
الحديث عن ارتباط الدولة العميقة في الولايات المتحدة بالحركة الصهيونية العالمية هو موضوع مثير للاهتمام ويتضمن تحليلاً للعلاقات المعقدة بين مؤسسات النفوذ الأمريكية وبعض المصالح الصهيونية العالمية، والتي تركز على دعم إسرائيل وتعزيز المصالح المشتركة بين الجانبين. يتضح هذا الارتباط من خلال عدة قنوات أساسية تتيح لهذه المصالح ممارسة تأثير ملموس على السياسة الأمريكية:
1.  اللوبي الصهيوني والضغط السياسي
• اللوبي الإسرائيلي القوي: يُعتبر اللوبي المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة، مثل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC)، أحد أقوى مجموعات الضغط التي تؤثر في الكونغرس والسياسة الخارجية الأمريكية. يسعى هذا اللوبي إلى تأمين الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل ويضغط باتجاه اتخاذ قرارات تصب في مصلحة الحركة الصهيونية.
• التأثير على المشرعين: يتمتع اللوبي المؤيد لإسرائيل بقدرة كبيرة على التأثير في المشرعين من كلا الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، حيث يدعمون حملاتهم الانتخابية ويقدمون لهم الموارد السياسية التي تضمن بقاءهم في السلطة، بشرط استمرار دعمهم لإسرائيل.
2. العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل
• الدعم العسكري: تُعد الولايات المتحدة أكبر داعم عسكري لإسرائيل، حيث تُقدم لها سنوياً مليارات الدولارات من المساعدات العسكرية. تعتبر بعض الجهات في الدولة العميقة أن التحالف مع إسرائيل ضروري للحفاظ على النفوذ الأمريكي في الشرق الأوسط، وتعتبر إسرائيل شريكًا استراتيجيًا في المنطقة.
• التعاون الاستخباراتي: يتمتع الجانبان بتعاون وثيق على مستوى الاستخبارات، حيث تعتبر المؤسسات الأمنية الأمريكية، بما في ذلك وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) ومكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، أن إسرائيل شريك أساسي في مواجهة التهديدات الإقليمية، مما يعزز تأثير الحركة الصهيونية على القرارات الاستراتيجية.
3.  النفوذ الاقتصادي
• الاستثمارات والمصالح المالية المشتركة: تمتلك العديد من الشركات الإسرائيلية علاقات اقتصادية وثيقة مع شركات أمريكية كبرى، لاسيما في مجالات التكنولوجيا المتقدمة والأمن السيبراني. وقد أدى هذا الارتباط الاقتصادي إلى خلق مصالح مشتركة تمثل قاعدة دعم للحركة الصهيونية داخل الولايات المتحدة.
• الدعم الاقتصادي لإسرائيل: يتبنى الكونغرس سياسة تقديم الدعم المالي والاقتصادي المستمر لإسرائيل، ويعتبر البعض أن هذا يأتي بتوجيه من عناصر في الدولة العميقة التي ترى في هذا الدعم استثماراً في الاستقرار الإقليمي بما يخدم المصالح الأمريكية.
4.  التأثير على الإعلام وصناعة الرأي العام
• دور الإعلام المؤيد لإسرائيل: العديد من وسائل الإعلام الكبرى في الولايات المتحدة تتبنى مواقف مؤيدة لإسرائيل، وتعمل على تشكيل الرأي العام الأمريكي بما يدعم التحالف الاستراتيجي معها. يعزز الإعلام المتحالف مع مصالح الحركة الصهيونية رؤية إيجابية عن إسرائيل ويصورها كشريك استراتيجي ضروري للولايات المتحدة.
• توجيه الخطاب العام: تعمل الدولة العميقة على توجيه الخطاب العام نحو القضايا التي تهم الحركة الصهيونية، مثل تبرير السياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، أو الترويج لفكرة "التوافق القيمي" بين أمريكا وإسرائيل، وهي صورة تدعمها وسائل الإعلام المؤيدة.
5.  التأثير على التعليم والأبحاث الأكاديمية
• تمويل البرامج التعليمية: تعمل منظمات ومؤسسات مؤيدة للحركة الصهيونية في الولايات المتحدة على تمويل برامج تعليمية وأبحاث أكاديمية تعزز من علاقات الولايات المتحدة بإسرائيل. يساهم هذا في نشر رؤية معينة تجاه الصراع في الشرق الأوسط تعزز المصالح الصهيونية.
• السيطرة على الجامعات: هناك بعض التأثير على الأوساط الأكاديمية لعرض مواضيع معينة بأطر إيجابية تجاه إسرائيل، وتقييد النقاشات التي قد تتناول السياسات الإسرائيلية بالنقد.
6.  الارتباط بالمجال التكنولوجي والاستخباراتي
• شراكات التكنولوجيا الفائقة: تعتبر شركات التكنولوجيا الفائقة الأمريكية والإسرائيلية شريكًا قويًا في مجال الابتكار والتطوير، خاصة في مجالات الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي. تسهم هذه الشراكة في دعم القدرات الدفاعية والأمنية لكلا البلدين، مما يضمن تنسيقاً استراتيجياً طويل الأمد يخدم مصالح الدولة العميقة والمصالح الصهيونية.
• استخدام التكنولوجيا في المراقبة: تسعى بعض الشركات الأمنية والتكنولوجية المتحالفة مع مصالح الدولة العميقة والحركة الصهيونية إلى استخدام تقنيات متقدمة لتعزيز المراقبة وتوجيه السياسة الأمنية، مما يتيح لها التحكم في التهديدات التي قد تؤثر على مصالحها.
7.  التأثير على السياسة الخارجية
• توجيه السياسة الخارجية الأمريكية: تضغط الحركة الصهيونية من خلال مؤيديها في الدولة العميقة للتأثير على السياسة الخارجية الأمريكية، لاسيما فيما يتعلق بالمواقف تجاه الشرق الأوسط. تُعتبر المواقف الأمريكية تجاه إيران وسوريا وحزب الله تعبيرًا عن هذا النفوذ، حيث تتماشى مع المصالح الإسرائيلية.
• التدخل في شؤون الدول الأخرى: دعمت الولايات المتحدة سياسات معينة تخدم مصالح الحركة الصهيونية من خلال الضغط على دول الشرق الأوسط لقبول التطبيع مع إسرائيل أو مواجهة الأنظمة التي تعتبرها إسرائيل تهديداً لأمنها.
يظهر من خلال هذه النقاط أن الدولة العميقة في الولايات المتحدة لها ارتباط وثيق بالحركة الصهيونية العالمية، ويأتي هذا الارتباط كنتيجة لتحالفات مصالح استراتيجية تجمع بين الجانبين. من خلال قنوات مثل اللوبيات، الإعلام، التعاون العسكري والاستخباراتي، والشراكات التكنولوجية، تمكنت الدولة العميقة من توجيه السياسات الأمريكية بما يخدم المصالح الصهيونية، ويعزز الدعم المستمر لإسرائيل على المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية.
ماهي السيناريوهات المستقبلية لادارة ترامب في ظل حرب الابادة التي تمارسها اسرائيل في الشرق الاوسط مع الاخذ بالاعتبار دور وتأثير الدولة العميقة وارتباطاتها؟
السيناريوهات المستقبلية لإدارة ترامب في ظل الأوضاع المعقدة في الشرق الأوسط تتأثر بعوامل متعددة، بما في ذلك الدور المحوري للدولة العميقة في الولايات المتحدة، وارتباطاتها بالمصالح الصهيونية العالمية. قد تتباين هذه السيناريوهات حسب التفاعل بين السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية والتوجهات الاستراتيجية للدولة العميقة، وتلعب طبيعة العلاقة الأمريكية مع إسرائيل، ودور الجماعات الضغط (اللوبيات)، والرأي العام الأمريكي، بالإضافة إلى التطورات الإقليمية، دوراً كبيراً في رسم هذه السيناريوهات. فيما يلي أبرز السيناريوهات المحتملة:
1. سيناريو الدعم المستمر والتحالف غير المشروط مع إسرائيل
• الوصف: يستمر هذا السيناريو إذا تبنّت إدارة ترامب أو إدارة مشابهة سياسة دعم قوية وغير مشروطة لإسرائيل في الشرق الأوسط، ويأتي ذلك في سياق تعميق التحالف الاستراتيجي مع إسرائيل على حساب القضايا الإقليمية الأخرى.
• دور الدولة العميقة: قد تضغط الدولة العميقة لدعم هذا التوجه من خلال اللوبيات الصهيونية، مما يعزز الدعم العسكري والاقتصادي لإسرائيل، ويعطيها مساحة واسعة للتحرك بحرية في سياساتها تجاه الفلسطينيين ودول الجوار. ستكون الأولوية في هذا السيناريو تحقيق الأهداف الاستراتيجية الأمريكية-الإسرائيلية المشتركة.
• النتائج المحتملة: زيادة التوتر في المنطقة، وتعقيد العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، وتآكل صورة الولايات المتحدة كوسيط في عملية السلام، مما قد يؤدي إلى تداعيات سلبية على المصالح الأمريكية في المنطقة على المدى البعيد.
2. سيناريو "التوازن التكتيكي" بين المصالح الأمريكية والإسرائيلية
• الوصف: تسعى الإدارة هنا إلى خلق توازن بين دعمها لإسرائيل وبين الحد من التأثيرات السلبية على مصالحها الإقليمية الأخرى. ستتبنى موقفًا أقل حدةً في بعض المواقف الدولية، مع تركيز أكبر على الدبلوماسية في قضايا مثل الملف الإيراني والعلاقات مع دول الخليج.
• دور الدولة العميقة: قد تحاول الدولة العميقة في هذا السيناريو التأثير على السياسات بحيث تبقي على حد معين من الضغط لضبط طموحات إسرائيلية قد تضر بالمصالح الأمريكية مع الدول العربية، خاصة تلك الدول التي ترتبط بعلاقات اقتصادية وأمنية هامة مع واشنطن.
• النتائج المحتملة: يُعتبر هذا السيناريو الأكثر اعتدالاً، حيث يتيح للولايات المتحدة الاحتفاظ بتأثير في المنطقة، مع تعزيز شراكتها مع إسرائيل، وفي الوقت ذاته، تقليل من حدة العداء مع الأطراف الإقليمية الأخرى.
3. سيناريو "التصعيد ضد النفوذ الإيراني"
• الوصف: في هذا السيناريو، ستوجه إدارة ترامب جهودها لدعم إسرائيل بشكل مباشر وغير مباشر في مواجهة إيران، وذلك من خلال تصعيد العقوبات الاقتصادية ضد إيران، ودعم العمليات العسكرية والاستخبارية التي تستهدف النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان والعراق.
• دور الدولة العميقة: ستلعب الدولة العميقة دوراً داعماً لسياسات الإدارة في مواجهة إيران، حيث ترى في هذا النهج فرصة لتحجيم النفوذ الإيراني في المنطقة كجزء من الحفاظ على التوازن الجيوسياسي.
• النتائج المحتملة: يؤدي هذا السيناريو إلى توتر متزايد مع إيران، ويمكن أن يشعل مواجهات إقليمية أوسع، قد تشمل عمليات عسكرية متبادلة، الأمر الذي سيؤثر سلبًا على استقرار الشرق الأوسط، وقد يقود إلى زيادة المشاعر المعادية للولايات المتحدة في الدول الإقليمية.
4.  سيناريو "تقليص الالتزامات الأمريكية في الشرق الأوسط"
• الوصف: في حال تأثرت إدارة ترامب بضغوط شعبية أو مالية لتقليص تدخلها الخارجي، فقد تتبنى الإدارة سياسة تقليص الالتزامات الأمريكية في الشرق الأوسط، والتركيز على الأولويات الداخلية. في هذا السيناريو، سيعتمد ترامب أو الإدارة على إسرائيل لتنفيذ السياسات التي تضمن استمرار نفوذها الإقليمي، مع تقليل الدعم العسكري المباشر.
• دور الدولة العميقة: قد يعارض بعض أعضاء الدولة العميقة هذا التوجه، خوفاً من خسارة النفوذ الأمريكي. مع ذلك، قد يحاولون الحفاظ على وجود أمريكي محدود يتعاون مع إسرائيل والشركاء الإقليميين لمراقبة الوضع عن بعد دون التورط المباشر.
• النتائج المحتملة: سيؤدي إلى تراجع النفوذ الأمريكي بشكل تدريجي في الشرق الأوسط، وزيادة اعتماد إسرائيل على نفسها والبحث عن تحالفات جديدة في المنطقة، مما قد يفتح المجال لظهور قوى جديدة في المنطقة مثل روسيا والصين.
5. سيناريو "التأثير المحدود والضغوط الدولية"
• الوصف: في هذا السيناريو، قد تتزايد الضغوط الدولية من الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والمنظمات الحقوقية، على الولايات المتحدة وإسرائيل، للحد من السياسات العسكرية والتمييزية تجاه الفلسطينيين.
• دور الدولة العميقة: رغم أن الدولة العميقة ستسعى لحماية مصالح إسرائيل، فقد تحاول الاستجابة بشكل محدود للضغوط الدولية عن طريق تأييد بعض الإجراءات التجميلية، دون تغيير جذري في سياسات الدعم.
• النتائج المحتملة: قد يؤدي هذا إلى زيادة في الانتقادات الدولية والداخلية للسياسة الأمريكية، ولكن مع استمرار التحالف الأمريكي-الإسرائيلي القوي، مما قد يزيد من عزلة الولايات المتحدة على الساحة الدولية.
هذه السيناريوهات تتراوح بين تعزيز التحالف الكامل وغير المشروط مع إسرائيل، وبين السعي لتحقيق التوازن بين دعم إسرائيل وحماية المصالح الأمريكية الإقليمية. دور الدولة العميقة سيكون كبيراً في كل سيناريو، حيث ستسعى إلى ضبط السياسات الخارجية بما يتوافق مع مصالحها ومصالح إسرائيل، مع مراعاة ردود الفعل الداخلية والدولية.
بناءً على السياسات الخارجية والديناميكيات العالمية، قد تتجه الإدارة نحو تكثيف الصراع مع خصوم إسرائيل أو السعي لتقليص التواجد المباشر في المنطقة و السيناريوهات المستقبلية تعتمد على عدة عوامل، منها السياسات الداخلية والخارجية للإدارة، وتأثير الدولة العميقة، والتطورات على الأرض في الشرق الأوسط.
بشكل عام، السيناريوهات المستقبلية تعتمد على كيفية توازن الإدارة بين مصالحها الداخلية والخارجية، وتأثير الدولة العميقة، والتطورات على الأرض في الشرق الأوسط.

"خالد ناصيف : متخصص بالادارة والتخطيط الاستراتيجي"

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير