كتب إياد عبد العال: في وجه الخذلان والانقسام: دعوة لإعادة إحياء المشروع الوطني الفلسطيني

12.11.2024 10:04 AM

أمام الانقسام العميق الذي ظهر بوضوح في الساحة الفلسطينية بعد السابع من أكتوبر، نجد أنفسنا بين خيارين متباينين: خيار المقاومة بكل ما يتضمنه من تبعات ثقيلة وتضحيات جسيمة، وخيار الاستسلام للواقع السياسي الإقليمي والدولي، وهو خيار قبول الأمر الواقع مهما كان مجحفًا بحق شعبنا وقضيتنا. ومع هذا الانقسام، نواجه واقعًا عربيًا وإسلاميًا مؤلمًا؛ إذ نرى الأنظمة التي انخرطت في المشروع الصهيو-أمريكي وقد أصبحت متواطئة بوضوح، بل وفقدت حس العروبة والإسلام في تعاملها مع قضيتنا.

لقد أصبحت معظم الشعوب العربية والإسلامية في حالة من الخنوع وعدم القدرة على نصرة القضية الأولى للعرب والمسلمين، لدرجة أن البعض ارتضى الذل والهوان مقابل بعضٍ من الرفاهية، بينما يعاني أغلبهم الحرمان. لقد تحولت إلى أمة تدافع عن رموزها الدينية فقط في وجه الحرق والرسوم المسيئة، لكنها غفلت عن حرق الآلاف من المسلمين وتدمير بيوتهم وانتهاك مقدساتهم في القدس، وصمتت أمام استباحة المساجد والكنائس وقتل النساء والأطفال، وتنكيل العدو بأبسط حقوقهم الإنسانية.

إن الاحتلال الصهيوني مارس كل المحرمات وارتكب جميع الموبقات، غير آبه بالمواثيق الدولية أو الأعراف الإنسانية، بل ماضٍ في استخفافه بمبادئ العرب والمسلمين، متجاوزًا كل الحدود. أمام هذا الصلف المتغطرس، تبقى المأساة الكبرى هي خذلان الأخ القريب؛ فبعد أكثر من ٤٠٠ يوم من حرب إبادة جماعية على مرأى ومسمع من العالم، ما زالت السلطة الفلسطينية ومؤسساتها عاجزة عن الفعل، مكبلة في صمت مدمر، ولا تزال متمسكة بادعاء تمثيلها الشرعي، رغم فقدانها للشرعية الشعبية والوطنية، وانتهاء صلاحيتها التمثيلية.

لقد أضحت هذه السلطة عاجزة عن حماية شعبها حتى في المناطق التي تزعم بسط سيطرتها عليها، والتي تتقلص يومًا بعد يوم أمام بطش الاحتلال ومستوطنيه. والأمر المؤلم هو استمرار قيادتها بادعاء شرعيتها التمثيلية ورفض كل أشكال الحوار، وإجهاض جميع المبادرات الوطنية، حفاظًا على مكتسبات زائفة منحها الاحتلال إياها. وبينما يتعرض أبناء الضفة الصامدة لاعتداءات متكررة، نجد هذه السلطة في حالة من الفشل المستمر.

إننا بحاجة إلى وقفة جادة ومسؤولة تعيد الأمور إلى نصابها، وترتقي بمشروعنا الوطني الذي انحرف عن مساره بعد أوسلو. فالمشروع الوطني الفلسطيني يجب أن يكون مشروعًا موحدًا يعبر عن آمال الشعب وطموحاته، ويجعل من حقوقه المشروعة أولى الأولويات، ويعطي الشباب دورًا قياديًا ليعيد للأمة بريقها وللقضية حضورها المشرق.

كما يجب أن نستفيد من حالة التضامن الشعبي العالمي التي تتعاظم يومًا بعد يوم، لا سيما في المجتمعات الغربية التي بدأت تدرك الفرق بين الحق والباطل، وتتمرد على الآلة الإعلامية الصهيو-أمريكية. فحالة الوعي العالمي المتزايدة بين الشعوب وأوساط الشعب الفلسطيني تتطلب قيادة وطنية منتخبة وفعّالة تضع الخطط والاستراتيجيات، وتخاطب العالم بلغة تعبر عن تطلعات الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، وتعيد للمشروع الوطني بريقه وحضوره.

إن رفع راية فلسطين في أنحاء المعمورة، وفي المقابل خذلان الأغلبية من الشعوب العربية والاسلامية، يضعنا أمام مسؤولية كبيرة لا يمكن تجاهلها أو الالتفاف عليها من أجل مصالح شخصية أو مكتسبات زائفة. هذه مسؤولية عظيمة تجعلنا مؤتمنين على كل التضحيات الجسيمة التي قدمها شعبنا على مدى قرن من النضال، وتُلزمنا بالعمل الجاد والمخلص لنصرة قضيتنا.

ويبقى السؤال الأبرز: هل من الطبيعي أن تُرفع رايات القضية الفلسطينية العادلة في شوارع ومدن الغرب، بينما تغيب عن المدن العربية والإسلامية، بل حتى عن بعض المدن الفلسطينية؟ إنها وقفة جادة ومسؤولة نحتاجها أمام أنفسنا، وأمام شعبنا، وأمام قضيتنا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير