"قرار حظر الأونروا: قراءة قانونية في سبل المواجهة وضمان حقوق اللاجئين الفلسطينيين"

10.11.2024 09:04 AM

كتب محمد مجدي أبومعيلق: في ظل الصراعات المستمرة في المنطقة ووسط أجواء تصعيدية متزايدة، أقر الكنيست الإسرائيلي مؤخرًا قرارًا بحظر عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة. يُعد هذا القرار تصعيدًا واضحًا يستهدف تقويض الخدمات الأساسية التي تقدمها الوكالة للاجئين الفلسطينيين، مثل التعليم والرعاية الصحية والإغاثة الإنسانية، ويُثير العديد من الإشكاليات القانونية والإنسانية. تحظى الأونروا منذ تأسيسها عام 1949 بتفويض من الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرار 302، الذي يمنحها دورًا رئيسيًا في تقديم الحماية والمساعدة للاجئين الفلسطينيين حتى التوصل إلى حل نهائي لقضيتهم. وبهذا، يشكل قرار حظرها انتهاكًا مباشرًا للاتفاقيات الدولية التي تحمي اللاجئين الفلسطينيين، فضلاً عن تحديه للاتفاقيات القائمة بين الأونروا وإسرائيل، مثل "اتفاقية كوماي" التي أبرمت عام 1967 والتي أكدت على السماح للأونروا بالعمل في المناطق الفلسطينية المحتلة. من هذا المنطلق، يستعرض المقال سبل مواجهة هذا القرار من منظور قانوني ودبلوماسي وإعلامي لضمان استمرار الخدمات الحيوية التي تقدمها الوكالة للاجئين الفلسطينيين.

أولاً: الوضع القانوني للأونروا في الأراضي الفلسطينية المحتلة

تأسست الأونروا بناءً على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبموجب هذا التفويض، تعد الوكالة جزءًا من جهود المجتمع الدولي لدعم اللاجئين الفلسطينيين إلى حين التوصل إلى حل دائم وشامل لقضيتهم. ويعد تفويضها غير محدد جغرافيًا، مما يضفي شرعية على نشاطها في كافة المناطق التي يتواجد فيها اللاجئون، بما في ذلك الأراضي الفلسطينية المحتلة. ولتعزيز هذه الشرعية، تم توقيع "اتفاقية كوماي" بين إسرائيل والمفوض العام للأونروا عام 1967، التي تضمن بموجبها إسرائيل للأونروا الحق في تقديم خدماتها دون قيود أو تدخلات. هذا الاتفاق يشكل التزامًا قانونيًا يجب على إسرائيل احترامه، مما يجعل قرار الكنيست الأخير انتهاكًا واضحًا للاتفاقات الدولية وللتفاهمات الثنائية التي تمت بين الأطراف.

ثانياً: قراءة قانونية لقرار حظر الأونروا وفق القانون الدولي

إن قرار حظر الأونروا يعد انتهاكًا مباشرًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، الذي يفرض التزامات على سلطات الاحتلال لضمان تقديم الخدمات الأساسية للسكان المدنيين في الأراضي المحتلة. تنص اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 على واجبات الدولة المحتلة في الحفاظ على رفاهية السكان وحمايتهم، بما في ذلك حقهم في الرعاية الصحية والتعليم. ويُعتبر حظر الأونروا خرقًا لهذه الالتزامات، حيث يمنع الوكالة من توفير المساعدات والخدمات التي تضمنها هذه الاتفاقية للاجئين الفلسطينيين، مما يمثل إخلالاً بالتزامات إسرائيل كدولة احتلال. ويفتح هذا الانتهاك الباب أمام إمكانية تقديم طلب للحصول على رأي استشاري من محكمة العدل الدولية حول مدى قانونية هذا القرار وفقاً للقانون الدولي، حيث يمكن للمجتمع الدولي أو السلطة الفلسطينية طلب استصدار هذا الرأي للتأكيد على عدم شرعية القرار الإسرائيلي.

كما يمكن استنادًا إلى النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، النظر في السياسات الإسرائيلية التي تهدف إلى تقييد حقوق اللاجئين الفلسطينيين من خلال منع وصول الأونروا، حيث قد تعتبر هذه السياسات جزءًا من نظام اضطهاد ممنهج يشكل جريمة ضد الإنسانية. وبما أن المحكمة الجنائية الدولية تتابع الملفات المتعلقة بالانتهاكات في الأراضي الفلسطينية، يمكن تقديم شكاوى تدعمها منظمات حقوق الإنسان أو ممثلو المجتمع المدني الفلسطيني.

ثالثاً: سبل المواجهة القانونية

1. التوجه إلى محكمة العدل الدولية

تعد محكمة العدل الدولية إحدى الجهات القانونية الدولية القادرة على النظر في انتهاكات إسرائيل لالتزاماتها الدولية تجاه الأونروا. من خلال تقديم طلب لرأي استشاري، يمكن للمجتمع الدولي إثارة قضية شرعية القرار الإسرائيلي أمام المحكمة، وطلب توضيح قانوني حول مدى التزام إسرائيل بالسماح للأونروا بمواصلة عملها استنادًا لاتفاقية كوماي وقرارات الجمعية العامة.

2. اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية

يُشكل حظر الأونروا جزءًا من سياسات إسرائيلية قد تُعتبر شكلاً من أشكال الاضطهاد الممنهج ضد الفلسطينيين، مما قد يندرج ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية كجريمة ضد الإنسانية. وبما أن المحكمة الجنائية تتابع حاليًا قضايا متعلقة بالأوضاع في الأراضي الفلسطينية، يمكن تقديم ملفات قانونية تتعلق بإجراءات حظر الأونروا وآثارها على حقوق اللاجئين لتوثيق هذه الانتهاكات أمام المحكمة والمطالبة بمحاسبة المسؤولين.

3. التقدم بشكاوى أمام هيئات الأمم المتحدة

تلتزم إسرائيل بالعديد من الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، ومنها العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، الذي ينص على ضمان حق التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية. لذا، يمكن لمنظمات حقوق الإنسان تقديم شكاوى للأمم المتحدة، وتحديدًا لدى لجنة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، تطالب بتحقيقات خاصة وتوثيق آثار القرار على حقوق اللاجئين الفلسطينيين.

رابعاً: سبل المواجهة الدبلوماسية

1. الحشد الدولي عبر الأمم المتحدة

يمكن للدول المتضامنة مع قضية اللاجئين الفلسطينيين، من خلال المنظمات الإقليمية والدولية، الدعوة لعقد جلسات طارئة في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة قرار الكنيست وتأكيد شرعية عمل الأونروا. وبهذه الطريقة، يمكن الضغط سياسيًا على إسرائيل لإلغاء قرارها، وضمان استمرار الأونروا في تقديم خدماتها للفلسطينيين. كما يمكن إصدار قرارات من الجمعية العامة تؤكد الالتزام باتفاقية كوماي ودعم استمرارية الوكالة كجزء من المنظومة الأممية.

2. التعاون مع المجتمع الدولي لدعم الأونروا ماليًا وسياسيًا

يمكن للدول المتحالفة مع الفلسطينيين تعزيز دعمها المالي للأونروا لتوفير احتياجات اللاجئين، وضمان استمرارها في تقديم الخدمات. ويسهم هذا الدعم في توجيه رسالة واضحة لإسرائيل بأن المجتمع الدولي ملتزم بضمان حماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين، ولن يقبل بتقويض دور الأونروا في الأراضي المحتلة.

خامساً: سبل المواجهة الإعلامية والمجتمعية

يلعب الإعلام والمجتمع المدني دورًا محوريًا في كشف تداعيات قرار حظر الأونروا على حياة اللاجئين الفلسطينيين، حيث يمكن للمؤسسات الإعلامية ومنظمات حقوق الإنسان توثيق الأضرار الإنسانية التي يتسبب بها القرار. يمكن أن تشمل هذه الحملات التوعوية نشر تقارير حول تأثير القرار على الحياة اليومية للاجئين، وتوضيح التحديات التي يواجهها الأطفال والشباب المحرومون من التعليم والخدمات الصحية. ومن خلال توظيف وسائل الإعلام التقليدية ومنصات التواصل الاجتماعي، يمكن تشكيل ضغط شعبي على الحكومات الغربية لممارسة ضغوط دبلوماسية على إسرائيل.

كما يمكن للمجتمع المدني تنظيم حملات توعوية لجمع التوقيعات وتنظيم فعاليات تضامنية، مما يعزز التضامن الشعبي العالمي مع قضية اللاجئين الفلسطينيين، ويساعد في توجيه انتباه المجتمع الدولي إلى الآثار السلبية التي يتسبب بها القرار على حياة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

الخاتمة

يعد قرار الكنيست الإسرائيلي بحظر عمل الأونروا تصعيدًا قانونيًا وإنسانيًا خطيرًا يستدعي تضافر الجهود القانونية والدبلوماسية والمجتمعية للتصدي له. ومن خلال التحرك القانوني أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، والحشد الدبلوماسي على مستوى الأمم المتحدة، إلى جانب تكثيف حملات التوعية، يمكن للمجتمع الدولي أن يسهم في ضمان استمرار عمل الأونروا وحماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير