"النبي صالح" وأمريكا...بقلم: أمجد عرار

29.09.2011 08:01 AM

منذ انطلاق المقاومة الشعبية الفلسطينية ضد جدار النهب والتوسع العنصري في الضفة الغربية بمشاركة لافتة من متضامنين دوليين، كانت بلدة بلعين تتسيّد المشهد، وقد حظيت بشهرة إعلامية واسعة على مستوى العالم، وألهمت مخرجين إعداد أفلام تسجيلية تعالج قضية الجدار انطلاقاً من بلعين . لم يطل كثيراً هذا الانفراد حيث انضمت البلدة المجاورة نعلين إلى ركب المقاومة الشعبية، وتبعتها بلدتا المعصرة في بيت لحم وبيت أمّر في الخليل وبورين في نابلس، لتشكّل هذه البلدات رأس حربة المقاومة الشعبية للاستيطان والجدار، قبل أن تنضم إلى هذه الكوكبة قرية النبي صالح الصغيرة الواقعة في أقصى شمالي مدينة رام الله . 

هذه القرية لا يسكنها أكثر من ستمئة نسمة، ومن يعرف أنها تقع على شارع رئيس يسيطر عليه جيش الاحتلال وعلى مرمى رصاصة مسدّس من مستوطنة “حلميش” المقامة على أرضها وأرض جارتها قرية دير نظام القريبة، من يعرف هذه المعطيات لا يتوقّع أن تكون قرية بهذا الحجم والموقع، قادرة على الالتحاق بالمسيرات الأسبوعية التي لا ينتهي يومها قبل أن يسقط عشرات الجرحى ويقع مثلهم في قبضات جيش الاحتلال ليتحوّلوا إلى معتقلين، ولا يعود من أفلت من هذه وتلك إلى بيته إلا ووجده محطّماً ومخرّباً من عبث جيش الاحتلال الذي ينتقم من السكان وممتلكاتهم طوال يوم يخضع القرية فيه لحظر التجول ويحوّلها إلى منطقة عسكرية مغلقة . 

هذا السجل النضالي توّجته خطوة منحته مزيداً من التوهّج، إذ رفضت قرية النبي صالح الصغيرة استقبال وفد رسمي يمثّل الولايات المتحدة الأمريكية أكبر دولة في العالم، بسبب سياستها المنحازة ل “إسرائيل” على الدوام والرافضة للاعتراف بعضوية كاملة لدولة فلسطينية في الأمم المتحدة في المرحلة الراهنة . 

لقد امتلك نشطاء قرية الستمئة نسمة جرأة اتخاذ موقف احتجاجي في مواجهة دولة السلاح النووي والمال والفيتو . لقد رفعوها “لا” كبيرة في وجه أكبر داعمي “إسرائيل” العدوانية الاحتلالية، والاستيطانية التوسّعية . قالوا لقنصليتها إن قريتهم ترفض استقبال أي جهة أمريكية رسمية طالما السياسة الأمريكية بهذا الانحياز، في حين رأينا مسؤولين يستقبلون كوندا وفيلتمان وبلير بالأحضان حين كانت قنابل أمريكا الذكية تتساقط من الطائرات الأمريكية لتقتل الأطفال في جنوبي لبنان . 

أبناء “النبي صالح” شرحوا موقفهم باستفاضة ملؤها الألم، ولسان حالهم يقول إن الفلسطينيين كأشقائهم العرب مضيافون ولا يصدون زائرهم، لكنّهم ليسوا على استعداد لاستضافة ممثلين رسميين لدولة تعلن على الملأ أنها ستطلق رصاصة الفيتو على رأس الاعتراف بدولة فلسطينية في الأمم المتحدة، دولة يلقي رئيسها الذي كان الفلسطينيون الأكثر ابتهاجاً بفوزه والمراهنة عليه، خطاباً أشد صهيونية من خطاب بنيامين نتنياهو . 

عندما يأتي هذا الموقف متزامناً، لكن بلا تنسيق مسبق، مع رفض الصحافيين الفلسطينيين دعوة عشاء للسفارة الأمريكية، فإن من الطبيعي أن يتحدّث خبراء أمريكيون عن مزيد من التدهور لسمعة بلادهم لدى الفلسطينيين، لكنهم يدركون أن تحسين سمعة أمريكا لا يتأتى من زيارة تدليسية أو حفلة عشاء هدفها “اطعم الفم تستحي العين”، بل من خلال سياسة أقل عدائية من جانب أمريكا، ذلك أن الفلسطينيين والعرب تعوّدوا الانحياز الأمريكي ل “إسرائيل”، ولم يعد أحد يطالب بسياسة أمريكية متوازنة، لأن طلباً كهذا يشبه المطالبة بلبن العصفور، لكن ليس أقل من موقف لا يعادي الحد الأدنى من حقوق شعب معذّب يبحث عن وطن وكرامة .

 جريدة الخليج

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير