الأيام من السادس حتى التاسع بعد الثلاثمائة لحرب الإبادة على قطاع غزة، 6-9 أغسطس 2024

زينب الغنيمي تكتب لوطن من غزة: مسألةٌ تستحقُّ التوثيق في مدينة غزّة: حصلنا على دجاجة!

13.08.2024 01:26 PM

سألت الطفلة: "خالتو أكم جاجة راح يعطونا؟" بعد أن جاءت رسالة على الجوال أن يتمّ التوجُه لمخزن الأنروا (وكالة غوث اللاجئين) للحصول على دجاجة. قال أخاها الأكبر قليلا: "خالتو الجاجة مذبوحة أو عايشة؟ إذا عايشة ما بدنا نذبحها خليها تبيض لنا بيض"، فأجاب الفتى الأكبر "أكيد مذبوحة، الله الله اليوم بدنا تعملوا لنا فتّة على الجاجة". ردّت إحدى الصبايا: "أحسن شي إحشوا لنا إيّاها عشان نقول اتغدّينا جاج محشي".

لا شكّ وأنّ هذا الحوار نفسه يدور منذ أيّام داخل أغلب بيوت مدينة غزّة التي استقبلت رسائل للحصول على دجاجة، وهي العائلات التي يبلغ عدد أفرادها سبعة فما فوق، فقد وصلت أخيرًا لمدينة غزّة شاحنات المساعدات وبها دجاج، ويُقال أنه ستُرسل للمدينة لحوم أضاحي أيضًا، والبعض قال أنّ هناك كميّة من السمك وبعض الخضار ولكنها وُزِّعت على المستشفيات للنساء الحوامل والوالدات حديثًا. وقد قيل الكثير والكثير عن هذه المساعدات حيث باتت كُلّ الأسر تحلم باليوم التالي كي تحصل على بعضٍ مما تم تداول الحديث عنه، لكنّ كثيرين فقدوا الأمل بذلك، فقد سبق أن جرى توزيع كراتين بيض قبل أيامٍ على البعض ولم تصل إلى كلّ العائلات والتي منها من لم تحصل على أيّ شيء.

إنّ ما جرى وما زال في قطاع غزة ليست حربًا عشوائية على الإطلاق، بل عدوانًا فاشيًا ومُخطّطًا قد طحن وسحق الأخضر واليابس والبشر والحجر، وهو مستمرٌّ منذ عشرة شهورٍ كاملة مرّت على كامل القطاع، وارتكز فيها العدوّ كثيرًا على حرب تجويع الناس. ففي الشهور الستّة الأولى انشغل الجميع في معركة البحث عن لقمة الخبز، حيث سقط الشهداء بحثًا عن كيس الطحين، ولم يكن الناس يجدون سوى الجزر والخبيزة والسلق وحشائش مختلفة كطعامٍ رئيسي لهم حتى انتهى موسمها، ثمّ حين جاء الطحين اختفى ولكن دون أيّ نوعٍ من الخضروات والتي إن وُجد شيءٌ منها يكون غير متناسبٍ مع قدرة الناس الشرائية. ثمّ بدأت صناديق المعلّبات تدخل تدريجيًا، وفيها فول، وحمّص، وبازلاء وفاصولياء، ولحمة ولانشون وبعض السردين والتونة.
غير أنّ اللحوم الطازجة بكافّة أنواعها غير متوفرةٍ على الإطلاق.

ولذلك كلّه، ارتسمت الفرحة على وجوه آلاف الأطفال خلال اليومين الأخيرين لوصول دجاجةٍ طازجة للأكل في منازلهم، فعلى سبيل المثال في بيتنا تحلّق الأطفال حول طبق الدجاجة لحظة وصولها للمنزل بسرور، وضحك الجميع من قول الصغيرة: "ليش ما بتكاكي"، لأنها لا تتذكر سوى الدجاجة التي على سطح المنزل التي تراقبها يوميًا كي تبيض.

ربّما ما نتحدّث عنه هنا يبدو مُستغربًا للذين لم يعيشوا ظروف هذا العدوان القاسي ولم يتخيّلوه حتى، لأنّ ما تعرضه شاشات التلفزة فقط هي صور الدمار والقتل والدماء التي تُغرق الشوارع، أي صور العدوان المكشوف والعلني، أمّا الحرب الأخرى الدائرة فوق كُلّ ذلك فيتمّ المرور عليها في تقاريرٍ سريعة، والتي كُلّما كشف عنها أحدُ المراسلين الصحفيين يغتاله الجيش الصهيوني دون تردّد، كي لا تظهر حقيقة بشاعة حكومة الحرب الصهيونية ومن يقف وراءها ويدعمها دوليًا وعربيًا.

وفي نفس الوقت، لربما تشعر الأنظمة المتواطئة والصامتة بالخزي كلّما جرى الحديث عن حرب التجويع والعطش ضد مدينة غزة وشمالها، فيتحرّك الضغط لإدخال المساعدات، لتبييض صفحتهم من هذه الجريمة التي يشاركون بها، حيث يتستّرون باسم الإنسانية (المفقودة عندهم) ويقومون بإرسال المساعدات الغذائية التي تفيض عن حاجتهم. ومن الواضح أنّ أمريكا والكيان الصهيوني والدول الأوروبية يتهربون حتى من هذه المسؤولية لانعدام الحسّ الإنسانيّ لديهم أساسًا، ولكنّ زعماءهم يتشدّقون بالمصطلحات الرنّانة عن أهمية دخول المساعدات الإنسانية، ويُوعِزون للأنظمة العربية التابعة لهم بالتبرّع بهذه المساعدات، وهو ما نراه من أسماءٍ على الصناديق التي تُوزّع علينا وعلى غيرنا (قطرية وأردنية وإماراتية وكويتية)، أما المساعدات (المصرية) فلم تعد تدخل إلى مدينة غزّة ومثلها المساعدات المقذوفة من الجو.

إنّ لسان حال الشعب في غزة أنّنا لا نودّ كُلّ هذا الزيف وما نريده هو وقف هذا العدوان الغادر وفورًا دون إبطاء.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير