د. عقل أبو قرع يكتب لوطن .. الامن الغذائي وأولويات الحكومة والحاجة الى خطوات عملية!

09.08.2024 09:14 AM

 قبل عدة ايام وفي اجتماع برئاسة رئيس الحكومة، كان واضحا الاهمية والاولوية التي تعطيها الحكومة لدعم القطاع الزراعي كقطاع انتاجي مستدام يرتبط بتحقيق الامن الغذائي وبشكل يحد من استنزاف المصادر المحدودة عندنا من خلال التركيز على استخدام المصادر المتجددة والصديقة للبيئة، ومن خلال دعم وتشجيع المزارعين من أجل العودة الى الارض والى الزراعة، وفي إطار هذا الاهتمام واعطاء الالوية، فأن المطلوب من الحكومة أو الوزارات المعنية القيام بخطوات عملية ولو كانت محدودة وبشكل تدريجي من أجل ترجمة هذا الاهتمام الى واقع يترسخ بشكل عملي ومستدام.

وفي هذه الايام، تتناقص وبشكل تدريجي مصادرنا الطبيعية، والتي هي في الأساس مصادر محدودة ومتنازع عليها وبشراسة، من أراضي أو من تربة صالحة للعيش والانتاج، ومن مياه، ومن مصادر للطاقة، وفي نفس الوقت يزداد الدمار للنظام البيئي، وفي ظل مثل هكذا أوضاع من المفترض ان نعمل على الحد من الاستنزاف لمصادرنا أو نعمل على استخدامها وبشكل مستدام، ولذا علينا التوجه نحو الاقتصاد الأخضر بمفهومه الواسع، والتركيز على الاقتصاد الدائري أو الدوار، الذي يعتمد على مفاهيم الاستخدام الأقل للمصادر، والاستخدام المتواصل اي لأكثر من مرة للمنتجات، وعلى التركيز على عملية التدوير لإعادة الاستخدام. 

وتزداد أهمية التوجه نحو التركيز على استخدام مصادر متجددة، مع واقع بدأ يتجسد امام اعيننا يوما بعد يوم، من أثار التغيرات المناخية والتي أحدثتها التداعيات البيئية في العالم، والتي نتجت عن الاستخدام المكثف والمتواصل لمصادر الطاقة غير المتجددة، من نفط وفحم ومن اجتثاث للغابات، بشكل أدى الى تكون ما بات يعرف بالاحتباس الحراري"، والذي نلمسه هذه الأيام من ارتفاع درجات الحرارة الذي من المتوقع ان يكون هذا العام هو الاكثر احترارا على مر التاريخ  والحرائق والتصحر والفيضانات والأعاصير وشح المياه وتداعي الامن الغذائي، بات التوجه الى الاقتصاد الأخضر أو الاقتصاد الصديق للبيئة امرا حتميا. 

حيث تعتبر الدول تنوع مصادر الانتاج من الاستراتيجيات المستدامة، للنمو وللحفاظ على الاقتصاد والمجتمع متماسكين، والزراعة كأحد القطاعات الإنتاجية مرتبطة بالأمن الغذائي وتوفر الطعام بالكمية والجودة اللازمتين وفي كل الأوقات وتحت ظروف مختلفة ويحتاج استمرارها الى توفر الامن المائي، وبالأخص هذه الايام حيث نشهد دول كانت تنتج وبل تصدر الغذاء ومن أهمها القمح، ثم أصبحت تعتمد على الاستيراد، أصبحت تطوف دول العالم لاستيراد القمح، تلك السلعة الأساسية لبني البشر وبأسعار تدفعها من العملة الصعبة.
وفي بلادنا، يعتبر القطاع الزراعي من القطاعات الإنتاجية التي نستطيع الحفاظ عليها ودعمها والتخطيط لها وبالأخص هذه الفترة مع تركيز أكثر على الاعتماد على الذات، ومع أهمية الاستثمار في قطاعات إنتاجية مستدامه، تدر الدخل وتشغل الايادي العاملة وتحقق الامن الغذائي وتزيد التصدير الى الخارج، وفي خضم ذلك من المفترض أن يحتل القطاع الزراعي الفلسطيني الأولوية لمشاريع وخطط الحكومة الجديدة التي تتوق الى الدعم والاصلاح، سواء أكانت قصيرة أو بعيدة المدى.

وتكمن قوة او استدامة النمو الاقتصادي لأي بلد، او ثبات وتواصل النمو في الناتج القومي الإجمالي السنوي، أو أداء الاقتصاد الكلي، بمدى بتنوعه، اي بمدى تنوع القطاعات التي يعتمد عليها، من خدمات ومن سياحة وصناعة وزراعة ومن غيرهما، وهذا ربما يفسر سر نمو وتنامي قوة أداء اقتصاديات بعض الدول، وبل صعودها المتواصل الى احتلال مواقع متقدمة ضمن أقوى اقتصاديات العالم، وهذا يعني الاستثمار في قطاعات مختلفة، وهذا ينطبق على قطاع الزراعة في بلادنا، سواء أكان في المجال النباتي او في قطاع الانتاج الحيواني.

ودعم القطاع الزراعي يشمل تقديم التسهيلات الضريبية والمالية للعاملين او المستثمرين في الزراعة، والقيام بتوفير المواد التي تطلبها الزراعة الحديثة من بلاستيك وأسمدة ومبيدات بأسعار مناسبة، والمزيد من الإرشاد الزراعي و بأنواعه والذي لا يكفي الموجود منه حاليا، والإرشاد فيما يتعلق باختيار المحصول والارض، والارشاد حول استعمال الكيماويات في الزراعة، والإرشاد فيما يتعلق بالقطف والتسويق، والدعم يشمل المزيد من التخطيط الزراعي والنظرة الوطنية لذلك من حيث استخدام المياه والارض، ومن حيث الاستهلاك المحلي او التصدير.

الدعم للقطاع الزراعي يمكن ان يشمل التنسيق لحماية المزارع والمنتج الوطني، سواء من خلال العطاءات او اصدار المواصفات او الفحوصات المخبرية، والدعم يشمل التوجه نحو الابحاث العلمية التطبيقية، التي تعمل على تلبية حاجات هذا القطاع وحل مشاكله المحددة، والعمل على ايلاء التدريب الزراعي الاهمية بدأ من المدارس وحتى الكليات التخصصية، والعمل على تقديم الحوافز والضمانات للقطاع الخاص للتوجه للاستثمار في الزراعة، وكذلك العمل على إزالة تلك النظرة الى القطاع الزراعي بأنه ليس اولوية وليس مربح وليس بالخيار الاول للعمل والاستثمار فيه.

وتوفير الدعم والتخطيط المدروس في القطاع الزراعي يعني الحفاظ على الاستقرار، ومن ضمن ذلك استقرار الاسعار، لأنه حين تتناقص او يقل عرض السلع، تبدأ أسعار السلع بالارتفاع، ومن ضمنها السلع الزراعية من خضار وفواكه ولحوم وألبان ودجاج وما له علاقة بالإنتاج الزراعي، النباتي والحيواني، وحين ترتفع أسعار منتجات الزراعية، فأن أسعار العديد من المنتجات التي تتداخل بشكل او بأخر مع المنتجات الزراعية ترتفع كذلك، ومن يدفع ثمن هذا الارتفاع في المحصلة هو المستهلك أو المواطن أو المجتمع. 

و للحفاظ على الانتاج الغذائي المستدام، فأن ذلك يعني التوجه الى الاقتصاد المستدام، وهو الاقتصاد الذي تتم إدارته بصورة مستدامة وفعالة وصديقة للبيئة، اي بدون استنزاف اقتصادي وبيئي،  ويهدف الى ترشيد استخدام الطاقة والمياه وتقليل انتاج النفايات بأنواعها المختلفة، خلال وبعد الانتهاء من النشاط الاقتصادي، مثل استخدام الطاقة الشمسية او المتجددة بشكل أساسي وفعال، وإعادة تكرير المياه واستخدام المياه الرمادية، ووجود أنظمة من اجل فصل وتدوير النفايات، وحتى الاستثمار في انتاج الهيدروجين الاخضر من المياه كمصدر نظيف للطاقة.

وفي ظل تضاؤل مصادرنا الطبيعية أو تدميرها الممنهج سواء في قطاع غزة او في الضفة الغربية، وفي ظل التغيرات والتقلبات المناخية الحادة التي نشهدها هذه الايام، فالمطلوب في بلادنا العمل من أجل استغلال طاقة الشمس، والتي من المفترض أن تعتبر أولوية وطنية، وبالأخص اننا ما زلنا نشتري غالبية الكهرباء والطاقة، والوقود غير النظيف للطاقة، بأسعار مرتفعة، وبشروط بقيود وتهديدات متنوعة.
وفي ظل الأزمات الحادة التي نحياها في هذه الفترة وبالتالي تحديد الأولويات عند الحكومة، وبالأخص على صعيد الامن الغذائي والمائي وتضاؤل المصادر المحدودة اصلا، فأن التخطيط العلمي ودعم القطاع الزراعي يعني الدعم لمناطق زراعية مهمشة أو مستهدفة، مثل المناطق المحاذية للجدار، او منطقة الأغوار الفلسطينية، السلة الغذائية لفلسطين، وهذا يدعونا الى التفكير والتخطيط الاستراتيجي، والى ايلاء قطاع الزراعة وبالتحديد الزراعة في الأراضي الخصبة التي تحوي المياه الجوفية في منطقة الاغوار الاهمية في اي خطط تنموية استراتيجية، لان هذا النوع من التخطيط هو كفيل، بتوفير المزيد من الفرص للعمل، والحفاظ على الاسعار، وتوفير المنتج الوطني وبالتالي حماية الامن الغذائي وتشجيع العودة المستدامة الى قطاع الزراعة في ظل تضاؤل فرص العمل وانتشار البطالة وما لها من تداعيات وخيمة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير