فشلنا في إدارة امتحان الثانوية العامة.. فكيف سننجح في إدارة دولة

06.07.2024 07:54 PM

كتب د. اياد اشتية:

اعتدنا أن نرى حالة التخبط في إدارة ملف الامتحانات وعلى رأسها امتحانات الثانوية العامة التي تسمى امتحانات (التوجيهي) هذا المصطلح الذي لا نعلم سبب التسمية له لأن دلالته اللغوية تتنافى مع التربية الحديثة، حيث أن مفاهيم النظام التربوي يعتمد أكثر في ظل متغيرات العصر على مفاهيم الارشاد أكثر من التوجيه، خاصة أننا نرى طالب الثانوية العامة يواجه مشكلته دون حول لنا ولا قوة، فذاك من كان طفلنا بالأمس نساعده على حل مشكلاته، اليوم يقف على ناصية حلمه ولكنه “يُحَارَب” بضم الياء وفتح الراء، حتى أن استخدامنا معه مصطلحات التوجيه لن يبدل أو يغير شيء، في ظل وجود نظام امتحان وقائمين عليه غير ذو صله.

إن الفشل الذريع في إدارة امتحانات الثانوية العامة هو امتداد لمسيرة حافلة من التخبط في هذا الملف الذي أصبح الفشل والاخفاق جزء لا يتجزأ من أبجدياته.

فشلنا في تغيير هذا النظام العقيم، ونجحنا في الحفاظ على نظام رجعي لا يصلح للاستهلاك العقلي البشري.

فشلنا حين أصدرنا تعليمات الامتحان للطلبة وكأنها فصل من قانون العقوبات، والتركيز المبالغ فيه على حالات الغش، ولصدفة القدر، حالات الغش هذه السنة من خلال السماعات كانت وبحسب ما يتداوله الطلبة بين انفسهم وينشره على مواقع التواصل الاجتماعي ويتباهون بها أعلى بكثير مما يستوعبه العقل البشري، لدرجة أن عدد منهم خرجوا من الامتحانات (المعجزة) التي وضعها (علماء وكالة ناسا) في مباحث اللغة العربية والرياضيات والفيزياء وغيرها والتي شكى منها أوائل الطلبة، خرجوا تحت شعار (حنفلل العلامة) بمعنى الحصول على العلامة الكاملة، هؤلاء سيدرسون تخصصات الطب وغيرها بفضل نظامكم وسيعالجوننا واباءنا وأبنائنا.. فمرحى لكم ولتعليماتكم وقانون عقوباتكم.

والشيء بالشيء يذكر، الغالبية من المعلمين من الذين بذلوا جهدهم مع طلبتهم على مدار السنة الدراسية، تذمروا من طبيعة الأسئلة ونمطها وأوضحوا أن من صاغ هذه الأسئلة لم يدخل قاعة صفية ولم يكونوا من معلمين الميدان، وقالوا إن من وضع الاسئلة أشخاص غرباء عن بيئة التعليم المدرسي أو (حاقدين) وبذلك لم تحقق هذه الامتحانات أهدافها.

لقد فشلنا حين كان المعلم في وادي والمادة التي درسها للطالب في وادي آخر.

لقد تناسى القائمون على امتحانات الثانوية العامة الوضع العام والهم الوطني الكبير والحالة النفسية التي يعيشها كل طفل فلسطيني وليس كل مواطن، جراء عدوان الاحتلال الإسرائيلي المتواصل على

أبناء شعبنا ليس في غزة فقط، وانما في كل بقعة ورقعة من هذا الوطن المكلوم، سواء بالقصف أو النزوح أو الحواجز الاحتلالية وتقطيع أوصال المدن، مروراً إلى الاقتحامات والاعتقالات والاعتداءات وعربدة قطعان المستوطنين.. كل ذلك وطاقم العلماء (القادمين من السويد) يرون أن من الضروري أن يكون الامتحانات بهذا المستوى.. من المهم أن نتحدث عن الجار وعن المال في موضوع التعبير.. الجار أستشهد أو هدم الاحتلال بيته، وعند الحديث عن المال فمن المهم أن نذكر الجميع أن نقص المال للمعلم وللموظف ذهب بالجميع إلى (برامج الزوم والتيمز) لأن الإضرابات كانت سيدة الموقف.. لأن جزء كبير من المعلمين وصلوا إلى غرفهم الصفية في بداية السنة الدراسية واحتجبوا عن التدريس لأنهم لم يتقاضوا رواتب.. فعوقب طلبة الثانوية العامة بذلك.. ودخلت الحرب وعوقب طلبة الثانوية العامة عليها.. وتغيرت الوزارة.. وعوقب طلبة الثانوية العامة عليها. وغيرها الكثير.

لقد فشلنا حين تناسينا أننا لا زلنا ندفع فاتورة إدارة ملف كورونا.. فشلنا حين لم نعطي إهتمام للفاقد التعليمي المتراكم منذ أربعة سنوات.. فشلنا حين قلنا أننا بخير.. وأن التعليم بخير.. فشلنا حين قلنا أننا جاهزون وقادرون على مواجهة الازمات.

أي تخبط هذا الذي نحن فيه.. أي فشل هذا نتغنى به.. وتأتي المنظومة التربوية لتضمد الجراح بقولها (لقد تم رصد ردود الأفعال حول صعوبة بعض الأسئلة في مبحثي اللغة العربية والرياضيات خلال امتحان التوجيهي وأنه سيتم التعامل معها بشكل إيجابي ومرن من خلال لجان التصحيح)، الترجمة الحرفية لهذا الكلام أن الوزارة (شاهد ما شافش حاجة) تتعامل مع القضايا الحساسة الخاصة بالامتحان من خلال ردات فعل، كلما احتج الطلبة وذويهم وجدنا ردة فعل لدى المنظومة التربوية القائمة على هذا النظام المهترئ من الامتحان.

يا سادة.. هناك طلبة بذلوا من جهدهم ما بذلوا ليتنافسوا على مقاعد في الجامعات ومنح دراسية، أولئك لن يكون لهم من الطيب نصيب بسبب نظام إدارة الامتحان، فأحدهم بعلاقات ذويه وعائلته الوطيدة مع مدير القاعة أو مع المراقبين والاهتمام بمساعدته وغض البصر عن السماعة أو الجهاز الخلوي أو غيره هو من سينافس على هذا المقعد، وهذا على مرأى ومسمع من كافة اركان المنظومة، ويخرج أحدهم ليقول ان هذا الأمر ليس صحيح.. نقول له ارجع إلى الطلبة داخل القاعات وأسئلهم بشكل فردي، ولا تعتمد على تقارير مديري القاعات وهذا المنطق، ألقي نظرة من خلال محرك البحث على مواقع التواصل الاجتماعي، واستمتع وأنت ترى طالب يكتب عن الموضوع بفخر.. أحد الطلبة المتفوقين دخل باكتئاب وعزلة السبب لم يكن صعوبة الامتحان فقط، وإنما أن الجهد الذي استغرقه (90 دقيقة) في حل أسئلة الاختيار من متعدد- ضع دائرة، وزميله الذي كان يبحث عن علامة نجاح فقط في بعض المواد أنهى الامتحان وهو متيقن أنه حصل على علامته الكاملة لأن أجوبة الامتحان التي وصلته من خارج القاعة كانت دقيقة للغاية.. فماذا أنتم فاعلون؟؟

فشلنا حين لم نعرف معنى (القياس والتقويم) ولم نطبقه على هذا الامتحان، طيلة 12 عام دراسي ونحن نعتمد على أسلوب التلقين والحفظ، ذلك الأسلوب البائس، ليأتي “أبو الحروف” ويضع “الشدة” على رؤوس الاشهاد في الأمتار الأخيرة من الامتحانات بتغيير أسئلة الحفظ ذلك النمط السائد (الذي هو مقيت أصلاً) واستبداله بالأسئلة الاستنتاجية، ليعبر هذا (العالم المحترف في وكالة ناسا) عن عقده النفسية منذ الصغر في وضع الأسئلة واستنتاج اجابتها، الطلبة استعدوا على مدار أربعة وعشرين فصل دراسي منذ الصف الأول وحتى الثاني عشر على نمط الحفظ وأسلوب التلقين، وعلى مدار العام الأخير استخدم الطالب هذا النمط لدراسة المبحث استعداداً للامتحان مطلوب منه أن يغير من أسلوبه ونمطه في لحظة الإجابة على الامتحان!!!

ويخرج علينا مسؤول “سمين” من رفيعي المستوى يقول إننا اتخذنا إجراءاتنا الخاصة، لحماية امتحان الثانوية العامة، من الجيد أن نحمي الامتحان.. وان نحمي سمعة الامتحان.. حتى لو كان ذلك على حساب “ولادنا” طلبة الثانوية العامة وذويهم، فلا وجود لأي مشكلات في عملية التشتيت أو زيادة القلق ورفع الادرنالين وكأننا نمارس لعبة الحبار والانتقام بين الطالب والمنظومة التربوية، من حق التربويين والمسؤولين الخوف، لكن ليس الخوف على الامتحان، إنما الخوف من أثر الفاقد التعليمي والتربوي والذي نتعايشه في مدارسنا وجامعاتنا منذ أربعة سنوات، الخوف من جيل تم تجهيله بشكل متكرر دون قصد، جيل لا يميز بين الصواب والخطأ إلا من رحم ربي، الخوف من تبعات القرارات الارتجالية في الدوام وفي الإضرابات والحداد وطبيعة اعطاء الدروس والنمط التعليمي، وكفاءة المعلمين وغيرها.

وبما أننا ذكرنا المعلمين فلا بد من الإشارة الى أهمية تأهيلهم، ورفع جهوزيتهم للتعامل مع طالب الثانوية العامة- الا من رحم ربي- مع التأكيد الدائم على توفير احتياجاتهم ليكونا قادرين على العطاء، خاصة في ضل الازمة المالية الخانقة وانعكاساتها عليهم وعلى نفسياتهم، فالطالب يحب المادة أو يكرهها من خلال علاقته بمدرسها، كنت أعاني منذ الصغر في مبحث الرياضيات نتيجة علاقتي بمدرسيها الذين يطبق غالبيتهم قاعدة (هيبتنا بكشرتنا)، إلا في الثانوية العامة التي أرسل الله لي ولزملائي أستاذ من طينة الملائكة أحببناه وهو جعلنا نحب الرياضيات، فاجتزنا الصعاب وتميزنا، والفضل بعد الله له، وابنائنا اليوم يواجهون عدد من المعلمين والمعلمات الذين يشعرون الطالب ان هناك ثأر وكره شخصي بينهم، وهذا انعكس على المواد التي يدرسونها للأسف، وهنا نقترح بل نضع توصية أن يكون هناك دورات للتأهيل وللتفريغ النفسي للمعلمين والمعلمات الذين يتعاملون مع طلبة الثانوية العامة، وهذا الأمر ينطبق على اختيار المراقبين ومديري القاعات، وغرد بعضهم يقول أننا في اجازتنا السنوية، مع العلم أنهم يتقاضون رواتبهم -وان كانت مقتطعة من خلال الوضع الحالي المؤقت- ولكن في النهاية لن يذهب عليهم شي من رواتبهم، عدا عن ذلك فهم يتقاضون بدل عمل إضافي عن مراقباتهم للامتحانات، وبالتالي ليس مطلوب منكم الا ابتسامة خفيفة وجميلة تستقبلون بها الطالب، وتشعروه بالأمن النفسي وهو في قاعة الامتحان، وتتركوا مشكلاتكم وعقدكم وخلافاتكم الزوجية في

المنزل، فهؤلاء الطلبة ليس لهم ذنب بقضاياكم، راقبوا بعدالة وبذمة وضمير، أسوة بغيركم من المعلمين والمعلمات الذين ترفع لهم القبعة في استقبال الطالب والتعامل معه قبل واثناء وبعد الامتحان بكل محبة واحترام وتقدير، لذا نكرر أهمية تطوير المعلم وتأهيله، فنحن نتعامل اليوم مع أثر تمكين المعلم وتطوير مهاراته، فالخبرة ليست بسنوات الخدمة يا سادة، وإنما الخبرة تتأتى بالابتكار والخروج عن المألوف والتفكير خارج الصندوق.

فشلنا حين اعتقدنا أن موضوع الثانوية العامة يمس طلبة التوجيهي فقط أو عوائلهم، ونسينا أنها حالة رأي عام، بالتالي لا بد من أن يقرع جدار الخزان من كل مواطن وتربوي وعامل ورب أسره من كل من يهمه اصلاح حال البلد والاجيال القادمة في ظل واقع صعب ومرير.

فشلنا اننا لم ننظر الى الواقع الاستثنائي والى هذه السنة الاستثنائية، فشلنا حين لم تكن لنا رؤية مستقبلية حقيقية لمعالجة الأمر، ناهيك عن واقع المنظومة التربوية التي تعتمد على التلقين دون أن يفتح مجال للطالب على ابداء رأيه، وعن واقع بعض العاملين في قطاع التعليم فحدث ولا حرج وكفانا تجميل للصورة القاتمة، فالجزء الاكبر بحاجة لإعادة تأهيل وصقل للمهارات حيث أن الطالب يتتلمذ على يد معلم ذو خبرة بسيطة ومهارات بالكاد تفي بالغرض، وتأتيه في نهاية العام أسئلة من رائد فضاء لا وجود لعلمه في مدارسنا وهذه ليست رؤيتي الشخصية فحسب وانما رؤية من خاضوا غمار هذه التجربة.

خلاصة القول.. لقد فشلنا في التعامل مع هذا النظام البائس منذ الأزل، وبعيداً عن ضجيج المؤتمرات الصحفية والخطب الرنانة، وحصر اعداد جيش المراقبين والمصححين ومديري القاعات وقوى الامن، والتغني بنجاح عملية إدارة الامتحان، و و و، فشلنا أن نكون مختلفين..

بكل شفافية.. إن لم ننجح في إدارة امتحان.. كيف سننجح في إدارة دولة دفع ثمنها مئات الاف من الشهداء والجرحى والأسرى..

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير