اليومان الثامن والتاسع والأربعون بعد المائتين لحرب الإبادة على غزة

زينب الغنيمي تكتب لوطن من غزة: نشاط المؤسسات النسوية والأهلية في تقديم الدعم للشعب يبعث على التفاؤل رغم كل مآسي هذا العدوان

17.06.2024 01:31 PM

منذ بداية العدوان على قطاع غزة، نشطت مؤسسات المجتمع المدني النسوية والإغاثية بقدر ما استطاعت لتوفّر الدعم المادي والمعنوي لجمهور النازحات والنازحين، سواء لجهة تقديم الفراش والأغطية، أو لجهة تقديم الطعام للناس في مراكز الإيواء.

ولكن مع اشتداد الحصار على مدينة غزة وشمالها لم يكن من السهل تقديم هذه الخدمات، خصوصًا في الأماكن تحت مرمى القصف، وأيضًا نتيجة الحصار المُحكم على مدينة غزة ومنع دخول المساعدات أو حتى البضائع للتجار. ولكن منذ شهرين تقريبًا، أي بحلول عيد الفطر، بدأت المساعدات بالدخول لمدينة غزة والشمال وإن كانت شحيحةً ومُتقطعة، واعتمدت على الطحين والمُعلّبات لكنّها خَلَت من الفواكه والخضروات وأيّ نوع من اللحوم، وظلّ شبح المجاعة يلوح في الأفق باستمرار.

وباستقرار الأوضاع الأمنية نسبيًا في بعض المناطق خلال هذين الشهرين، انتهزت المؤسسات النسوية الفرصة لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي والقانوني للنساء والأطفال. كما قدّمت أيضًا الدعم الإغاثي بالتعاون مع المؤسسات الإغاثية التي تقوم بالتنسيق عبر برنامج الغذاء العالمي لإدخال المساعدات المختلفة للمؤسسات النسوية والأهلية، التي تقوم بدورها بتوزيعها على الأشخاص والعائلات.

خلال الأسبوع الماضي وهذا الأسبوع والعمل يجري على أشُدّه في مركزنا بعد إجراء بعض التصليحات لجزءٍ من الأضرار، حيث تركنا ما يحتاج إلى أشغالٍ كبرى إلى وقتٍ آخر، وهكذا، أصبح المكتب مُجدّدًا كخلية نحل، حيث عملت جميع الزميلات والزملاء بجد لتقديم الدعم الإغاثي للنازحات اللواتي سبق وقدّمنا الدعم النفسي والقانوني لهنّ منذ أكثر من شهرين.

يعمل الزملاء بمُتعةٍ وإيمان دون توقُف، ويُردّدون بأنّهم سعداء بكونهم يُجدّدون نشاطهم ولياقتهم، ويشعرون بالفخر لأنّهم يقومون بخدمة الناس بالرغم من كافّة الصعوبات التي يواجهونها هم شخصيًا، فعلى سبيل المثال أحدهم تُوفيت والدته وفي اليوم الثالث تجرّع حزنه ونزل للعمل.

الزميلات أيضًا واللواتي يعملن منذ شهورٍ طويلة دون كللٍ أو ملل، ويتجاهلن أوجاعهن التي سببها هذا العدوان، حيث عانين جميعًا من مرارة الفقد، ومع ذلك يقدّمن الدعم النفسي والقانوني للسيدات في مراكز النزوح دون خوف أو قلق، بل بإصرارٍ على العمل يوميًا يبعث على الفخر، رغم أنّ بعض مراكز الإيواء واقعةٌ في مناطق خَطِرة، وأيضًا بيوت بعض الزميلات. تقول إحداهنّ: "إحنا كنّا سابقًا نشعر بالضيق ونحن نرى معاناة النساء ومدى حاجتهن للتفريغ النفسي مقابل عجزنا عن التواجد معهن. ولكنّنا حاليًا نشعر بالسعادة لأننا قدّمنا لهن يد المساعدة، ولو قليلًا".

أما الثغرة الأساسية، فتحدث في أوقات دخول الجيش الصهبوني بريًّا للأحياء؛ حيث تكون المنطقة محاصرة ويشتدّ القصف فلا يمكن لأحدٍ أن يتحرّك، كما أنّ النساء في مراكز الإيواء تبحثن عن النجاة بحياتهن أولًا وحياة أطفالهن، وفي كلّ مرةٍ يقصف الجيش الصهيوني المدارس، يهرع الناس للهرب من جحيم القذائف والصواريخ ليكونوا مرّةً أخرى في الشارع.

سألت إحدى الزميلات، وهي مُقيمةٌ في حي الزيتون الذي لا يهدأ القصف فيه جنوب مدينة غزة، وقد عاشت شخصيًا تفاصيل النزوح ومازالت بين فترةٍ وأخرى تُضطرّ لمغادرة بيتها، كم مرّةً اضطرّت للخروج من البيت والعودة إليه لاحقًا، فضحكت بمرارةٍ وقالت: "ما تعدّي يا أستاذة، إحنا بنطلع لما القذائف تصير زي المطر وبنكون مش واعيين على إشي. آخر مرة من ثلاثة أسابيع، طلعنا من البيت نجري ما ندري، رحنا على مدرسة الفلاح قصفوا حوالينا بطّلنا عارفين وين بدنا نروح". هذه الزميلة نفسها فقدت في الشهور الأولى للحرب أخواتها وبناتهن ولم تستفق بعد من حزنها، إلّا أنّها تتجوّل مع الزميلات وبقيّة طاقم العمل في المدارس لدعم النساء وأطفالهن.

إنّ لجهود المؤسسات النسوية والإغاثية في قطاع غزة وخصوصًا في مدينة غزة وشمالها أثرٌ إيجابيٌّ لا محالة، من حيث حلّ الكثير من المشاكل الاجتماعية من جهة، وتقديم الدعم المادي واللوجستي استجابة لحاجات النساء من جهةٍ ثانية، وذلك رغمًا عن المُعيقات التي نواجهها أثناء العمل، سواء على صعيد نقص المواد الأساسية في الأسواق، أو بسبب منع سلطات الاحتلال إدخال شاحنات المساعدات والبضائع لمدينة غزة وشمالها. هناك أيضًا المُعيقات المتعلّقة بالإدارة غير السليمة في بعض المدارس التي تحوّلت إلى مراكز للنزوج بسبب سيطرة بعض الفئات النافذة عائليًا أو اجتماعيًا على اتخاذ القرار، وإصرارهم على تمرير كلّ شيء من خلالهم من باب البلطجة. هذا للأسف هو الأسلوب الذكوري الذي يُمارسه المُكلّفون بإدارة هذه المدارس والإشراف عليها، وقد حدثت عدّة وقائع منعت طواقم العمل من تقديم الفائدة للنساء والأطفال في بعض المدارس.

ولكن سيظلّ السعي نحو العمل مستمرًّا بقدر الممكن حتى نتجاوز هذا العدوان الغادر والمِحن الشديدة التي لحقت بالشعب هنا في قطاع غزّة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير