فلسطين والعالم ولكن... بقلم:الياس خوري

27.09.2011 07:34 AM

ذهب محمود عباس الى الأمم المتحدة كي ينهي مسارا بدأه عندما تسلم رئاسة الحكومة التي سقطت زمن عرفات، ثم استؤنف عندما صار رئيسا للسلطة بعد مقتل عرفات.

المسار العباسي كان واضحاً، فالرجل استدار بشكل كامل، معلنا انه سيكون سادات فلسطين، اي سيجلب السلام ولو على حساب احداث انقلاب جذري في حركة فتح، وتحويلها من حركة مقاومة الى حزب للسلطة.

نفذ عباس كل طلبات الرباعية بحــــذافيرها، حلّ 'كتائب شهداء الأقصى' وفرض ما يشبه الاقامة الجبرية على مقاومي فـــتح، منع اي مقاومة، اعاد بناء الاجهزة الأمنية على طريقة دايتون، وجلس ينتظر تحقيق الوعود. اصرّ على انه يملك استراتيجية واحدة هي المفاوضات، واعلن ان بديل المفاوضات هو المفاوضات، وتوقع ان يفي الامريكيون بوعودهم وان يصل عبر ذلك الى شيء يشبه دولة فلسطينية.

احرق عباس كل سفنه، رفض اعتماد استراتيجية عرفات المزدوجة: مفاوضات ومقاومة، وبرهن للامريكيين على انه مخلص في التزاماته معهم، وانه مستعد ان يكون مثلما طلبوا واكثر.

عباس واضح وحاد ويتميز بالعناد، انه عكس قائده عرفات، لا يناور ولا يحاول المشي بين النقاط. قالها منذ البداية انه كان ضد عسكرة الانتفاضة الثانية، حتى وصل به الأمر الى الايحاء بأنه كان ضد الانتفاضة نفسها. حلب حليبا صافيا وكان افضل من توقعات الامريكيين.

ولكن...

قدم عباس صورة جديدة لقيادة فلسطينية مختلفة. انه رجل الدول المانحة، والمفاوض المستعد دائما للتوصل الى حل حتى وان كان غير مرض للكثيرين.

ولكن..

وكان مقامرا، وضع 'السولد' كله على الطاولة، واختار السلة الامريكية كي يضع فيها كل الآمال والتوقعات، وكان واثقا من صدق اوباما واخلاص توني بلير.

ولكن...

حسب عباس كل الاحتمالات، وكان يتوقع من الاسرائيليين الغدر، لكنه كان واثقا بصدق الدول الغربية، وبالأثر الايجابي الذي تركه اداؤه على الامريكيين.

ولكن...

كل الحسابات بدت صحيحة في الحقل، ولكن عندما وصلت الأمور الى البيدر، ظهرت الحقيقة الكبرى التي كان السيد عباس يجهلها او يتجاهلها، وهي حقيقة بسيطة وواضحة تقول ان جهد دعاة السلام في المؤسسة الاسرائيلية وفي 'الاستابليشمنت' الامريكية له هدف واحد هو انقاذ اسرائيل حتى ولو اقتضى الأمر، في بعض الأحيان، انقاذها من نفسها.

اي ان الهدف الثابت للمانحين هو دعم اسرائيل وتلميع صورتها، والحفاظ على تفوقها في كل شيء.

المؤسسة الغربية ليست معنية بالشعب الفلسطيني الا في هذا الاطار. الفلسطيني غير مرئي، واذا ظهر على شاشة الوعي والسياسة فمن اجل ان لا يزعج اسرائيل او يمسها بسوء.

هدف المانحين لم يكن تحويل الاقتصاد الفلسطيني الى اقتصاد ريعي قائم على القيم النيوليبرالية فقط، ، بل بناء دورة اقتصادية تريح اسرائيل وتنزع فتيل المقاومة.

ما غفلت عنه القيادة السياسية الفلسطينية هو انها حين تضعف قدراتها على المس باسرائيل فانها تفقد اي قدرة على الضغط او المناورة السياسية.

وهذا ما يحدث اليوم امام اعين العالم بأسره، يبدو الرئيس الفلسطيني في صورة من يحاول استعادة لغته، ملوحا بالحق الفلسطيني من دون ان يمتلك اي وسيلة لاقناع الغرب بأن الحفاظ على اسرائيل يحتاج الى تنازلات اسرائيلية والا...

لقد اخرجت السلطة هذه الكلمة من التداول السياسي، وهنا يقع الخطأ. لا يوجد سوى بديل واحد هو حل السلطة، وهنا تقع المسألة التي تحتاج الى نقاش.

هل حل السلطة يخيف الغرب واسرائيل؟ واذا كان الأمر كذلك فلماذا كانت السلطة اصلا؟

يبدو سؤالي مبسطا وساذجا، لكن في لحظات الانعطاف الكبرى يجب العودة الى البديهيات، اي الى الأسئلة الأولى. وهنا نفاجأ بأن ورقة التهديد الجدية الوحيدة التي تملكها السلطة هي حل نفسها، واعادة الأمور الى المربع الأول.

هل صحيح اذا ان بقاء السلطة الفلسطينية هو حاجة اسرائيلية؟

نعم ولا، من هذه 'اللعم' التي ابتدعها عرفات بدأ الالتباس الذي وصل الى ذروته مع افضل خطاب القاه عباس في حياته. فالوضع السياسي الذي نتج عن الانتفاضة الاولى، ابرز التضامن العالمي والاسرائيلي مع الشعب الفلسطيني، وهو خطاب متعدد بالطبع، لكن مركز ثقله كان محاولة انقاذ اسرائيل من نفسها، لأن الاحتلال يحطم صورتها. هذا المشروع الايديولوجي اطيح به بالكامل بعد فشل كامب ديفيد الفلسطيني- الاسرائيلي واندلاع الانتفاضة الثانية، وصولا الى تسلم اليمين الشاروني للسلطة، حيث اعادنا شارون الى خطاب النكبة، مطيحا في زمن ما سمي 'بالحرب على الارهاب'، بكل دلالات الخطاب السلمي السابق.

هنا تحولت السلطة التي فقدت السيطرة حتى على المنطقة (الف) الى ما يشبه الادارة المحلية في ظل الاحتلال، وهذا ما تسعى اسرائيل الى تثبيته.

عباس في خطابه على الأقل، اعلن رفضه هذه المعادلة الجديدة، ورمى القضية بلغتها الاصلية (مستخدما تعابير التطهير العرقي، وادانة الاستيطان وحقوق اللاجئين) في وجه العالم، وقال انه لا يستطيع اكثر من ذلك، وان هاوية التنازلات انتهت لأنها وصلت الى القعر، واذا استمر الوضع على ما هو عليه فانه سيمشي.

لكن نتنياهو لم ينتظر طويلا، رمى القفاز في وجه السلطة وقال لا، اما اوباما فهو لا يدري كيف يوفق بين عاصفة الثورات العربية وواقع انه اسير السياسة الاسرائيلية.

هنا يقع السؤال.

هل الجواب على الموقفين الاسرائيلي والامريكي يكون بحل السلطة فقط، ام ان هناك خيارات اخرى ابرزها عودة الشتات الفلسطيني الى لعب دوره الذي ابعد عنه قسرا، والعودة تاليا الى الف باء مشروع التحرر الوطني وهو مقاومة الاحتلال بمختلف الوسائل؟

ولكن...

هل لا تزال القيادة الفلسطينية تمــــلك القدرة على طرح خيار المقاومة، ام ان الوقت قد حان كي يعلن الفلسطينيون، مثلما اعلنت الثورات العربية، فراغ القيادة، ويصنعون قياداتهم الجديدة في الشارع؟

هذا هو السؤال.

                                                                                                   عن القدس العربي/ لندن

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير