خطبة أكاذيب نتنياهو... بقلم: عكيفا الدار/ هأرتس

26.09.2011 01:28 PM

          كتب بيرتولد بريخت في قصيدته "أهمية الدعاية" انه "حتى المتضورون جوعا يجب عليهم ان يعترفوا بأن وزير الغذاء يحسن الكلام". يجب علينا أن نعترف بأن بنيامين نتنياهو أحسن الكلام في الجمعية العامة للامم المتحدة. وقد كانت الانجليزية فصيحة وكانت حركة اليدين دقيقة وحركة الجسم تامة. وكانت الدعاية رائعة، فهي تتحسن من خطبة الى خطبة. لكن رئيس الحكومة وعد بأنه سيغذينا هذه المرة بكلام حقيقة لا بخطبة اخرى من اجل الدعاية. ويحسن أن نفحص هل وفى بوعده.

          كانت الرسالة الحقيقية المركزية التي أخذها نتنياهو معه الى نيويورك أن السلام يحرز بتفاوض مباشر بين الطرفين لا بخطوات من طرف واحد كالتوجه الى الامم المتحدة (بحسب حقيقته فان توسيع المستوطنات في الارض التي سيحدد التفاوض مصيرها هو خطوة ثنائية الجانب). وقد استل نتنياهو باعتبار ذلك تفضلا على الجيران العرب "مثلا عربيا"، يقول انه لا يمكن التصفيق بيد واحدة. والحقيقة ان هذا "المثل" هو خداع كلامي وخطأ. وهذا يحدث لكل واحد. والكذب موجود في المشبه به والذي يقول ان المشكلة كامنة في رفض الفلسطينيين التصفيق للسلام والحديث عن الامن.

          وقد زعم نتنياهو تعزيزا لحقيقته ان اهود باراك قدم للفلسطينيين في سنة 2000 "اقتراحا شاملا لبى جميع مطالبهم تقريبا". من المثير ان نعلم ما هو رأي باراك في هذه "الحقيقة"، في كل ما يتعلق مثلا بمطالب الفلسطينيين المتعلقة بجبل الهيكل وحل مشكلة اللاجئين. واستعان رئيس الحكومة بسلفه اهود اولمرت ايضا ليعزز زعمه انه لا يوجد من يُتحدث معه. ويقول ان رئيس السلطة محمود عباس "لم يُجب حتى" اقتراحا أكثر سخاءا وضعه اولمرت أمامه في سنة 2000. وهذه حالة من الحالات يكون فيها نصف الحقيقة اسوأ من الكذب.

من المحقق ان نتنياهو قرأ في الاسبوع الماضي المقالة في "نيويورك تايمز"، التي قال فيها اولمرت ان عباس لم يرفض قط اقتراحه وان معاييره تنتظر على مائدة التفاوض، لكن لا لوقت طويل. ان رئيس الحكومة المشفق على أمننا الى درجة انه يطلب انشاء قواعد عسكرية في الضفة، زعم ان الفلسطينيين يرفضون الحديث عن ترتيبات امنية. أحقا؟ فلينكر ان الفلسطينيين نقلوا اليه بوساطة المبعوث جورج ميتشيل، اقتراحا مفصلا يتعلق بترتيبات امنية. كم مرة يجب على عباس ان يقول في الخطب والمقابلات الصحفية، انه مستعد لتجريد المناطق من السلاح بل ان يقيم في الدولة الفلسطينية قوة دولية كالقوة المتعددة الجنسيات في سيناء، بل قوة امريكية.

          ولا يمكن دون قول الحقيقة عن رفض الفلسطينيين الاعتراف بدولة يهودية "في كل حدود". قيل هذا الكلام بعد وقت قصير من تقديم عباس الى الامين العام للامم المتحدة الطلب الرسمي للاعتراف بدولة فلسطينية في حدود 1967 تعيش بسلام مع دولة اسرائيل. يبدو ان نتنياهو لم يملك وقتا للنظر في الرسالة ولم يعلم ان مصدر الصلاحية الذي يقيم الفلسطينيون عليه طلبهم هو القرار 181 الذي اعترف بدولة يهودية الى جانب دولة عربية، واعلان استقلالهم في سنة 1988 الذي اعترف بالقرار 242 ونظر الى اسرائيل باعتبارها دولة يهودية.

          أفرط رئيس الحكومة في وصف تهديد الاسلام المتطرف وجسد الخطر بمساعدة سابقة الانسحاب من غزة من طرف واحد، "مع تسليم المفاتيح الى عباس"، الذي أفضى على أثره الى صواريخ القسام. كيف يتلاءم انسحاب من طرف واحد مع تسليم مفاتيح لعدو؟ قفز رئيس الحكومة بخفة عن مبادرة السلام العربية التي اصفرت على الرف منذ عشر سنين تقريبا. ففي هذه الوثيقة تعرض جميع اعضاء الجامعة العربية ومنها م.ت.ف على اسرائيل لا السلام والامن فقط في حدود 1967 وحلا متفقا عليه لمشكلة اللاجئين، بل تطبيعا ايضا.

          يتناول اعلان الرباعية الذي صدر من نيويورك في نهاية الاسبوع مبادرة السلام العربية وخريطة الطريق التي تشتمل على طلب وقف البناء في المستوطنات ونقض البؤر الاستيطانية باعتبارهما مصدري سلطة التفاوض. وتتوقع الرباعية الدولية من الطرفين أن يتركا الدعاية ويبدءا الكشف عن أوراق اللعب. اذا لم يُخرج الفلسطينيون له الكستناء من النار فربما تبرز حقيقة نتنياهو آخر الامر للنور.

 

 

 

تصميم وتطوير