فلسطين: تغيير قواعد اللعبة ... والملعب!

26.09.2011 10:48 AM

بقلم: د.خالد الحروب

جريدة الأيام  

انتصر الفلسطينيون في الجولة الأولى من المعركة التي خاضوها ويخوضونها هذه الأيام في الامم المتحدة. حدث ذلك رغم ان المعركة نفسها طويلة ومن المُستبعد الحصول على الهدف الاقصى منها وهو العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الامم المتحدة. بيد أن الانجاز الفلسطيني حتى هذه المرحلة كبير والزخم الذي تم توليده هائل ويجب المحافظة عليه وعدم إضاعته. جوانب هذا الانجاز عديدة لكن يمكن توصيفها وتوصيف خطوة الذهاب بالقضية إلى الامم المتحدة بعملية، بل مغامرة، جريئة هدفها يجب أن لا يكون تكتيكيا محصورا بتغيير قواعد اللعبة، بل تغيير اللعبة كلها وتغيير الملعب. اللعبة المملة هي المفاوضات العبثية التي ضيعت عشرين عاما عبر قواعد لعبة مجحفة وضعها حكم منحاز ومتواطئ هو الولايات المتحدة، وتدور على ارضية وملعب حدد معالمهما العدو نفسه والحكم المتواطئ. من خلال تلك اللعبة تم نفي ملف القضية الفلسطينية عمليا وسياسيا عن اروقة الامم المتحدة، وتحولت القضية إلى كرة تتقاذفها سياسات الخداع والكذب وإضاعة الوقت الاسرائيلية والاميركية التي كرست الاحتلال والاستيطان والتهويد على مدار سنوات المفاوضات الطويلة. تشريد ملف القضية من حيزها الاممي والقانوني القوي المُدعم بقرارات دولية ومرجعيات حقوقية واضحة إلى حيز التفاوض الثنائي بهدف الوصول إلى حل سياسي كان معناه تجريد الفلسطينيين من عناصر القوة الوحيدة المتوفرة في ايديهم. لم تكن هناك اية اوراق ضغط يملكها الفلسطينيون على طاولة المفاوضات التي ابتعدت بعيدا عن الامم المتحدة وأقيمت في الملعب الاسرائيلي ـ الاميركي. اللعبة والملعب والحكم فاسدون ولهذا فقد دفع الفلسطينيون ثمنا باهظا خارج حدود التصور. كيف يمكن أن تقود مفاوضات استمرت لمدة عقدين من الزمان بهدف نظري هو إنهاء الاحتلال الاسرائيلي إلى تكريس هذا الاحتلال ومضاعفة الاستيطان وعدد المستوطنين اكثر من ثلاث مرات وتهويد القدس برمتها؟

من هنا بالضبط تكمن اهمية وتاريخية الخطوة الفلسطينية: من إمكانية خلق مسار جديد والتوجه إلى ملعب جديد. معركة الامم المتحدة وذروتها الخطاب الشجاع والمحكم الذي القاه الرئيس الفلسطيني اعادت الاعتبار لقضية فلسطين امميا ووضعتها على رأس جدول الاعمال العالمي. اعادت التأكيد على قضية فلسطين ليست فحسب القضية المركزية في الشرق الاوسط وهي مفصل السلام والحرب فيه، بل وايضا لا يمكن ان يستقر العالم من دون ان تتحقق الحقوق الفلسطينية. وقبل ذلك انجزت وخلاله انجزت هذه الخطوة ثلاثة مكتسبات كبيرة يمكن اعتبارها استراتيجية. الاول هو انتزاع زمام المبادرة والفعل من العدو والحكم معا، إسرائيل واميركا، وعكس مجرى التحكم في الامور الذي بقي عند الطرف الآخر خلال السنوات العشرين الماضية. الفلسطينيون، والعرب من ورائهم، كانوا في موضع رد الفعل وكان المتحكم في المبادأة والسيطرة هو التحالف الاسرائيلي ـ الاميركي. الخطوة الفلسطينية الاممية كسرت ذلك الاحتكار. الثاني هو الانتفاضة على الضغوط الاميركية التي بلغت مستويات هائلة وحاولت بالترغيب وبالوعيد ثني الفلسطينيين عن خطوتهم. يُسجل للقيادة الفلسطينية بكل موضوعية تشبثها بالموقف والاصرار على المضي بخطوة تقديم طلب العضوية رغم السعار الاميركي المُنحط اخلاقيا وسياسيا الذي شهدناه في واشنطن ونيويورك. كانت مندوبة الولايات المتحدة الجالسة في الصف الاول خلال خطاب ابو مازن تمثل المصالح الاسرائيلية وليس الاميركية وهي ترفض حتى مجرد المشاركة في التصفيق منقطع النظير لكلمة فلسطين في المحفل الأممي. سوف يظل هذا المشهد عالقا في الذاكرة الجمعية الفلسطينية والعربية وكأن الولايات المتحدة تريد أن تؤكد أنها عدوة للحقوق الفلسطينية عمليا رغم كل الرطانة والتصريحات الرسمية ووعود كلينتون، ورؤية بوش، وتفهم اوباما، وكل الاوهام التي سرعان ما تنقضي عن اول انتخابات محلية وضغوط للوبي اليهودي.

الانجاز الثالث للخطوة الفلسطينية الاممية تمثل في خلق زخم وطني وشعبي كان الشعب الفلسطيني في امس الحاجة إليه. لقد تراكم في السنوات الماضية قدر هائل من الاحباط واليأس واللامبالاة في اوساط الفلسطينيين، وتبعثرت بوصلتهم الوطنية خاصة بعد الانقسام والشرخ الذي حصل بعد سيطرة حماس على غزة سنة 2007. اصبحت القضية الوطنية ومعالمها مثار تهكم شرائح عريضة، ولم يعد الفلسطيني مدركا إلى اين المسير. خطوة عضوية فلسطين وربما على رمزيتها في الجوهر تمكنت من لم الشعب الفلسطيني على هدف وطني واحد، وشحنت الناس بقضية تستحق الصراع من اجلها. الجانب المؤسف في هذا السياق كان موقف حماس والجهاد الاسلامي الذي لم يتمكن من صوغ موقف معارض لكن منخرط في الجهد الوطني في نفس الوقت. كان بإمكان الحركتين وخاصة حماس الحاكمة في غزة ان تقول إنها تتحفظ على الخطوة لكنها سوف تنتظر وترى ولن تقوم بما يمكن ان يُفسر بأنه احباط لها، خاصة التفاهة الامنية المتوترة التي حظرت خروج اي مظاهرة تأييد للخطوة الفلسطينية. من المعيب والمخجل ان تُحظر هذه المظاهر في قطاع غزة نفسه، فيما مظاهرات التأييد لهذه الخطوة نُظمت في اماكن عديدة من العالم.

لكن المهم هنا هو الحفاظ على ما تم انجازه وعدم تبديده بالتراجع إلى الوراء. شعار الشهور القادمة يجب ان يكون: تغيير اللعبة والملعب، وليس تغيير قواعد اللعبة فقط. معنى ذلك ان يعود ملف القضية إلى الامم المتحدة، وان تُصاغ الخطوات القادمة على ارضها ومن خلال مرجعياتها القانونية والحقوقية. أي عودة إلى المفاوضات الثنائية من دون مرجعيات الامم المتحدة واشرافها معنى ذلك تذرية الانجاز والتخلي عنه والعودة إلى اللعبة القديمة والملعب القديم الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة. بإعادة الملف للامم المتحدة يتم كسر الاحتكار الاميركي وسيطرته الحصرية على مجريات المستقبل الفلسطيني. يجب رفض كل "الحلول الوسيطة" سواء التي طرحها ساركوزي او اللجنة الرباعية او غيرهم التي تريد إعادة الفلسطيني إلى الملعب القديم مع تحسين "قواعد اللعبة". 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير