مواقع التواصل الاجتماعي: تواصل اجتماعي أم فساد مجتمعي؟
كتبت سلمى جرادات: في عصرنا الحالي، أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي جزءاً لا يتجزأ من حياتنا اليومية، وأصبح أيضاً من شبه المستحيل العيش دونها، ويمكن تعريفها بشكل مبسط على أنها المنصات التي يتواصل من خلالها الناس أجمع في أي مكان وزمان، حيث أدت وستؤدي المهام اليومية للأفراد وقللت الحاجة إلى تقابلهم وجهاً لوجه، فهل في المستقبل لن يكون هناك حاجة للناس أن يقابلوا بعضهم البعض؟ هل ستتطور مواقع التواصل الاجتماعي أكثر من ذلك لدرجة الوصول لعدم الحاجة للقاء المادي بينهم؟ لنفترض أن هذا سيحدث، هل ذلك سيكون ذا أثر جيد أم سيء؟ هل سينال إعجاب الجميع أم لا؟ هل ستزيد هذه المواقع من التواصل الاجتماعي أم ستزيد من العزلة؟
جعلت وسائل التواصل الاجتماعي العالم قرية صغيرة أو عالم صغير افتراضي، عالم كالبئر الصغير العميق الذي تقع فيه ولا تستطيع الخروج منه! لكن هناك شيء واحد ينقذك من هذا البئر، ليس الخروج منه، بل التصرف بوعي داخل هذا البئر المخيف، فإذا تصرفت بوعي ستشعر وكأنك تعيش بداخله بأمان، وإذا تصرفت بغير وعي ستظل داخله كالغريق.
مواقع التواصل الاجتماعي، جسرٌ وفخ، جسرٌ يعبر الأشخاص منه للوصول لأهدافهم، فهي وسيلة يُعتمد عليها بشكل كبير في جميع المجالات سواء كانت اجتماعية في بناء العلاقات، أو اقتصادية في زيادة دخل الأفراد، أو سياسية في متابعة الأخبار أول بأول، أو ثقافية في زيادة الوعي والتثقيف عن طريق المعلومات المتوفرة على الإنترنت، فتكاد وسائل التواصل الاجتماعي أن تفرض هيمنتها على كل مجال من مجالات الحياة ، وفي ذات الوقت هي أيضاً فخٌ لمن يعبر الجسر، وأعتقد أن كل من استعمل وسائل التواصل الاجتماعي يدرك هذا المعنى، لنفرض أنك تعبر جسر وتحته نهر وتعتقد أنك ستصل إلى نهاية هذا الجسر وأن السير سيستمر بهذه السهولة، فجأة! يتخلخل هذا الجسر وأنت في المنتصف ثم تسقط في النهر، هذا التأثير النفسي لمواقع التواصل الاجتماعي على الأفراد، لكن عليك أن تدرك أنك أنت المسؤول عن هذا الوقوع، وأنت من تقرر أن تعبر الجسر كاملاً أو ستسقط وأنت في المنتصف، وهذا يعود لمستوى وعيك وكيفية استخدامك لهذه المواقع، فمواقع التواصل الاجتماعي من الممكن أن يكون لها أثر إيجابي وأثر سلبي كذلك. يقال "أن مواقع التواصل الاجتماعي لها أضرار أكثر من الفوائد"، في الحقيقة، هذا يعود لمعرفة المستخدم لإيجابيات وسلبيات مواقع التواصل الاجتماعي وكيفيية استخدامها، فإذا استخدمها بوعي وبالطريقة الصحيحة فلا خوف عليه، وستؤدي دورها المرغوب به على أكمل وجه، ويمكن أن يطوعها لخدمته في المجال الذي يريد.
أكثر من نصف عدد البشرية منخرطون في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، فكما ذكرت مجلة الجزيرة نت أن عدد مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في أبريل/ نيسان 2023 بلغ حوالي 4.80 مليارات شخص في العالم، ومع ذلك ما زالوا يقابلون بعضهم البعض لمناقشة موضوع ما، لكن -برأيي- إذا تطورت وسائل التواصل الاجتماعي أكثر عن ذلك، ووفرت للأشخاص مزايا وامكانيات وتسهيلات أكثر مما هي عليه الآن، فلن يكون هناك حاجة لمقابلة الأشخاص بعضهم البعض، ربما أنت الآن تتساءل عن مدى هذا التطور الذي سيحدث في المستقبل لدرجة عدم حاجتي لمقابلة الاخرين ؟ حسناً، تخيل أنك في منزلك وصديقك الذي تود رؤيته حالاً في قارة أخرى، ففي المستقبل سيكون بالإمكان التواصل معه وكأنكما تجلسان معاً وجهاً لوجه، وستتمكنان من اللقاء في مكان ما افتراضي، وستتمكنان من التجول فيه وكأنكما بالفعل فيه! هذا الذي سيحدث وسيصل التطور إلى هذا الحد، أعتقد أن هذا مخيفاً ويشبه عالم الخيال والأشباح، لكن بلا شك سيكون ذا أثر جيد على الأشخاص الذين لم تبق لهم وسيلة أخرى للقاء أحبائهم سوى هذه الوسيلة، ولكن مهمتنا ودورنا في تلك المرحلة المرتقبة أن نتجنب الآثار السلبية لذلك التطور الكبير، خاصة على المراهقين الذين سيعتادون التواصل مع الأشخاص الوهميين والخياليين وسيستغنون عن حاجتهم للقاء الأقرباء والأهل من حولهم وسيسبب لهم العزلة الوحدة، فهي تزيد من التواصل مع العالم الافتراضي وتسبب العزلة في الوقت ذاته مع العالم الواقعي.
يظهر تأثير مواقع التواصل الاجتماعي بوضوح على المجتمعات والفرد على حد سواء، على الرغم من الفوائد الكبيرة التي تقدمها هذه المنصات في تعزيز التواصل وتبادل الأفكار، إلا أننا لا يمكن أن نتجاهل السلبيات والمخاطر التي قد تنشأ عن سوء استخدامها، لذا، يجب علينا استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بوعي وتحمل مسؤوليتنا تجاه ما تقدمه هذه المواقع من امكانيات وفرص ناجمة عن التطور الهائل فيها.
بالتحليل العميق والوعي الشامل، يمكننا الاستفادة من فوائد هذه المنصات وتجنب المخاطر التي قد تهددنا، لذا، دعونا نتعهد جميعاً بأن نكون مستخدمين ذوي وعي، ونستخدم مواقع التواصل الاجتماعي بشكل يعكس وعينا.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء