زينب الغنيمي تكتب لوطن من غزة: "الحمدلله على السلامة" بين كلّ خطوة وخطوة، ورغم المعاناة والقهر لا يغيب الأمل في النجاة

17.04.2024 10:04 AM

اليوم الثاني والتسعون بعد المائة لحرب على غزة 15 أبريل 2024

كُلّما أمعنا التفكير بما يُحيط بنا يجتاحنا ألمٌ عميقٌ يُوخز القلب، وغصة موجعة في الحلق، فنحن على شفير هاوية عميقة ابتلعت الأخضر واليابس، وضجُت من تراكم أشلاء ضحايا هذا العدوان الصهيوني النازي.

يمرُّ اليوم كما سابقه والأسبق منه، يُؤلم رؤوسنا أزيز الطائرة الزنّانة، نسمع صوت الانفجارات هنا وهناك، نُهنّئ بعضنا البعض أننا مازلنا سالمات وسالمين، نتواصل مع معارفنا وأصدقائنا نسألهم إن كانوا ملزالوا سالمين، وفيما إذا كانت الضربة بعيدة عنهم، رغم أننا نألم لألم الآخرين لأننا نعلم أن الصاروخ أصاب هدفاً، وأوقع ضحايا شهداء وجرحى، ودمّر منزلا أو عدّة منازل وعلا صراخ ساكنيها، لكنً هذا العدوان الفاشي بضرباته المتسارعة هنا وهناك في كل الاتجاهات، لم يدع لنا مساحة من الوقت كي نُطبّب كلّ الجراح، أو أن نحزن بمقدار حجم الألم، أو أن نبكي كلما شعرنا برغبة بالبكاء،

تقول صديقتي التي فقدت بنات وزوجات أعمامها وعمها "بطّلنا نعرف إذا لازم نحزن على اللُي من استشهدن واستشهدوا، أو نحزن على حالنا، مين عارف شو راح بيصير؟ مين بيعرف متى ييجي له الموت وكيف؟ بصاروخ، طلقة، قذيفة، واحنا في الشارع او في البيت؟ الله أعلم كيف بكرة بدو يكون؟".

تقول لي صديقتي النازحة في الجنوب "الوجع كبير بس ما حدا بيشوف، كل ليلة المخدة بتكون مبلولة بدموع ساخنة، بأصحى من النوم مش قادرة أفتح عيوني اللُي تورًمت من العياط،على حالنا وعلى الذل اللّي بنعيشه" وتُكمل "بس لما ننزل على الشغل ما حدا بيعرف شو فينا، لنحاول نتماسك".

تسمع ابنتي في الأخبار أنّ منطقة قريبة من المنزل الذي أُقيم فيه قُصفت عدّة منازل بها، تتّصل لتطمئن عسى أن نكون بخير. قلت لها أننا ما زلنا سالمات وفعلا نحتاج "الحمدلله على السلامة" بين الخطوة والخطوة، وهذا هو الواقع الذي نعيشه في مدينة غزة بل في كُلّ القطاع تحت وطأة العدوان.

زميلاتنا في العمل اللواتي نزحن إلى الجنوب يواجهن نفس الحيرة على المستوى الشخصي والعائلي، أمًا في العمل فيحاولن استثمار كلّ قدراتهن في تنفيذ الخطط على أكمل وجه في تقديم الخدمات للنساء، رغم التهديد اليومي والقصف المتوقّع لكل الأماكن، والشعور بالقلق في الذهاب والإياب، ويحسبن ألف حساب لأيّ قرارٍ يمكن اتخاذه خشيةً من أيّ تغييرٍ مُفاجئ يمكن أن يحدث فيقلب الأمور رأسًا على عقب.

المهم أنه بالرغم من كُلّ ذلك الألم والقهر والضغوطات النفسية، إلا أننا جميعًا، وبعدما نبوح بشكوانا أو بوجعنا لبعضنا البعض نستدرك مباشرةً، ونستسهل آلامنا، ونخجل ممُا بُحنا به، ونقول، "لا مشكلة، إحنا بنفضفض بس كل شيء تمام. المهم إحنا أحسن من غيرنا، والله يعين الآخرين الذين يتوجّعون ويتألمون عن جد"، وهذا يعني أنه ما يزال لدينا الكثير من الأمل في غد أفضل.

زينب الغنيمي، من مدينة غزّة تحت القصف والحصار

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير