بـعـد سـتـة أشـهـر مـن الـحـرب: "إسـرائـيـل" أمـام مـأزق كـبـيـر

12.04.2024 03:56 PM

كتب: د. ماهر الشريف

على ماذا يعتمد رئيس حكومة الحرب الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، عندما يصرّح خلال اجتماع مجلس وزراء حربه، يوم 7 نيسان/أبريل الجاري، بأن إسرائيل "على بعد خطوة واحدة من النصر، لكن الثمن الذي يجب دفعه مؤلم ومفجع"، ذلك إن المعطيات المتوافرة، بعد ستة أشهر من حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، لا تؤشر إلى "نصر قريب"، بل تؤشر إلى مأزق كبير، يبدو أنه سيتفاقم في الأيام والأسابيع القادمة.

"نصر" على المدنيين وبناهم التحتية ومقومات حياتهم
لعل "النصر" الذي بات على "بعد خطوة واحدة"، والذي يتحدث عنه بنيامين نتنياهو، هو "نصره" على سكان قطاع غزة المدنيين، وعلى بناهم التحتية ومقومات حياتهم، ذلك إنه بعد مرور ستة أشهر على بدء الحرب، أحصت وزارة الصحة في غزة، استشهاد 33175 فلسطينياً وفلسطينية، ما يقرب من نصفهم من الأطفال، كما أحصت ما لا يقل عن 75886 جريحاً، وتضرر ما لا يقل عن 56.6% من المباني في قطاع غزة، حتى 2 نيسان/أبريل الجاري، وفقاً للبيانات التي تم الحصول عليها من خلال تحليل صور الأقمار الصناعية التي أنتجها كوري شير، طالب الدكتوراه في جامعة نيويورك سيتي، وجامون فان دن هوك، أستاذ مشارك في الجغرافيا بجامعة ولاية أوريغون. وقد شوهد أكبر قدر من الدمار في مدينة غزة. إذ لحقت ببنى المدينة التحتية أضرار بنسبة 74.3٪. ، كما لحقت أضرار في شمال القطاع بنسبة 70% من مبانيه. ومع أن رفح هي المحافظة الأقل تأثراً بعمليات القصف الإسرائيلي، إلا أن 33% من بنيتها التحتية الحضرية تعرضت، مع ذلك، لأضرار جراء القصف.

ويظهر تحليل آخر، عبر الأقمار الصناعية، للموارد الزراعية في قطاع غزة ، أجراه هي يين، الأستاذ المساعد في جامعة ولاية كينت، أن ما يقرب من 23 % من الدفيئات الزراعية دمرت بالكامل بسبب الهجوم الإسرائيلي، وتضرر 42 % منها. أما بالنسبة للأراضي الزراعية، فقد تأثرت ما بين 44% و52% من الأراضي بالحرب، وكانت مدينة غزة هي المدينة التي سجل فيها أكبر قدر من الأضرار (بين 58% و80%). وبالإضافة إلى الشهداء والجرحى والعالقين تحت الأنقاض والدمار، فإن صعوبة الوصول إلى المياه والغذاء والكهرباء وحتى الرعاية الطبية، جعلت من القطاع الفلسطيني منطقة غير صالحة للعيش. وحذرت الأمم المتحدة من أن شمال غزة، على وجه الخصوص، معرض بشدة للمجاعة، التي يمكن أن تحدث بحلول شهر أيار/مايو في غياب "تدابير عاجلة"، وأن ما لا يقل عن 50400 طفل دون سن الخامسة يعاني من سوء التغذية الحاد.

المأزق العسكري: فوز بالمعارك، وعدم انتصار في الحرب
لم يكن التفوق التكنولوجي للجيش الإسرائيلي كافياً "لتحييد" حركة "حماس"، التي تعرضت لضربات شديدة ولحقت بها خسائر كبيرة، لكنها واصلت عمليات المقاومة من شبكة واسعة من الأنفاق تحت الأرض، وعاد مقاتلوها للظهور حتى في شمال قطاع غزة، في المناطق التي من المفترض أن الجيش الإسرائيلي قام بـ "تطهيرها" منذ أسابيع طويلة. وبحسب المحللين في صحيفة "لوموند" الباريسية، فإن النهج العسكري الذي اعتمده الجيش الإسرائيلي، والذي "هدف إلى احتلال كل الأراضي على مراحل، وقتل أو اعتقال عناصر حماس، قبل إنشاء بنية سيطرة لمنع عودة الحركة الفلسطينية إلى الظهور"، قد "أظهر محدوديته". من الصحيح أن تفوق الجيش الإسرائيلي قد مكّنه "من تقليص قدرات حماس بصورة كبيرة، لكنه لم يمكّنه من تدميرها، ويرجع ذلك أساساً إلى شبكة الأنفاق التي يستخدمها المقاتلون الفلسطينيون للتنقل والاختباء وتخزين الموارد اللوجستية حتى عمق 50 متراً أو حتى 70 متراً تحت سطح الأرض". وهكذا "ظل قادة حماس، مثلهم مثل غالبية الرهائن الإسرائيليين الـ 134 ، بعيدين عن متناول اليد"، بينما أدّى النهج العسكري المتبع، الذي "لا يضمن تحقيق نصر واضح على المدى القصير"، إلى "مقتل الكثير من المدنيين الفلسطينيين وتدمير الكثير من البنى التحتية".

أما باسكال برونيل، المحلل في صحيفة "ليزيكو" الباريسية أيضاً، فقد لاحظ أن الجيش الإسرائيلي، وعلى الرغم من القصف المدمر والاجتياح البري، لم يحقق "النصر الكامل" الذي يدعيه رئيس الوزراء. من الصحيح أن حركة "حماس" تعرضت لضربات قاسية للغاية، وتمّ تدمير معظم شبكة الأنفاق التي يطلق عليها "مترو غزة" –كما يتابع- لكن الحركة "لم يتم القضاء عليها بعد، بحيث يمكن القول إن إسرائيل "فازت بالمعارك، لكنها لم تنتصر في الحرب".

وقد أعلن الجيش الإسرائيلي، في 7 نيسان/أبريل الجاري، سحب الفرقة 98 من جنوب قطاع غزة، ولا سيما من مدينة خانيونس، وذلك "من أجل الاستعداد لعمليات مستقبلية وفقاً لاحتياجاته الاستراتيجية" وأوضح، في بيان أرسله إلى وكالة الصحافة الفرنسية، أن "قوة كبيرة بقيادة الفرقة 162 ولواء ناحال ستواصل العمل في قطاع غزة لضمان حرية عمل الجيش وقدرته على تنفيذ عمليات دقيقة استناداً إلى معلومات استخبارية"[5]. وبغض النظر عن الأهداف الحقيقية لهذا الانسحاب، والذي رأى فيه بعض المحللين خطوة على طريق الاستعداد للهجوم البري على مدينة رفح، فإن من الواضح أن الفرقة 98 لم تتمكن، بعد نحو أربعة أشهر من القتال في محافظة خانيونس، من تحقيق هدفها الرامي إلى القضاء على جميع خلايا مقاتلي حركة "حماس" الذين ألحقوا بوحداتها، عشية انسحابها، ضربتين موجعتين تسببتا في مقتل 14 جندياً وضابطاً في "الزنة" و"حي الأمل".

المأزق السياسي: غياب تصوّر واضح لمستقبل قطاع غزة
بعد ستة أشهر من الحرب، ما زالت تسود حالة عدم اليقين في أوساط حكومة بنيامين نتنياهو إزاء مستقبل قطاع غزة فيما يسمونه بـ "اليوم التالي للحرب"، ذلك إن وزيرَي الصهيونية الدينية، بتسلئيل سموتريتش وأيتمار بن غفير، ومعهما عدد من وزراء حزب الليكود، يطمحون إلى استمرار احتلال القطاع وإعادة بناء المستوطنات التي جرى تفكيكها فيه في سنة 2005، وهم يهددون بالاستقالة من الحكومة وفرط الائتلاف الحاكم في حال قرر بنيامين نتنياهو وقف الحرب نتيجة الضغوط الدولية الممارسة عليه. أما هذا الأخير، فقد قدم، في 22 شباط/فبراير 2024، إلى وزراء حكومته الأمنية وثيقة من صفحتين، تتضمن تصوّره لمستقبل قطاع غزة بعد نهاية هذه الحرب، وتنص على أن إسرائيل ستقيم منطقة أمنية عازلة على الجانب الفلسطيني من الحدود مع قطاع غزة، وستفرض إغلاقاً على الحدود مع مصر، وسترفض عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم قطاع غزة، وتقترح أن يتولى مسؤولية إدارة الشؤون المدنية في القطاع "ممثلون محليون " لا ينتمون "إلى دول أو جماعات إرهابية ولا يحصلون على دعم مالي منها"، وأنها لن تسمح بإعادة إعمار قطاع غزة "إلا بعد تجريده من السلاح وبدء عملية نزع التطرف فيه"، كما تدعو الوثيقة إلى "إغلاق وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا) واستبدالها بمنظمات إنسانية دولية أخرى"، وترفض بصورة قاطعة أي إملاءات دولية بشأن التسوية الدائمة مع الفلسطينيين وستواصل معارضتها الاعتراف الأحادي بالدولة الفلسطينية، والذي تعتبره "مكافأة للإرهاب".

ويبدو أن حكومة الحرب الإسرائيلية حاولت فعلاً جس نبض ممثلي بعض القوى المحلية في قطاع غزة بخصوص إمكانية تسلمها إدارة الشؤون المدنية في القطاع والمساهمة في الإشراف على عمليات إعادة الإعمار بعد نهاية الحرب، لكن محاولتها تلك باءت بالفشل. من جهة أخرى، فإن التصوّر الذي انطوت عليه الوثيقة التي قدمها بنيامين نتنياهو، لا يتماشى مع الرؤية التي تروج لها الولايات المتحدة والشركاء الدوليون الآخرون، والتي تقوم على عودة السلطة الفلسطينية المعترف بها دولياً، بعد "تجديدها"، إلى حكم قطاع غزة، ثم تكثيف المساعي الرامية إلى التوصل إلى "حل الدولتين"، وذلك في إطار ترتيبات إقليمية أوسع، تشمل تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل.

ويرى العديد من المحللين أنه مهما كانت طبيعة النجاحات العسكرية التي تحققها إسرائيل في قطاع غزة، فإن هذه النجاحات لن توظّف عملياً من دون رؤية سياسية واضحة لمستقبل القطاع، تكون متجاوبة مع رؤية الحليف الأميركي، ذلك إن "التهديد الحقيقي" لحركة "حماس" لا يتمثّل "في الدبابات أو الطائرات الحربية الإسرائيلية"، وإنما يتمثّل في "بديل قابل للحياة في فترة ما بعد الحرب"، كما قدّر عوفر شيلح، النائب السابق عن حزب "يوجد مستقبل"، الذي يعمل الآن باحثاً في المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي.

المأزق الداخلي: العجز عن تحرير المحتجزين الإسرائيليين بالقوة
اعتقدت حكومة الحرب الإسرائيلية أن الضغط العسكري وحده هو الذي سيرغم حركة "حماس" على إطلاق سراح المحتجزين الإسرائيليين لديها، ولدى الفصائل الفلسطينية الأخرى. بيد أن القوات الإسرائيلية لم تفلح، على الرغم من هذا الضغط، في تحرير هؤلاء المحتجزين، بل كان اتفاق الهدنة، التي استمرت أسبوعاً في أواخر شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2023، هو الذي سمح بإطلاق سراح 80 محتجزاً إسرائيلياً من النساء والأطفال، ونحو ثلاثين أجنبياً أو مزدوجي الجنسية، وذلك في مقابل تحرير 240 أسيراً فلسطينياً من السجون الإسرائيلية من النساء والقاصرين أيضاً. ومع الوقت، صار هذا العجز يؤجج التوترات الداخلية في إسرائيل، ويدفع عائلات المحتجزين إلى زيادة ضغطها على حكومتها، واتهام رئيسها بأنه لا يمنح الأولوية في أجندته لإطلاق سراح المحتجزين. وصار هذا الضغط يتخذ، منذ شهر آذار/مارس الفائت، شكل تظاهرات صاخبة ينظمها المتظاهرون المحتجون وعائلات الرهائن أمام المقر الرسمي لرئيس الوزراء، وكذلك أمام مقر إقامته الخاص، كان آخرها تلك التظاهرة الضخمة مساء السادس من هذا الشهر في تل أبيب، بمشاركة نحو 100000 شخص، طالبوا بالعمل الفوري على التوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح المحتجزين، وحملوا لافتات كًتب عليها: "الوقت يداهمنا"، "عودة الرهائن على قيد الحياة، وليس في توابيت"، كما دعوا إلى رحيل بنيامين نتنياهو وحكومته وإجراء انتخابات تشريعية فورية.

وإزاء هذا الضغط الشعبي، المترافق مع ضغط أميركي، وافق بنيامين نتنياهو على استئناف المفاوضات غير المباشرة للتوصل إلى اتفاق هدنة جديد، وأوفد وفداً رفيع المستوي يوم السابع من الشهر الجاري إلى القاهرة لهذا الغرض، وذلك بعد أن كان قد صرّح أمام مجلس وزراء الحرب: "لن يكون هناك وقف لإطلاق النار دون عودة الرهائن، لن يحدث ذلك". بينما أكدت حركة "حماس"، لدى مغادرة وفدها إلى القاهرة، أنها لن تتنازل عن مطالبها بالهدنة، بما في ذلك "وقف كامل لإطلاق النار"، و"انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة"، و"عودة النازحين" إلى مناطق الشمال، واتفاق""جاد" لتبادل المحتجزين الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية[8]. كما جرت مظاهرات في عشرات المواقع الأخرى، ودعا زعيم المعارضة يائير لبيد، في خطابه خلال مظاهرة في كفار سابا، شمال شرق تل أبيب، إلى إجراء انتخابات تشريعية جديدة، وقال قبل أن يتوجه إلى واشنطن للقاء كبار المسؤولين الأميركيين إن الحكام الحاليين "لم يتعلموا شيئاً، لم يتغيروا؛ وطالما أننا لا نطردهم، فلن يسمحوا لهذا البلد بالمضي قدما".

المأزق الدبلوماسي: عزلة دولية ودعوى قضائية
أدّت المأساة الإنسانية في قطاع غزة إلى تآكل الدعم الدولي لإسرائيل بصورة تدريجية، بحيث وجدت إسرائيل نفسها، بعد ستة أشهر من الحرب، في عزلة دولية لا سابق لها، وبدا وكأن المجتمع الدولي قد تخلى عنها، وأصبحت موضوع دعوى قضائية أمام محكمة العدل الدولية تلزمها بمنع أعمال الإبادة الجماعية، ودعوة من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى فرض حظر على الأسلحة المرسلة إليها. أما الحليف، أو الشريك، الأميركي، فقد نفد صبره من رئيس وزرائها وسمح، بامتناعه عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، في 25 آذار/مارس الفائت، بتمرير قرار يطالب بوقف إطلاق النار في غزة خلال شهر رمضان. وبعد بروز خطر حقيقي لحدوث مجاعة، اضطرت الولايات المتحدة الأميركية لرفع صوتها لحمل تل أبيب على الموافقة على السماح بدخول مساعدات إنسانية أكثر بكثير مما كانت عليه حتى الآن. ويبدو أن مضمون المكالمة الهاتفية المتبادلة بين جو بايدن وبنيامين نتنياهو، يوم الخميس 4 نيسان/أبريل، في أعقاب مقتل سبعة من عمال الإغاثة من منظمة "المطبخ المركزي العالمي" غير الحكومية على يد القوات الإسرائيلية، هو ما دفع الحكومة الإسرائيلية إلى الإعلان، في اليوم التالي، عن أنها ستعمل على تسهيل إيصال المساعدات الإنسانية عبر ميناء أشدود، على بعد 40 كيلومتراً شمال غزة وعلى معبر إيريز، بالإضافة إلى تسهيل عبور المساعدات عبر معبر كرم أبو سالم الحدودي في جنوب القطاع.

مخاطر اتساع نطاق المواجهة العسكرية
تزايدت المخاوف، بعد ستة أشهر من الحرب، من التصعيد الإقليمي واتساع نطاق المواجهة العسكرية، في ظل عجز إسرائيل عن وقف الهجمات اليومية التي يشنها حزب الله على جبهتها الشمالية، الأمر الذي يترك مصير عشرات الآلاف من المدنيين الإسرائيليين الذين نزحوا من مناطق القتال معلقاً، وفي ظل تهديد إيران بالرد على المغامرة غير المحسوبة التي أقدمت عليها إسرائيل، في 1 نيسان/أبريل الجاري، عندما قصفت طائراتها القتصلية الإيرانية في مدينة دمشق، والتي تُعتبر أرضاً خاضعة للسيادة الإيرانية، ما أسفر عن مقتل سبعة من قادة الحرس الثوري الإيراني. إذ أكد الجنرال محمد باقري، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، أن "العملية (الانتقامية) ستنفذ في الوقت المناسب، بالدقة والتخطيط اللازمين، وبأقصى قدر من الضرر للعدو حتى يندم على فعلته"، وأضاف: "نحن نحدد توقيت العملية ونوع العملية وخطة العملية". ومن المحتمل أن تكون حكومة بنيامين نتنياهو قد أرادت، بمغامرتها هذه، توريط الولايات المتحدة الأميركية في الحرب، وخصوصاً في حال قيام إيران بتوجيه ضربة قوية للمصالح الإسرائيلية أو الأميركية، علماً بأن إدارة الرئيس جو بايدن كانت قد أعلنت مراراً أنها لا تسعى إلى الدخول في صراع عسكري مفتوح مع إيران.

خاتمة: مصير بنيامين نتنياهو يرتبط باستمرار الحرب
ألحقت الحرب الإسرائيلية، المستمرة منذ ستة أشهر، نكبة حقيقية بقطاع غزة وبناه التحتية، وجعلت سكانه الفلسطينيين يعانون معاناة قاسية قد يحتاجون إلى سنوات عديدة للتعافي منها؛ وهذه حقيقة لا يمكن نكرانها. ولكن، في المقابل، وضعت هذه الحرب إسرائيل أمام مأزق كبير، إذ هي تجد نفسها الآن في وضع مختلف تماماً عما كانت عليه في السادس من تشرين الأول/أكتوبر 2023: فهي عالقة في غزة، منقسمة على المستوى الداخلي، معزولة على المستوى الدولي، وعلى خلاف متزايد مع حليفها الأميركي، وأمام خطر اندلاع حرب إقليمية. أما "النصر الكامل" الذي وعد به بنيامين نتنياهو، عند بدء هذه الحرب، فهو لا يزال بعيد المنال.

لقد ربط بنيامين نتنياهو مصيره السياسي، وحتى الشخصي، باستمرار الحرب الجارية، ذلك إنه إذا جرت انتخابات للكنيست اليوم، فمن المحتمل جداً أن يخسرها، كما أن "سيف ديموقليس" القضائي مسلط على رأسه بتهم الفساد العديدة الموجهة إليه. ومع أنه قد يسهّل التوصل، خلال المفاوضات غير المباشرة الدائرة حالياً في القاهرة، إلى اتفاق هدنة جديد، إلا أن هاجسه الوحيد وهو البقاء في السلطة، وتهديد حلفائه في اليمين القومي الديني بالانسحاب من الحكومة وفرط الائتلاف الحاكم في حال إقدامه على وقف الحرب، سيمنعانه من أن يلتزم بوقف دائم لإطلاق النار وسحب جميع القوات الإسرائيلية من قطاع غزة.

* باحث ومؤرخ - مؤسسة الدراسات الفلسطينية - بيروت.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير