د. عقل أبو قرع يكتب لوطن: الحد من كارثة بيئية في قطاع غزه...أولوية وطنية

12.04.2024 01:33 PM

يتألم ويحزن من يشاهد صور الدمار الهائل وما نتج عنه من انتشار الركام والنفايات و تراكم مياه الصرف الصحي وما تحويه من كل انواع النفايات الكيميائية والبيولوجية في شوارع وازقة مدن ومخيمات قطاع غزة، ومن مناظر الدمار بأنواعه ممكن ان نتوقع حجم الكارثة الصحية والبيئية التي سوف تحدث في القطاع، سواء على شكل انتشار الامراض المعدية، او على شكل تلوث المياه والغذاء والهواء والتربة، اذا لم يتم التدخل العاجل وبالاخص من قبل الحكومة الجديدة ومن الهيئات والمنظمات الدولية العاملة في هذا المجال، وهذه الكارثة البيئية والصحية المتوقعة سوف تضيف الى مأسي العدوان المتواصل على القطاع، من ضحايا ودمار وتحطيم للبنية التحتية في مختلف أنحاء القطاع.

وحسب التقارير المختلفة، فأنه قد تم القاء حوالي مئات الالاف من اطنان المتفجرات حتى اليوم، اي بعد 189 يوما من الحرب على قطاع غزة، ومن كل انواع المواد المدمرة، ومن القاء القنابل والصواريخ مع ما تحويه من مواد كيميائيه قديمه وجديده ومن كل الانواع ، التي تكون او ستكون قد وجدت طريقها الى الارض والجو والمياه والطعام والبشر في منطقة جغرافية تبلغ حوالي ال 365 كيلومترا مربعا، وتعتبر الأكثر كثافة في العالم، وما لذلك من تدمير شامل للنظام البيئي في قطاع غزة.

ومن المعروف أن الاوضاع البيئيه في قطاع غزه وما يرتبط بها من تداعيات صحية على شكل أمراض ووفيات، هي أوضاع قاتمه قبل هذا العدوان الاخير، سواء من حيث تلوث مصادر المياه وأكثر من 90% منها هي مياه جوفية، والهواء والتربه والمياه العادمه واستخدام المبيدات في الزراعه المكثفه أو من خلال الكثافة البشرية الهائلة التي تتواجد في حيز جغرافي ضيق، والتي من الصعب أيجاد مثلها في العالم.

ومعروف كذلك ان المصادر الطبيعية الفلسطينية في قطاع غزة، من مياة وتربة وارض او حيز هي محدودة، وبأن هذه المصادر، وبالاخص في قطاع غزة هي ليست بالحال الافضل، سواء اكانت المياة الجوفية، او التربة، او تلوث مياة البحر، او الحيز الجغرافي من حيث انتشار النفايات الصلبة والمياة العادمة، وانتشار السيارات القديمة، وبالتالي امكانية تلوث الهواء، وكذلك ضعف او غياب القوانين البيئية الملزمة وضعف التوعية البيئية الكفيلة لايلاء البيئة في غزة الاهتمام الكافي.

ومن ضمن التأثيرات البيئية المتوقعة وبعيدة المدى للعدوان الحالي على قطاع غزة، هو احتمالات تلوث المياه التي تم قطعها أو منعها عن غزة، ومعروف ان اكثر من 95% من المياه في بلادنا هي مياة جوفية، وقبل العدوان الحالي، اشارت تقارير الى ان اكثر من 90% من المياه في قطاع غزة هي مياه ملوثة، ولا تصلح للاستخدام البشري حسب المعايير الدولية،.

وتتلوث المياة في غزة بالمواد الكيمائية، سواء الناتجة من المياة العادمة، او من المبيدات والاسمدة الكيميائية، او من مشتقات البلاستيك والمواد الصناعية الاخرى، ومن ثم تتسرب من خلال التربة الرملية الى مصادر المياة الجوفية ، وبعد هذه الحرب يمكن تصور الكميات االكيميائية الاضافية الهائلة التي تم وسوف يتم القاؤها

الى التربة في كافة مناطق قطاع غزة، وبالتالي احتمالات وصولها الى مصادر المياه، وزيادة الوضع سوء بالمقارنة ما كان عليه قبل الحرب.

وشاهدنا من خلال الصور التي يتم بثها وبشكل مباشر، سحب الدخان الهائلة بما ما تحوية من مواد كيميائيه سامه، والتي كانت تتصاعد الى الهواء، ومن ثم احتمال تلويثه، وبالاضافة الى ذلك فأن معظم بقايا المواد التي تم القائها على قطاع غزة تبقى في التربة او على الارض، وبالتالي تزيد من معضلة النفايات الصلبة وفي هذه الحالة النفايات الصلبة الكيميائية الخطيرة، وكذلك ومن خلال تراكمها في التربة تحد وبالتدريج من خصوبة هذه التربة وبالتالي تحد من قدرتها على انتاج الطعام او الزراعة فيها، ومن المحتمل كذلك ان تصل هذه المواد الكيميائة بشكل مباشر او غير مباشر الى الغذاء الذي سوف يتم استهلاكة من الناس وما الى ذلك من اثار صحية، وبالاخص اثار صحية بعيدة المدى تظهر على شكل امراض غير سارية أو مزمنة.

وبالاضافة الى الكارثة الصحية التي بدات اثارها تظهر بشكل سريع على شكل انتشار الامراض المعدية، فأن التلوث البيئي سوف يكون له تداعيات صحية بعيدة المدى على شكل تصاعد الامراض المزمنة، مع العلم انه قبل العدوان الحالي، وحسب التقارير السنوية الدورية لوزارة الصحة الفلسطينية، فأن امراض السرطان على سبيل المثال تشكل السبب الثاني للوفاة في فلسطين، حيث من الواضح ان هناك عوامل بيئية خارجية تدخل على النظام البيئي الفلسطيني، يمكن انها تساهم في هذا الازدياد، سواء اكانت هذه العوامل ملوثات كيميائية او غيرها من التي تم القاؤها عل قطاع غزة

ومع البدء في تقييم الخسائر والاثار، فأن التقييم البيئي والصحي أو التداعيات البيئية والصحية للعدوان يحجب عدم اهمالها أو الاستهتار بها، مع العلم ان الوضع البيئي في قطاع غزة قبل بدء الحرب الاخيرة، كان من السهولة وصفه بالوضع الكارثي او المتردي أو غير الصالح للحياة، وبالتالي يمكن تصور التداعيات البيئية والصحية القاتمة بعد وصول ملايين الكيلوغرامات من المواد الكيميائية الى النظام البيئي في قطاع غزة خلال هذا العدوان، ولذا فان المطلوب التدخل العاجل للتعامل مع بوادر كارثة بيئية وصحية في قطاع غزة واعتبار ذلك من الاولويات الوطنية، سواء اكان ذلك من قبل الجهات الرسمية من وزارات مختلفة وعلى رأسها سلطة جودة البيئة او من قبل المنظمات المحلية والدولية العاملة في مجال البيئة، وبالتحديد تقييم الاثار البيئية والصحية بعيدة المدى المتوقعة والتي سوف تكون نتائجها كارثية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير