سند ساحلية يكتب لوطن.. يوم الأرض في فلسطين: صَرْخَة الحجارة الْحيَّة

30.03.2024 12:15 AM

في قلب المسيحية، تتألق فلسطين كجوهرة خالدة، مهدًا مقدسًا ليسوع المسيح وموطنه، وأرضًا مباركة شهدت نشأة الإيمان المسيحي. فالقدس وبيت لحم والناصرة والجليل، مدن فلسطينية تنبض بالقداسة، تجسد الإيمان للمسيحيين في كل أرجاء المعمورة.

فوق هذه الأرض المقدسة، التي تروي قصص الإيمان والتضحيات العظيمة، يبرز يوم الأرض كدليل على العزم الثابت والتاريخ العريق لشعب فلسطين. في هذا اليوم، تتجدد الروابط العميقة بين أبناء هذه الأرض، في كل مكان، مسيحيين كانوا أو مسلمين، مما يعكس جهودهم المستمرة للدفاع عن حقوقهم والحفاظ على إرثهم الثري. هذا اليوم يجسد الروح الجامعة والعلاقات المتينة التي تربط بين أبناء هذا الشعب، مؤكِّدًا أن كفاحهم يَعْبُرُ الحدود الدينية ليصل إلى قلب الإنسانية والسعي المستمر نحو العدالة.

منذ تأسست الكنيسة المسيحية الأولى في القدس حوالي عام 34 ميلادية، واختير القديس يعقوب البار أسقفًا لها من قبل المسيحيين الأوائل، كان للمسيحيين الفلسطينيين دورًا محوريًا في بناء مجتمعاتهم، متأصلين بعمق فيها. وعندما غمرت غيوم الاحتلال سماء فلسطين، توحد المسيحيون مع أبناء شعبهم في الوطن، متسلحين بالإيمان والعزيمة. لم يكن كفاحهم مقتصرًا على مقاومة الظلم فحسب، بل كان أيضًا صرخة في وجه النسيان، حاملين شعلة إرثهم الروحي الذي يضيء درب الكنيسة الأولى.

عبر الحقب والأزمان، كان للمسيحيين في الشرق دور محوري في رسم ملامح المجتمعات التي عاشوا فيها. منذ زمن نبي الاسلام محمد، ومرورًا بالعصور المتعاقبة، أَثْروا الحياة الثقافية والاجتماعية والعلمية بإسهاماتهم القيمة والمتنوعة، والتي لا تزال آثارها ملموسة حتى يومنا هذا.

منذ البدايات، شهدت العلاقة بين المسيحيين والمسلمين تفاعلات مهمة. الحوارات بينهم كانت نقطة انطلاق لعلاقات تفاعلية غنية بالأحداث. في الواقع، بدأت هذه الحوارات في الإسلام منذ عهد النبي، حيث أجريت ثلاثة حوارات بارزة خلال تلك الفترة.

الحوار الأول جرى تحت إشراف النجاشي، الذي كان ملكًا مسيحيًا للحبشة. في هذا الحوار، كان جعفر بن أبي طالب يمثل المسلمين، بينما كان عمرو بن العاص وعبد الله بن أبي ربيعة يمثلان قريش.

الحوار الثاني جرى في إيلياء (بيت المقدس) بعد أن حقق هرقل النصر على الفرس. كان هرقل يدير الحوار بمساعدة ترجمانه وقساوسته، وكان دحية الكلبي، الذي كان يحمل رسالة من النبي، يتحدث عن الإسلام. انتهى الحوار بقبول هرقل لمضمون الرسالة.

الحوار الثالث جرى في المدينة المنورة، حيث حضر وفد من مسيحيي نجران بقيادة الأسقف أبو الحارث بن علقمة، وكان الوفد يتألف من أربعين شخصًا. أقام الوفد في مسجد النبي كضيوف، وتضمن الحوار تنظيم أسلوب العيش السلمي بين المسلمين والمسيحيين.

وعلى مر العصور، أسهم المسيحيون بشكل بارز في تنمية الحضارة الإسلامية الناشئة، وخاصة خلال العصور الذهبية للخلافة الإسلامية. قدموا إسهامات ثمينة في مجالات متعددة مثل العلوم والفلسفة والطب، وقاموا بعملية ترجمة النصوص اليونانية والسريانية إلى اللغة العربية.

بالإضافة إلى ذلك، ساهم المسيحيون في التعليم، حيث قدموا تعلم اليونانية إلى المسلمين. كما كان لهم تأثير على العمارة والفن الإسلامي. اعتمدت الدولة الإسلامية على المسيحيين في إدارة الدولة ودواوينها. وساهم مسيحيو الشرق في الحضارة العربية الإسلامية خلال الفترة الأموية والعباسية من خلال ترجمة أعمال الفلاسفة اليونانيين إلى اللغة السريانية وبعد ذلك إلى اللغة العربية. وفي عصر النهضة العربية الحديثة، اضطلع المفكرون والأدباء المسيحيين بدور متميز في الثقافة العربية الإسلامية.

خلال العصور الوسطى، تصدى المسيحيون في الشرق لموجات من التحديات، سواء كانت انقسامات داخلية أو ضغوط خارجية، متمسكين بعناد بتقاليدهم العريقة وموروثهم الثقافي. في ذلك الوقت، شهدت الكنائس الشرقية نهضة فكرية، وتحولت إلى محاضن للعلم والمعرفة، مضيئة مصابيح الفكر في زمن كانت الظلمات تحيط بالعالم.

في العصر الحديث، شهدت الطوائف المسيحية في المشرق تحولات اقتصادية واجتماعية متسارعة، وكان لهم دور في النهضة العربية والحركات الثقافية والأدبية. ومع ذلك، واجه المسيحيون في الشرق تحديات جديدة، بما في ذلك الهجرة والتغيرات الديموغرافية، ولكنهم لا يزالون يساهمون بشكل فعال في المجتمعات التي يعيشون فيها.

في الوقت الحالي، يواجه المسيحيون الفلسطينيون تحديات عديدة. من بين هذه التحديات، تُشكل قضية الهجرة والتغيرات الديموغرافية من أبرز القضايا التي تؤثر على المجتمع المسيحي في فلسطين، والشرق بشكل عام. العديد من المسيحيين الفلسطينيين قد اختاروا الهجرة بحثًا عن فرص أفضل للحياة، وهو ما أدى إلى تغيرات ديموغرافية كبيرة في المجتمع المسيحي. هذه الهجرة، التي تتضمن الشباب بشكل خاص، تهدد بإضعاف الوجود المسيحي في فلسطين، وهو ما يتطلب حلولًا عاجلة للحد من هذه الظاهرة.

بالإضافة إلى ذلك، يواجه المسيحيون الفلسطينيون تحديات أخرى تتعلق بالحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية. يعاني العديد من المسيحيين من التمييز والحرمان من فرص العمل، بالإضافة إلى القيود على حرية العبادة في بعض الأحيان. تعتبر هذه التحديات جزءًا من الصراع الأوسع الذي يعيشه الشعب الفلسطيني.

رغم هذه التحديات، يستمر المسيحيون الفلسطينيون في العمل من أجل الحفاظ على هويتهم وثقافتهم وإيمانهم. يواصلون الكفاح من أجل حقوقهم ومستقبل أفضل، معتمدين على قوة إيمانهم وتماسك مجتمعهم. إنهم يعيشون قصة من العزم والصمود، قصة تستحق أن تروى.

إن تاريخ المسيحيين في الشرق هو شهادة على قدرتهم على التكيف والمساهمة في مجتمعاتهم، حتى في أصعب الظروف. ويظل دورهم في الحفاظ على التراث الثقافي والديني جزءًا لا يتجزأ من تاريخ المنطقة وهويتها.

يذكر أن الفلسطينيين يحيون ذكرى يوم الأرض في فلسطين في الثلاثين من مارس كل عام، وذلك لإحياء ذكرى الأحداث التي حدثت في الثلاثين من مارس عام 1976. في ذلك اليوم، قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلية بمصادرة آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين. يعتبر هذا اليوم رمزًا للمقاومة والتمسك بالأرض والهوية الوطنية. خرج الفلسطينيون في مظاهرات واسعة من الجليل إلى النقب، وأسفرت المواجهات عن استشهاد ستة فلسطينيين وإصابة واعتقال المئات. يُعد يوم الأرض حدثًا محوريًا في الصراع على الأرض وفي تاريخ الفلسطينيين، ويُظهر التزامهم المستمر بالدفاع عن حقوقهم وأراضيهم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير