د. عقل أبو قرع يكتب لوطن .. مكافحة الفساد...تحديات كبيرة

29.03.2024 11:58 AM

 بين الفينة والاخرى، تتصاعد النداءات والدعوات لمكافحة الفساد وبأنواعه، ومع الإعلان عن تشكيل الحكومة الجديدة، وسواء أكان في بيان التشكيل أو التكليف، هناك بنود مهمة للإصلاح و بأنواعه ولأهمية المساءلة والشفافية ومكافحة الفساد، وبالطبع هذه ليست المرة الاولى التي تتعهد بها حكومة جديدة أو خطة جديدة لحكومة ما بمكافحة الفساد، ورغم ان العنوان متفق على أهمية عند كافة الأطياف  وفي كافة الظروف، الا انه حتى الان لا توجد عناوين محددة واضحة ومفصلة ومدعومة بخطوات عملية من أجل القيام بمكافحة الفساد، ودعنا ننتظر ونأمل ان يتم الاعلان عن هذه التفاصيل وعن الخطوات وعن الكيفية التي سوف تقوم بها الحكومة الجديدة لمكافحة الفساد خلال الفترة القادمة.


وحول أهمية مكافحة الفساد، فيجب فهم ماهية الفساد وانواعه، حيث ان الفساد متنوع ومتشعب ومتراكم، وحسب تعريف الامم المتحدة، فان الفساد هو ظاهرة اجتماعية وسياسية واقتصادية، معقدة تؤثر على جميع البلدان، حيث يقوض الفساد المؤسسات الديمقراطية، ويبطئ التنمية الاقتصادية، ويسهم في الاضطراب الحكومي، ويؤدي إلى انتشار الواسطة والمحسوبية على حساب الكفاءة والمهنية، وفي المحصلة يراكم الجهل والتخلف ويمنع تطبيق القوانين ومنح الحقوق وبالأخص فئات هشة أو ضعيفه أو من منظور النوع الاجتماعي.

وفي بلادنا، بينت دراسة نشرت قبل فترة، ان الواسطة والمحسوبية هما من اكثر انواع الفساد تفشيا في مجتمعنا الفلسطيني، وبالأخص في القطاع العام، او حتى في قطاع المجتمع المدني والأهلي والمؤسسات غير الحكومية، وللعمل على مكافحة هذه الظاهرة،  فأن ذلك يتطلب وقتا وعملا وجهدا والاهم، العمل على ترسيخ ثقافة الاقتداء بمن يملك المنصب الاعلى والمسؤولية الأكبر والقدرة الاقوى، ويتطلب بث الوعي، ويتطلب تطبيق القانون على الجميع، وفي العلن، وبالنزاهة والشفافية، وبالتالي توفير الفرص للكفاءات لكي تنافس وتعمل وتتقدم بعيدا عن المحسوبية والواسطة.
ولكي تنجح عملية مكافحة الفساد، فأنها يجب ان تركز على الانسان الفلسطيني وبالأخص الشباب، وتنبع أهمية توعية وتدريب وتثقيف وبناء الشباب الفلسطيني في مجال مكافحة الفساد، وبالإضافة إلى النسبة الهائلة منهم في بلادنا، الى الأوضاع الخاصة التي نمر بها، من أزمات وصعوبات اقتصادية، ومن عدم وضوح الطريق او المسارات السياسية، ومن الازدياد المتواصل في اعداد العاطلين عن العمل وبالأخص الشباب والخريجين منهم، وفي ازدياد نسبة الفقر والعنف المبني على النوع الاجتماعي، وفي تصاعد التآكل في شبه العلاقات الاجتماعية، وبالتالي فأن بناء جيل من الشباب من خلال ترسيخ مفهوم مكافحة الفساد بأنواعه وبالأخص ممارسات الواسطة والمحسوبية، سوف يؤدي ولو على المدى المتوسط او البعيد إلى تحقيق ما يتطلع له الشباب والمجتمع من بناء مجتمع على أسس النزاهة ووضع الكفاءة المناسبة في الموقع المناسب.
والاستثمار المستدام في مجال مكافحة الفساد يعني اتباع الأساليب الصحيحة لذلك، من الناحية النظرية ومن خلال الممارسة العملية، وسواء أكان ذلك من قبل الجهات الرسمية الفاعلة في مجال مكافحة الفساد في بلادنا، او من قبل الهيئات الاهلية التي تعمل في مجال مكافحة الفساد، وهذا يعني التوعية والتثقيف والتدريب وبأسلوب واضح وبسيط يظهر الايجابيات لمكافحة الفساد، بدأ من التجمعات المحلية والمدارس والجامعات والأطر المختلفة، وهذا يعني تبيان سلبيات الفساد وتداعياته والمعاناة التي يسببها وبالأخص للشباب.
وترسيخ مفهوم مكافحة الفساد يعني ازدياد الوعي بضرورة الابلاغ عن الفساد سواء أكان من قبل الافراد او من الهيئات، وعلى الافراد او على المؤسسات، وان تم ذلك، فأن هذا يعني ان المواطن، الذي في اعتقادي هو حجر الزاوية في هذه العملية، المطلوب توفير الحماية المعنوية والمادية له، والمطلوب ارساء ثقافة اهمية العمل في الابلاغ عن الفساد كثقافة راسخة في مجتمع مثل مجتمعنا، الذي بأغلبيته الشابة، هو الأساس للوصول الى ما نطمح له من رؤيا، من بناء مجتمع فلسطيني خال من الفساد.
وبالإضافة الى العمل على ازالة الخوف عند الناس للإبلاغ عن الفساد، فالعمل مطلوب كذلك من اجل تطبيق القانون وبسرعة، والابتعاد ولو تدريجيا عن الواسطة التي ما زالت تستشري في أجسادنا ونمارسها في حياتنا، وهذا يتطلب زيادة التواصل مع المواطن الفلسطيني الذي هو الأساس لنجاح مستدام لعملية مكافحة الفساد،  وبدون شك ان الفساد متنوع وسوف يبقى، وهو من اهم معيقات التقدم والتنمية، وبدون شك ان الاستثمار في العدد الهائل من الشباب في مجال مكافحة الفساد في بلادنا، سواء من حيث بث الوعي او من خلال الإجراءات على الارض، سوف يؤتي ثماره عاجلا أو آجلا.
  ولكي تنجح الحكومة الجديدة أو اية خطة وطنية فلسطينية لمكافحة الفساد بشكل مستدام، فأنها تحتاج الى اقحام المواطن وبالأخص الجيل الشاب في تطبيقها،  وان تعتمد على ثقافة المتابعة والرقابة والشفافية والوضوح، وبأن تتم في إطار الاستدامة، اي لا تنهار او تنتهي نتائج الخطة في مجال مكافحة الفساد مع انتهاء الفترة الزمنية للخطة، وبأن يكون هناك تركيز على الاستثمار المستدام في البشر بشكل عام والشباب بشكل محدد، وما لذلك من تواصل في اثار هذا الاستثمار، وفي مختلف الأصعدة في مجال مكافحة الفساد، وبأنواعه، من الفساد الاداري، والفساد المالي، مرورا بفساد الاغذية والادوية، الى الفساد المتعلق بتلويث البيئة من مياه وهواء واراضي واستخدام مبيدات خطيرة  وما الى ذلك، من آفات الفساد ما زالت تنخر في أجسادنا.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير