زينب الغنيمي تكتب لوطن من غزة: محاولات للتكيُف للبقاء أحياء، وكي ننتصر على الجوع والقهر

10.03.2024 10:09 AM

اليوم الثاني والخمسون بعد المائة لحرب الإبادة على غزة، 6 مارس 2024

اليوم كان موعد تجهيز القليل من أرغفة الخبز من أجل وجبة الغداء لكُلّ المقيمين في المنزل، فبعد أن حصلنا على القليل من الطحين، قرّرنا أن نُجهّز الخبز مرتين أسبوعيًا وذلك من أجل الحفاظ على حياة الموجودين من جهة وكي لا يُداهمنا الجوع من جهة، خُصوصًا في ظلّ اختفاء الأرز من السوق، لأنّ ما تبقّى لدينا منه هو القليل الذي نُضيفه للجزر، أو السلق أو الخُبّيزة إن وُجدا، كي يُصبح الطبيخ سميكًا قليلا ولا يحتاج للخبز بل نأكله بالملعقة.

ومن الناحية الفعلية، فقد شحّت هذه الخضروات من السوق لكون السلق والخبيزة والحماصيص من خضار موسم الشتاء الآخذ بالأفول. أمّا الجزر، فللأسف يقوم بعض التجار بشرائه بكمياتٍ كبيرة كما فعلوا بالأرز سابقًا من أجل رفع سعره لاحقُا، وبالنسبة لبعض الخضار الأخرى مثل البصل والبطاطا، فهي تُباع بسعرٍ مرتفعٍ جدًا ما يجعل شراءها صعبًا علينا، لذلك نلجأ لشراء الثوم المجفف والبصل المجفف في أكثر الأوقات.

ها نحن نضطر للتكيُف مع هذا الواقع في الكثير من القضايا، وذلك بالرغم من الوعود التي نسمعها حول احتمالات تشغيل المخابز في مدينة غزة وشمالها في بداية شهر رمضان، واحتمال دخول الوقود مع بداية رمضان، واحتمال توفير الأرز والمساعدات أيضًا مع بداية رمضان، إلُا أنّ كلّ ذلك الكلام يبقى وعودًا وربما لن تتحقق مثل الكثير مما سبق ووُعِدنا به ولم نرى غير الفشل وخيبة الأمل.

فقد سبق ووعِدنا بتوزيع الطحين أو الأرز وغيرها على الناس وفق المناطق، ووفق كشوفات أسماء الأشخاص والعائلات التي قيل أنّها تم جُهّزت لهذا الغرض، لكن لم يأت منها شيء. أمّا الادعاء بتشغيل المخابز، فقد سبق وسمعنا بأن ذلك سيحدث مع بداية شهر مارس، وها هو فبراير انتهى، وها نحن في نهاية الأسبوع الأول من مارس ولم نر أيّ وعدٍ تحقق، وأعتقد أنّ من يريد إنقاذ الناس من الجوع لا يجوز أن يؤجّل ذلك حتى تموت الناس جوعًا؟

كما لا أعتقد أن هناك علاقة بشهر رمضان أو شهر شوّال أو أي شهر في بقاء الناس على قيد الحياة أو ترحيلهم قيد الموت، لأنّ خمسة شهور مرّت بالفعل الآن منذ بدء العدوان الصهيوني الفاشي على قطاع غزة وفي الثلاثة شهور الأخيرة منهم قد هدّ الجوع عظام الناس ولحمهم، وبرغم قيمة شهر رمضان الدينية فهو على مستوى احتياج الناس مثله مثل الشهور التي سبقت، لذا نحن تعوّدنا ألا نُصدّق أيّة وعودٍ إذا لم نرَ بأعيننا ونلمس بأيدينا.

ولربما اعتقد من يملكون القرار في صرف الطحين وغيره، أنّ بعض صناديق المساعدات التافهة التي أُلقيت من الجوّ بالمظلّات يُمكنها أن تُؤجُل جوع الناس أو أنّها سوف تُحييهم من الموت المُحقّق، والحقيقة إنّه من الغباء أن يظن أحدٌ ذلك. ومن يُفكّرون مجرّد فكرة بتأجيل توزيع المساعدات إذا توفّرت على الناس المحاصرة في غزة وشمالها فهم منفصلون تمامًا عن هموم الناس، وليس لهم معرفةٌ بحاجاتهم، ولا يجوز أن يكونوا مسؤولين عن أرواحهم، ولا يحق لهم الادّعاء دينيًا بأنّ شهر رمضان أولى بتوزيع المساعدات، فجوعُ النّاس لا ينتظر، وتلك المساعدات التي تصل هي حقّ للناس وليست صدقةً أو زكاة ًمن أي مسؤول.

ورغم كلّ ما يحدث، لا يسعنا نحن سوى التكيّف مع هذا الواقع المرير، لأنّ الخيارات محدودةٌ جدًا في ما يمكننا قبوله أو رفضه. وفي حين أدرك أننّا لا نستطيع تغيير الواقع الذي نعيشه وحدنا، غير أنّه على الأقل علينا إعلاء الصوت وقول كلمة حقٍّ كجزءٍ من المحاولة أيضًا، وكلّ ما أرجوه هو أن يتمكّن الناس جميعًا في قطاع غزة أن يحتملوا ويصبروا أكثر، لعلّنا نشهد في القريب العاجل نهاية هذا العدوان البغيض وعودة جزءٍ من حياتنا وخياراتنا.

زينب الغنيمي، من مدينة غزة تحت القصف والحصار

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير