آمال خريشة تكتب لوطن: الشلل القيادي والشروط التعجيزية أمام انضمام حماس والجهاد للمنظمة

09.03.2024 02:32 PM

 

كل جزئية في جرائم الإبادة والتطهير العرقي التى لم يشهد تاريخ البشرية مثيلا لها في الوحشية والفاشية، وكل ارتداداتها السياسية يمكن تحليلها وتفسيرها، ويمكن كذلك استشراف تأثيراتها وتداعياتها. ولكن غير المفهوم ولا  المستوعب، وما يستعصي على الاستشراف هو بلادة ولا مبالاة خليط القيادة الفلسطينية اللزج بامتياز. فأمام حرب الإبادة الشاملة على شعبنا، وجرائم الحرب اليومية، لا تجد المؤسسات القيادية الفلسطينية سببا للانعقاد إلا بشكل عابر ومتقطع لإصدار بيان أو تمرير توجّه ما، وإضفاء الصفة الشرعية عليه، بدلا من الاستنفار وإعلان حالة الطوارئ والقيام بالحد الأدنى من الواجبات ومن بينها إعلان أن اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في حالة انعقاد دائم، وتتابع أولا بأول ما يتعرض له شعبنا، وتتابع الحراكات السياسية التي ينشغل بها العالم كله. ولم تعلن حالة الطوارئ كذلك من قبل الحكومة الفلسطينية منذ الساعة الثالثة بعد منتصف السابع من أوكتوبر وحتى الآن لمتابعة احتياجات المواطنين في قطاع غزة وآلامهم ومعاناتهم وأحوال مستشفياتهم ومساجدهم وكنائسهم وجامعاتهم ومدارسهم التي دمرت وسويت بالأرض.

لم نسمع عن استنفار رئيس السلطة ورئيس المنظمة، ورئيس الدولة في نفس الوقت، ولا مستشاريه ومساعديه وأركان القيادة الآخرين، لكي يقوموا بالحد الأدنى المطلوب لإغاثة غزة ولملمة جراحها ودفن شهدائها، وتوفير النزر اليسير من الطعام الذي يسكت جوع أطفالها. أما المفارقة التي لا يمكن فهمها واستيعابها، فهي تمسك قيادة السلطة والمنظمة بالشروط التعجيزية التي وضعت أمام انضمام حركتي حماس والجهاد الإسلامي لمنظمة التحرير، ومنها الالتزام بشروط الرباعية وقرارات الشرعية الدولية، والكل يعلم أن الرباعية ماتت وشبعت موتا، وأن قرارات الشرعية الدولية لا تعني في منطق الولايات المتحدة والغرب الاستعماري سوى الانحياز لإسرائيل، والامتناع عن معاقبتها، واستخدام حق النقض (الفيتو) لمنع اتخاذ أي قرار ضد جرائمها المستمرة.

تتمسك قيادتنا بهذه الشروط، حتى قبل ايام خلال لقاء رئيسنا بالرئيس التركي أردوغان، كشروط لدخول الحركتين للمنظمة وحتى لحكومة التكنوقراط. فمشروع الحكومة الذي جاء بقفزة في الهواء دون الاستناد إلى الإرادة الشعبية لإنجاز الوحدة الوطنية القائمة على الشراكة الشاملة في عمليات اتخاذ القرار، وعلى اساس استراتيجية تحررية  وطنية بعيدا عن شروط  اتفاق أوسلو وقيوده، بعد تجربتنا المريرة في آثار هذا الاتفاق على تقسيم وشرذمة النظام السياسي الفلسطيني وايصاله إلى هذه الدرجة من الشلل والضعف والوهن.

هذه الشروط تعرقل الوحدة الوطنية،  وتعبر عن رؤية الرباعية  التي تسيطر عليها الإدارة الامريكية، شريك الاحتلال في حرب الإبادة على شعبنا،  والتي تعتبر أن أمن دولة الاحتلال هي القيمة الأسمى التي تتقدم على أمن شعبنا وحقه في تقرير المصير، بل على حقه في الحياة والكرامة والبقاء في أرضه. فهي تشترط على سبيل المثال الاعتراف بدولة الفاشية،  وحصر النضال ضمن ما يسمى بالمقاومة السلمية. حتى اجتماع الفصائل الفلسطينية  ال 14 في موسكو عمق حالة التصحر السياسي،  ووسع عملية تجويف النظام السياسي، فلم يتعدّ دائرة العلاقات العامة مع روسيا رغم شلالات الدم، وصراخ وقعقعة الأمعاء الخاوية في قطاع غزة.  

والسؤال الملحّ: متى، وعند اي مستوى من التدمير والقتل والإعدام والتعذيب والتجويع والاغتصاب والتهجير سيتحرك النظام السياسي الفلسطيني في اتجاه الوحدة؟ ومتى تكون مكوناته أمينة على الدم الفلسطيني وعلى رسالة المعتقلين/ات والشهداء/ات؟، ألا يستحق شعبنا ان يتوجه اليه الرئيس بكلمة من رفح المصرية مثلا او من احد مستشفيات جنين او طولكرم او نابلس؟ هل يعد ذلك مطلبا شعبويا، ام  استحقاقا وطنيا وشعبيا للملمة الحال كإجراء اسعاف أولي للنظام السياسي؟ ولماذا تنتظر الفصائل التى بادرت لإطلاق نداء الوحدة والمقاومة والصمود، وأعلنت انزياحها عن خط الرئيس في التفاعل مع المبادرات الامريكية، واستقطبت ما يزيد عن الف وثلاثمئةٍ من الشخصيات والكوادر الوطنية، ألا تستدعي كافة التطورات الجارية موقفا جريئا من هذه الفصائل برفض التصريحات حول شروط الرباعية الدولية، التي يأبه بها نتنياهو ولا الإدارة الأميركية.

المهم ان الثلج ذاب وبان المرج بكل تضاريسه، كما تقول جداتنا في وصف محاولات الاستقواء من البعض عبر منهج استغباء الناس، لأن الناس في نهاية المطاف لديهم بصر وبصيرة تمكنهم من الفهم والتحليل والفعل الوطني المقاوم للعدو،  بما يخدم مصلحة الشعب في الحرية وتقرير المصير والاستقلال وعودة اللاجئين وفق قرار الامم المتحدة 194، هذا هو المنطق التاريخي للشعوب، وهذا خيار شعبنا المقاوم منذ أكثر من مئة عام.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير