اليوم الخامس والثلاثون بعد المائة لحرب الإبادة على غزة، 18 فبراير 2024

زينب لغنيمي تكتب لوطن من غزة.. التجوُّل في شوارع مدينة غزة المُدمُرة مُحزنٌ إلى حدّ القهر

20.02.2024 09:57 PM

تجرأت اليوم وخرجت لتفقّد بيتي الذي لم أتمكُن من زيارته بعد انسحاب الجيش الصهيوني من قلب مدينة غزّة، وحزنت كثيرًا بسبب المزيد من الدّمار الذي حلّ بها خلال اثني عشر يومًا من تواجد الجيش في أحياء الرمال والنصر وغرب المدينة. صحيحٌ أننا كنّا نرى مشاهد عديدة من هذا الدمار على شاشات التلفزة، ولكن هناك فرقٌ كبير بين الصورة والواقع، أي الفرق بين أن نرى صور وفيديوهات القصف والبيوت المدمرة والمحترقة وبين أن نمشي على الطرقات بمحاذاتها، حيث أعمدة وأسلاك الكهرباء مُلقاةٌ على أرض الشوارع، وحطام البيوت أغلق مداخل العديد من الشوارع الفرعية، أما شارع النصر الذي كان يعجُّ بالحركة والمحلّات التجارية بات مُقفرًا إلى درجة لم أر شخصًا واحدًا يسير فيه، وهناك بعض المباني التي لاتزال واقفةً ولكنّ جزءًا منها مُحترق أو مُنهار. أثناء مرورنا في أحد الشوارع، سألت السائق "أين نحن؟" فقال أننا في شارع الجلاء. لم أصدق أنني في شارعٍ كنت أعرفه جيدًا، حيث لا أسفلت ولا أرصفة يمينًا أو يسارًا، وطبقات المباني المنهارة تسدُّ منتصف الشارع.

وصلت إلى العمارة حيث بيتي، وهي واحدة من المباني التي طالها الدمار جزئيًا، ولكن لم يعد هناك سكّانٌ في الحي كلّه تقريبًا عدا عن بيتٍ أو اثنين، حيث لا كهرباء ولا ماء ولا أناس يمكن الاستئناس بوجودهم، هذا هو حال قلب المدينة. أمّا الشيء الذي كان به بعض الروح في شارع الجلاء، فكان تجمّعًا للباعة في منتصف الشارع، يعرضون بعض المأكولات وبعض الخضار والفواكه الشتوية، لكنها كلّها باهظة الثمن. كذلك وجدت بسطة ملابس منها المستعمل وبعض الجديد، وأخرى لأدواتٍ منزلية منها المستعمل أيضًا وبعضها جديد. تذكُّرت قول والدة صديقتي عندما قالت: "يا خوفي نلاقي ثيابنا وأغراض مطابخنا تُباع على البسطات،" في إشارةٍ منها إلى أنّ غالبية البيوت وأنقاض البيوت تعرّضت للسرقة.

ورغم الألم الذي أصاب روحي من تلك المشاهد، قرُرت استغلال فرصة الخروج وزرت زميلتي التي استشهد خطيبها قبل ثلاثة أيّام بصاروخٍ قاتل دمّر سيارته بالكامل حيث تحوّلت جثته إلى أشلاء. في الحقيقة حاولت مواساتها ولكنني أعرف أنّ حزنها عميقٌ ولن يزول بسهولة، وستحتاج الكثير من الوقت لتتجاوز بعض هذا الفقد. وتذكُرت زميلتنا الأخرى ومدى حزنها وألمها الذي ما زالت تعيشه لأنها فقدت ما يزيد عن ستين فردًا من عائلتها منهم أخاها وزوجته وأبناؤه، وأختها وزوج أختها وأبنائها وأحفادها، وللأسف لم أتمكن من رؤيتها ومواساتها حتى هاتفيًا لأنها في المنطقة الوسطى، حيث كانت الاتصالات مقطوعة.

وكلّما مررت بمبنى لا يظهر منه سوى السطح حيث غاصت كلّ طبقاته إلى باطن الأرض، أتخيّل كم من الأشخاص ما زالوا مدفونين تحت أنقاضه ولم يتمكّن أحد من إخراجهم. وأفكُّر في البيوت التي نزح أصحابها عنها مُجبرين ولم يعد أغلبها موجودًا حتى. كم من السنوات مرّت عليهم وهم يُسدُّدون أقساط امتلاك شقّةٍ في مبنى أو دينًا عمّروا فيه منزلًا للعائلة، وكيف سيكون حالهم عندما لا يجدون حوائطًا تؤويهم.

إنّه من غير الممكن لما تبقّى من بيوتٍ في الأحياء المتفرقة أن تستوعب أهالي مدينة غزة في حال سُمِح لهم بالعودة من أماكن نزوحهم. وبالتأكيد سيكون نفس الوضع مع أهالي مناطق شمال غزة، خصوصًا البلدات التي دمرّها وجرّفها الجيش الإسرائيلي، فمُسحت كُليَّا من على الخارطة.

عُدت إلى المنزل وأنا ممتلئةٌ بالمرارة، ولم أستطع الردّ على أسئلة المحيطين بي حول البيوت والشوارع، وظللت فقط أُردّد أنّ أكثر من نصف غزّة باتت مدينة اشباح.

حاولت أن أشغل نفسي بالاستماع للأخبار لعلّه يوجد ثمّة خبرٌ مريح، إلّا أن الأخبار أيضًا لا تسرّ، بل لا يُوجد أيّ آفاقٍ لأيّ اتفاق، وقادةُ الحرب الصهاينة مُصرّون على المضي في عدوانهم، ويبدو أنهم يستغلون اقتراب شهر رمضان والتلويح باستمرار عدوانهم كي يُجبروا حركة حماس وشركاءها على قبول شروطهم المُذلّة، والتي لن تكون في صالح شعبنا بأيِّ حالٍ من الأحوال، لذا فإنّ أيّ اتفاقٍ يجب أن يتصدره وقفٌ نهائيٌّ لهذا العدوان البغيض وإعادة إعمار قطاع غزة.

زينب الغنيمي، من مدينة غزّة تحت القصف والعدوان

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير