اليوم الرابع والثلاثون بعد المائة لحرب الإبادة على غزة، 17 فبراير 2024

زينب لغنيمي تكتب لوطن من غزة.. هذا العدوان كشف الغث من السمين في العلاقات بين الناس

20.02.2024 09:54 PM

مع عودة الاتصالات، تمكّنت من التواصل مع أعزّ صديقاتي، وكنت متلهفةً للتواصل معها. تواصلت أيضًا مع زميلات العمل واللواتي أعتبرهن بناتي العزيزات، وفي الحقيقة أن هذا التواصل يُساعدني على اكتشاف ما هو جديدٌ سواءً بخصوص تفاصيل حياة الناس في مناطق النزوح، أو حول العلاقات الإنسانية المتغيُرة.

ففي حواري الطويل مع زميلتي شرحت لي مستوى المعاناة التي يمرّون بها وعائلاتهن في رفح. وبالرغم من أنها تعيش في بيت مستأجر، أي أنّ حالها أفضل من اللواتي يعشن في المدارس أو الخيام، ولكنّها تحدّثت عن معاناةٍ شديدة من مستوى الغلاء الفاحش في الأسعار للمواد الغذائية الأساسية. وفي سياق الحديث كنت أبلغها كيف أن الطحين مفقودٌ عندنا في مدينة غزّة، وأنّ سعره باهظ الثمن إن وُجد، كذلك السكُّر الذي أصبح الكيلو منه ما بين خمسة وعشرين وثلاثين شيكلًا (6.8 إلى 8.18 دولارات)، لتُفاجأني هي بأنّ كيلو السُكّر في رفح وصل ستين شيكلًا أي ما يُعادل ستة عشر دولارًا ونصف، وأنهم يستخدمون السكّر الخاص بمرضى السُّكري، كما ارتفع سعر الملح أيضًا، أمّا الطحين فمتوفرٌ هذه الأيام وبسعره العادي، كذلك المواد التي تأتي في كوبونات المساعدات مثل الكثير من المعلبات رخيصة السعر وهي المفقودة في غزة وشمالها. لكنّها أشارت إلى أنّ المواصلات باهظة الثمن.

ما تحدّثت عنه بوجع، وما أكّدت عليه صديقتي العزيزة أيضًا حين تحدّثنا، هو كيف تغيّرت العلاقات بين الناس، وكيف أنّ هذا العدوان كشف عن حقائق كانت مخفية في الظروف العادية. فبالرغم من أن العائلة كانت مسألةً مقدسةً في مجتمع قطاع غزّة سابقًا، أي الأخوة والأخوات والأعمام والخالات، باتت اليوم العلاقات تخضع كثيرًا لمن له مصلحة عند من، وكيف يمكن لشخصٍ أن يستغل الآخر كي يتكسّب ويحصل على المزيد دون أن يُقيم وزنًا للاحترام الشخصي وتقدير من حوله.

تقول صديقتي "لا يُمكن أن تتصوري بشاعة العلاقة مع فلان من أقاربي، تخيّلي رغم أنّني غادرت الخيمة التي يقيم فيها ولكنهم رفضوا إعطائي مقتنياتي البسيطة، ورفضوا إعطائي النقود التي دفعتها ثمنًا للخيمة،" وأكملت بحزن "أما من كنت أعتبرها صديقة وبيننا تاريخٌ طويل، اعتقدت عندما نزحت عندها أنها سوف تحتضنني، ولكن فوجئت أنّها كانت تمنعني من استخدام الغاز وتقنُّن استعمالي للماء، وعندما غادرت منزلها لم تعطيني حتى فرصةٌ لأخذ حقيبة ملابسي، وكل ذلك استجابة لقريبها بهدف تطفيشي."

وتقول زميلتي "هذه الحرب لعنة هشّمت الكثير من العلاقات العائلية والعلاقات مع الآخرين،" وتستطرد "والله يا أستاذة لو ضوّيت أصابعي العشرة شمع ما راح تزبط، نفسية الآخرين غريبة في الطمع."

بالطبع هذا لا يعني أنّ كُل العلاقات تدمّرت، فما يزال هناك الكثر من الحب والود بين الناس والتعاطف والكرم أيضًا. على سبيل المثال، ما حدث معي كان أن تنازلت صديقةٌ لي عن جهازها المحمول الأحدث من جهازي لتُمكنني من استخدامه لتركيب شريحة إلكترونية والاتصال بابنتي والعالم. كذلك فإنّ أكثر من صديقة من خارج غزة اهتممن بتأمين بعض الاحتياجات بحب. في نفس الوقت الذي لم أتلقَ فيه من بعض من كُنّ صديقاتٍ أو بعض الأقارب رسالة اطمئنان واحدة.

كما بتُّ أتفهُم جيدًا إشكاليات الحياة المشتركة بعد أن عشت لسنواتٍ وحدي، وإشكاليات العلاقات الإنسانية والمتغيرات التي يمر بها الناس نتيجة الخوف والقلق والشعور بالتشرد والفقد. وكل ما نأمله مجدّدًا هو أن تنتهي هذه الأزمة الملعونة، وأن نُعيد صياغة علاقاتنا بشكل أفضل.

زينب الغنيمي، من مدينة غزّة تحت القصف

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير