المحامي جعفر الطويل يكتب لوطن: النصر الموهوم في عقيدة الكيان المأزوم
لا ينفصل واقع السابع من أكتوبر 2023 وما تلاه من حرب إبادةٍ ضروس بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية عن السياقات النضالية المفصلية للشعب الفلسطيني عقب اغتصاب أرضه في العام 1948م وما واكب ذلك من قتل ونهب وتشريد وإحلال، فهو نتيجة طبيعة ومنطقية لرفض الشعب الفلسطيني للواقع الجديد الذي فرض عليه واتسم بسلب أرضه ووطنه وحقه التاريخ الذي لا يمكن أن تنفيه السرديات التاريخية الملفقة أو أن تسدل عليه الشرعية من قبل أي هيئة مهما كانت صفتها أو اتساعها أو منطلقاتها طالما لم يقبل بها الشعب الفلسطيني، وطالما رسخ في وجدانه شعوراً بالظلم والاضطهاد واغتصاب حقه في أرضه ووطنه التاريخي.
لقد عبر الشعب الفلسطيني خلال أكثر من ستة وسبعين عاماً ولا يزال عن رفضه لواقع الاحتلال بشتى السبل والوسائل التي تكفلها كل القوانين الطبيعة والوضعية والشرائع السماوية، وقدم خلال ذلك التضحيات الجسام ولا يزال، في ظل واقع دولي منحاز ومنساق للسردية الصهيونية، وغافلاً عن حقيقة تاريخية ثبت مصداقيتها على مدار التاريخ، ان حق الشعوب لا يمكن أن ينفى أو أن يطمس أو أن يختزل، وأنه لا يمكن للشعوب أن تنفى من واقع الوجود أو أن يتم غسل أدمغة الأجيال اللاحقة بعد فناء الأجيال السابقة فوجدان الشعوب وتاريخها يتسم بالصيرورة والديمومة طالما بقي نبض ينبض في هذا الشعب أو ذاك، وان النصر عاجلاً ام أجلاً حليف الشعوب مسلوبة الحق مهما واجهت من صنوف البطش والتنكيل والتقتيل والتشريد والتهجير، وفي سيرة التاريخ ما يدلل على ذلك، وفي كل بقعة من بقاعه، ابتداءً من أمريكا التي تتنكر لحرب استقلالها في القرن الثامن عشر، مروراً بأوروبا حتى القرن التاسع عشر، وفيتنام والجزائر وجنوب إفريقيا وعشرات السير التاريخية التي بات العالم يغفلها أو يتغافل عنها ولا يتخذ العبر من سياقاتها ونتائجها في تعامله مع قضية الشعب الفلسطيني، متخذاً موقف الانحياز الكامل لدولة الاحتلال الصهيوني، واهماً ومتوهماً أن سطوته وهيمنته على العالم سيوفر له الغطاء العملي والدائم لهذا الواقع، مُمنياً نفسه بحالة فرض الواقع معتقداً بدوامها والتسليم بالأمر الواقع من قبل الشعب الفلسطيني,
ولربما يعتقد البعض أن اتفاقيات أوسلو التي تلقفها الشعب الفلسطيني كفرصة قد تتطور لحل فيه بعض الإنصاف هو مِنَةٌ من الاحتلال الصهيوني، ولكن أعتقد جازماً ان اتفاقيات أوسلو كانت فرصة ثمينة لإسرائيل فوتتها وأضاعتها تحت تأثير التمسك والتمترس خلف العقيدة التوسعية الصهيونية، وليس أدل على ذلك من سقوط الحلول الوهمية التي سوقت للشعب الفلسطيني وسرعان ما اتضح زيفها وفقدانها لأي أمل أو فرصة لتحقيق الحد الأدنى من الحقوق المشرعة للشعب الفلسطيني، وكشف الاحتلال عن عدم جديته واستعداده لحل منصف للقضية الفلسطينية.
إن أحداث السابع من أكتوبر ما هي إلا حلقة من حلقات الرد الطبيعي على ممارسات الاحتلال الصهيوني وتماديه في تضيق الخناق على الشعب الفلسطيني في أبسط مقومات الحياة الآدمية، وحرمانه من أبسط حقوقه الوطنية والإنسانية، وهو المسؤول الأول والأخير لإصراره على اضطهاد واحتلال الشعب الفلسطيني، وإن ما أعقب السابع من أكتوبر من عدوانٍ همجي طاحن على الشعب الفلسطيني، هو عدوان إبادة وليس حرباً كما يتم تداولها في وسائل الإعلام وتصريحات السياسيين، فالحروب وصفٌ لجيشين يمتلكان من الأسلحة المعدة للجيوش المتحاربة، ولا يمكن إطلاقها على حالة يقوم بها جيش يمتلك من الأسلحة المتطورة ترسانة ضخمة مقابل وسائل دفاعية بسيطة تمتلكها مقاومة أو شعب، وما هذا التهويل في الوصف إلا لتبرير ما يشن على الشعب الفلسطيني من عدوان همجي بربري أقل ما يمكن وصفه على أنه عدوان إبادة همجية يندى لها جبين الإنسانية ويجرد كافة الدول المتحضرة من إنسانيتها ومن المبادئ الديموقراطية والإنسانية التي تتشدق بها وتنظر بها على الدول النامية، ولا يمكن فهم أو تفسير هذا الصمت والعجز الدولي إلا في سياق السقوط المدوي للقيم والمبادئ التي طالما نادت به في ظل عجزها عن لجم هذا العدوان، ووقوفها عاجزة أو منحازة أمامه، فأمام هول وفظاعة الجرائم المرتكبة بحق الأطفال والنساء والعزل من الشعب الفلسطيني، فإن أقل ما يمكن أن موقف الأسرة الدولية يندرج في سياق الصمت والخذلان المشوب بالتواطؤ والمباركة.
إن العدوان الصهيوني المتواصل منذ أربعة أشهر ويزيد على الشعب الفلسطيني في غزة والضفة الغربية تحت شعار المضي قدماً حتى النصر الموهوم على حركة حماس، ما هو إلا مغالطة تاريخية ومنطقية يجب ألا تنطلي على أحد، فعملية التقتيل والإبادة البربرية التي تدور رحاها منذ أكثر من أربعة شهور هو عدوان إبادة على الشعب الفلسطيني، وما النصر الموهوم الذي يتشدق به رئيس وزراء إسرائيل ومجلس حربه وبطانته من اليمين المتطرف إلا خديعة وأكذوبة تخفي وراءها المصالح الشخصية والحزبية والصهيونية المتمثلة في الحفاظ على المكانة السياسية الشخصية لنتنياهو، والاجندة الصهيونية التوسعية لوزراءه والأحزاب الدينية المتطرفة، فأي نصر هذا الذي ينشدوه في عدوانهم على أرواح الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ؟ وهل من عاقل يصدق أن قوة على وجه الأرض بمقدورها القضاء على مقاومة او فكرةٍ طالما أن الأسباب الرئيسية للصراع قائمة وماثلة تتجسد في كل تفاصيل الحياة الفلسطينية من قتل وتدمير وتهجير وحواجز واعتقال وظروف معيشية لا تليق بالآدميين؟
وإذ نقف على أعتاب حلقة جديدة من مسلسل العدوان والإبادة التي يُعد لها الجيش الإسرائيلي على رفح التي تضم بين جنبيها ما يقارب المليون والنصف فلسطيني، بحجة القضاء على ما تبقى من كتائب القسام، فهي خطوة تندرج في حقيقتها على حلقة جديدة في العدوان على الشعب الفلسطيني، تتمثل في مزيد من القتل والتدمير العشوائي، وليس صحيحاً ما يروجه جنرالات العدو بأنه جزء من الخطة العسكرية الإسرائيلية في تحقيق أهداف العدوان على غزة، بتصفية البنية العسكرية والبشرية للمقاومة وتحرير المختطفين الإسرائيليين، وما أدل على ذلك سوى إخفاق الجيش الإسرائيلي على تحقيق أي من أهدافه المزعومة تلك في شمال قطاع غزة ووسطها، وذات النتيجة هي ما ستكون في رفح، باستثناء اتساع حجم القتل والتدمير الذي سيرافق هذه الحملة نظراً للازدحام البشري في رفح جراء النزوح إليها تجنباً للقتل والإبادة في باقي أجزاء قطاع غزة.
ختاماً فإن المجتمع الإسرائيلي سرعان ما سيصحوا على أكذوبة نتنياهو وبطانته الكبرى من زيف أهدافه عدوانه الهمجي على الشعب الفلسطيني، ولن تجني إسرائيل من وراء هذا العدوان إلا ولوجها في مرحلة متقدمة في فقدان الامن والأمان، والتفكك الداخلي والعزلة الدولية، وتردي الأوضاع الاقتصادية، أما الشعب الفلسطيني، فمهما كانت تضحياته ومعاناته فلن تُكسر فيه إرادة الصمود والتحدي ولن يستسلم ولن يرضخ، فلم يكتب التاريخ أن حقاً يطالب به شعب حي قد سقط أو أندثر بالقوة الغاشمة غير المحقة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء