ثلاثة رؤى لليوم التالي للحرب على غزة.. لماذا تتقدم رؤية المقاومة؟

09.02.2024 08:45 PM

كتب مصطفى خليفة: بصورة مصاحبة للحديث الدائم والمتكرر عن محاولات الوصول إلى هدنة، أو اتفاق على وقف لإطلاق النار، منذ بداية الحرب، يبرز دائماً السؤال: "ماذا عن اليوم التالي للحرب؟".

بعد مداولات امتدت نحوَ أسبوع، سلّمت حركة حماس، يوم الثلاثاء الماضي، كلاً من مصر وقطر ردّها بشأن اتفاق الإطار، الذي خلُص عن اجتماع باريس، الذي ضم، إلى جانب "الموساد" و"الشاباك" الإسرائيليين، كلاً من الولايات المتحدة الأميركية وقطر ومصر، في العاصمة الفرنسية، في الأيام الأخيرة من شهر كانون الثاني/يناير، من أجل التباحث في الوصول إلى اتفاق على تبادل الأسرى.

وأكدت حركة حماس، في بيان، أن ردها "يتضمّن وقف إطلاق النار الشامل والتام، وإنهاء العدوان على الشعب الفلسطيني. ويتضمن أيضاً الإغاثة، والإيواء، والإعمار، ورفع الحصار عن قطاع غزة، وإنجاز عملية تبادلٍ للأسرى". وفي ردٍّ، صدر، أمس، لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، على ردّ حماس، أكد أن "تكرار الهجوم"، الذي شنّته المقاومة الفلسطينية على "إسرائيل"، في الـ7 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، سيكون "مسألة وقت"، إذا "تمكّنت حماس من البقاء في غزة". مضيفاً أنّ "القضاء على حماس سوف ينعكس على جميع أنحاء الشرق الأوسط"، ويسمح بتوسيع دائرة اتفاقيات التطبيع.

على الرغم من أنّ الهدف من اجتماع باريس كان الوصول إلى اتفاق لتبادل الأسرى، فإنّ هاجس "اليوم التالي للحرب" كان يسكن الجميع في أثناء البحث عن اتفاق جديد للتبادل. والجميع تعني المقاومة في غزة، وحكومة الاحتلال، والولايات المتحدة الأميركية والوسطاء.

من يحسم اليوم التالي للحرب، يحسم عملياً نتيجة هذه المعركة لمصلحته. فبعد الأهداف العالية والسقوف المرتفعة، التي ألزمت الحكومة الإسرائيلية بها نفسها، بات أي عمل عسكري، مهما بلغت شدته وضراوته، عاجزاً عن رسم ملامح "انتصار" ما لم يقدر على فرض واقع جديد في قطاع غزة.

3 رؤىً يتم التداول بها اليوم بشأن واقع القطاع بعد الحرب، تشكل كل منها إجابة، من وجهة نظر، عن السؤال: "ماذا عن اليوم التالي؟"

3 رؤى لليوم التالي للحرب
 

الرؤية الأميركية
تولّى، بحسب موقع "هاف بوست" الأميركي، منسق مجلس الأمن القومي الأميركي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغورك، رفقةَ مستشار الرئيس الأميركي جو بايدن، لأمن الطاقة، آموس هوكشتاين، مسؤولية إعداد ورقة تمثل الرؤية الأميركية لليوم التالي للحرب، والتي نشرها الموقع المذكور.

تقوم الرؤية الأميركية على الموافقة الإسرائيلية على وقف فوري لإطلاق النار، وتوحيد قطاع غزة والضفة الغربية، تحت إدارة حكومة فلسطينية جديدة بعد "تجديد" السلطة الفلسطينية، بحيث تقترح الورقة المقدَّمة من ماكغورك - هوكشتاين، إبدال الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقيادة متجددة، تلقى قبول الشارع الفلسطيني، لكن بشرط أن يكون الرئيس الجديد مشابهاً لعباس، من حيث "علاقته بإسرائيل والإدارة الأميركية"، بحسب تعبير "هاف بوست".

وتترافق هذه الخطوة مع إفساح المجال أمام المملكة العربية السعودية من أجل قيادة جهود خليجية لإعادة إعمار قطاع غزة بالكامل، ووعد أميركي بالاعتراف مستقبلاً بـ"الدولة الفلسطينية"، وذلك – أيضاً بحسب "هاف بوست" – يأتي في سياق التمهيد لدخول المملكة السعودية في اتفاقية "سلام" مع "إسرائيل"، بحيث سيقَدَّم إعادة الإعمار والوعد بالدولة كمقابل انتزعته السعودية ثمناً لاتفاق "السلام".

الرؤية الإسرائيلية
وكما دخلت "إسرائيل" حربها على الشعب الفلسطيني على غير هدىً، فإنها تتصارع فيها الآراء بشأن مستقبل القطاع بعد الحرب.

وتتنوع التصريحات الرسمية والشعبوية، من الدعوة إلى إعادة الاستيطان، إلى الحديث عن التهجير، إلى المطالبة بقصف غزة بقنبلة نووية، وغيرها من الدعوات التي تنتشر على ألسنة السياسيين في البرامج السياسية اليومية عبر التلفزيون الإسرائيلي، وفي اللقاءات الشعبية.

غير أن الرؤية الوحيدة، التي قُدِّمت كرؤية متكاملة بشأن اليوم التالي للحرب، كانت في الوثيقة التي رفعها وزير الأمن الإسرائيلي، يوآف غالانت، والتي أعلنت أنه لن يكون هناك عودة إلى الاستيطان، في القطاع، وسحب إدارة القطاع من حركة حماس ومن السلطة الفلسطينية أيضاً.

تقوم خطة غالانت على:

تولّي إدارة القطاع من جانب هيئات فلسطينية متعددة، تشارك "إسرائيل" في اختيارها، وتحتفظ لنفسها بالحرية في تنفيذ العمليات الأمنية، كلما استدعت الحاجة.
إنشاء قوة متعددة الجنسيات تقودها الولايات المتحدة الأميركية ودول غربية وعربية "معتدلة"، تتولى مسؤولية الإدارة العسكرية للقطاع.
إشراف أميركي مصري إسرائيلي على معبر رفح من أجل منع التهريب.
إيكال إعادة الإعمار لوكالات دولية.

الرؤية الفلسطينية
يتميز الموقف الفلسطيني، في رؤيته مرحلة ما بعد الحرب، بإجماع كل الفصائل الموجودة في قطاع غزة. ويقوم، بصورة أساسية، على النقاط التالية:

انسحاب الجيش الإسرائيلي من كل مساحة قطاع غزة.
وقف الحصار المفروض على القطاع، والسماح بإعادة الإعمار.
عدم قبول أي نقاش – خارج البيت الفلسطيني – بشأن شكل الإدارة التي ستتولى القطاع بعد الحرب.
هذا الموقف الموحَّد، تبدّى، ولا يزال، عند كل استحقاق يفُرض أمام كل فصائل المقاومة، على رغم مواجهتها آلة الإبادة الإسرائيلية يومياً.

عودة إلى أرض الواقع
تعاني الرؤية الأميركية، على أرض الواقع، 3 مشاكل رئيسة، تجعل الولايات المتحدة الأميركية عاجزة حتى اليوم، بعد مرور أشهر على بدء الحرب، عن الوصول إلى مبتغاها، وهي:

أولاً: عدم التوافق، رسمياً وشعبياً، على إدارة بايدن للحرب، وللمرحلة اللاحقة لها: بحيث تظهر استطلاعات الرأي أن 61% من الأميركيين لا يوافقون على سياسة بايدن بشأن الحرب على غزة، كما تحدثت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية، يوم الثلاثاء، عن تأكّل دعم الجمهور الأميركي لـ "إسرائيل".

وهذا الأمر يزداد خطورة كلما اقترب بايدن من الانتخابات الرئاسية الأميركية، بحيث ينعكس هذا التأكُّل حالةً من عدم الرضا الشعبي، ظهرت ملامحها في بعض القطاعات، مثل الانقسام الذي شهدته نقابة اتحاد عمال السيارات بين دعم حملة الرئيس الأميركي جو بايدن للانتخابات الرئاسية هذا العام، أو رفض دعمها، نتيجة تأييد رئيس الاتحاد، شون فاين، لبايدن في مؤتمر برنامج العمل المجتمعي الوطني للاتحاد في العاصمة واشنطن، بينما عارضه أعضاء النقابة بسبب دعمه "إسرائيل"، ومعارضته دعوة النقابة إلى وقف إطلاق النار في غزّة.

وكما شعبياً، كذلك على الصعيد الرسمي، بحيث يواجه بايدن اعتراضات على التمويل، والموقف تجاه حكومة نتنياهو، وغير ذلك الكثير من النقاط التي تجعله ضعيفاً نوعاً ما في طرحه "الحل" الذي يراه للحرب.

ثانياً: غياب التوافق الأميركي الإسرائيلي: وهذا ما يبرز في أكثر من ملف يتعلق بإدارة الحرب. وبالتالي، فإن كل نقطة من النقاط المذكورة أعلاه في الرؤية الأميركية ما زالت الولايات المتحدة، إلى اليوم، تحتاج إلى تسويقها، وإلى إقناع الحكومة الإسرائيلية بها.

ثالثاً: في الحديث عن التطبيع العربي، وتحديداً مع المملكة العربية السعودية، كمحفز تقدمه الولايات المتحدة الأميركية إلى الحكومة الإسرائيلية لقبول الصورة التي رسمتها لليوم التالي بعد الحرب، تُظهر الأحداث الأخيرة أنه كلما استطاعت المقاومة، مع مرور الوقت، الصمود، وكلما عجز "الجيش" الإسرائيلي عن تحقيق إنجاز على الأرض، بات هذا الأمر أكثر صعوبة.

وبعد أن أعلن موقع "أكسيوس" الأميركي، في الـ30 من كانون الثاني/يناير، أنّ مستشار نتنياهو سيزور واشنطن، من أجل إجراء محادثات بشأن اليوم التالي للحرب، وأنّ المحادثات تشمل خططاً أميركية للتوصل إلى اتفاق تطبيع بين السعودية و"إسرائيل"، أصدرت وزارة الخارجية السعودية بياناً أعلنت فيه أنها أبلغت واشنطن أنه لن تكون هناك علاقات دبلوماسية بين الرياض والاحتلال الإسرائيلي قبل الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، بالإضافة إلى وقف العدوان على غزة، والانسحاب الكامل من القطاع.

أما على المستوى الإسرائيلي، فالأمور أكثر تعقيداً، بحيث يمثل صمود المقاومة، وعدم قدرة "الجيش" الإسرائيلي على تحقيق أي إنجاز عسكري يُذكَر، بالإضافة إلى الخلافات الحادة بين أقطاب الحكومة، على مستوى الحكومة الموسعة ككل، والكابينت الموسع، كما كابينت الحرب المصغر، عائقاً أمام قدرة "إسرائيل" على فرض شروطها بعد انتهاء الحرب.

وعلى الجانب الفلسطيني، يُعَدّ التوافق والانسجام بين الفصائل بشأن الموقف تجاه سياسات الحرب وما بعدها، وصمود المقاومة والشعب الفلسطينيين، وقدرة حركة حماس، التي يبدو أنها ما زالت قوية، ومتمكنة من الإدارة المدنية للقطاع، تُعَدّ جميعها عناصر قوة تجعل من الصعب على أحد فرض شروط على المقاومة لا تقبلها.

وهو ما ظهر أولاً في الهدنة الأولى وتبادل الأسرى، ثم مؤخراً بعد انسحاب قطع من الجيش الإسرائيلي من مناطق الشمال، والانتشار السريع للشرطة الفلسطينية من أجل تولي مسؤولية الأمن في المناطق المنسحب منها.

بناءً على مجريات الميدان اليومية، كما كان اليوم الأول للحرب فلسطينياً، سيكون الأخير والتالي له فلسطينيَّين أيضاً.

 

المصدر:"الميادين"

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير