اليوم الثالث والعشرون بعد المائة لحرب الإبادة على غزة، 6 فبراير 2024

زينب الغنيمي تكتب لوطن من غزة.. إذلال الناس والحطّ من الكرامة أحد أشكال العدوان الصهيوني والعنف المؤسّسي على قطاع غزة

09.02.2024 07:35 PM

تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان حول الانتهاكات التي ارتكبها جيش الاحتلال الصهيوني بما يتعلّق بحقوق الإنسان في قطاع غزة أشار إلى جزءٍ من الحقيقة وليس إلى الحقيقة كلّها، فحجمُ الانتهاكات من الصعب سرده أو وصفه أو حتى إحصاؤه.

تسأل الكثير من المنظمّات الدولية سواء التابعة للأمم المتحدة أو مؤسّسات حقوق الإنسان الدولية، وأيضًا بعض الممولين عن تفاصيل الانتهاكات التي وقعت ضد النساء أو الأطفال، وعندما نردّ عليهم بالاستنكار أنّ كل ما يجري في قطاع غزة وما تشاهدونه بالصوت والصورة الحيّة على أجهزة التلفزة، ألا يكفي؟ ماذا يعني أن يطالبوا بشهادات شخصية للنساء كي يصدقوا أنّ كرامتهنّ انتهكت وأن تحرّشًا جنسيًا وقع ضدّهن من الجنود الصهاينة.

نريد أن نسأل مديرة هيئة المرأة في الأمم المتحدة، و المبعوثة الخاصة لحقوق الإنسان: ماذا تُسمّيان سلوك أولئك الجنود عندما يدخلون على مراكز الإيواء ويُخرجون النساء بالقوّة من الغرف وينزعون عنهنّ أغطية الرأس ويفتّشوهنّ بدقّة كي يمنعوهنّ من أخذ مصاغهنّ وذهبهن أو هواتفهنّ المحمولة أ حقائبهنّ الشخصية ونقودهن؟ أليست هذه انتهاكاتٌ مركبة لحقوق الإنسان وتحرّش جنسي أيضًا؟ وماذا تريد تلك المؤسسات من الشهادات الشخصية؟ هل فقط ليضعوها في تقاريرهم ليبرّروا طبيعة عملهم؟ ألا تكفيهم الصور الموثُقة والفيديوهات المصوُرة؟

ماذا تعني جملة حقوق الإنسان الواردة في كل الإعلانات العالمية والاتفاقيات الدولية؟

الحقّ في الحياة: حوالي 27,500 شهيدة وشهيد قُتلوا بدمٍ بارد، إلى جانب 7000 مفقودةٍ ومفقود تحت أنقاض البيوت أو تحلّلت جثثهم في الشوارع دون التعرّف عليها كما حدث في المقابر الجماعية التي دُفنوا فيها بعد إعدامهم؟

الحقّ في الصحة: هناك نحو 66,500 ويزيد من الجرحى الذين ترفض سلطات الاحتلال إخراجهم للعلاج في الخارج، عدا عن منع وصول الدواء، وتدمير العيادات والمستشفيات وقتل الطواقم الطبيّة والمسعفين؟

الحق في السكن: ماذا يعني تدمير 90% من المباني والمنشآت في قطاع غزة؟ ماذا يعني أن يبيت الناس في العراء في خيامٍ لا تقيهم برد الشتاء بعد تدمير بيوتهم؟

التهجير القسري: ماذا يعني أن تكتظ مدينة رفح وفي نصفها الغربي فقط بنحو 60% من سكان قطاع غزّة الذين أُجبروا بالقوة وتحت التهديد وقصف الطيران لمغادرة منازلهم؟ بل ماذا يعني إخراج النساء والأطفال من مدارس الإيواء بمدينة غزة وتحميلهنّ بأعدادٍ كبيرة على شاحنات نحو الجنوب بينما يُعدم أمامهم ويُعتقل أجدادهم وآباؤهم وأزواجهنّ وإخوتهم وأبناهنّ فوق 16 سنةً؟ وماذا تعني منشورات الجيش الصهيوني والرسائل الصوتية والمكتوبة كل يوم للمواطنات والمواطنين يأمرونهم بالنزوح نحو الجنوب تحت طائلة الموت؟

الحق في الغذاء: ماذا يعني تجويع الناس ومنع دخول الطعام؟ ماذا يعني إدخال المساعدات إلى قطاع غزة من معبر رفح ثم قصف الشاحنات على بوابة غزة الجنوبية وقتل كل من يحاول الحصول على كيس طحين؟

الحق في المياه النظيفة: ماذا يعني قطع المياه وضرب كل التمديدات، وهدم آبار المياه في البيوت؟

التحرّش الجنسي: ماذا يعني تعرية الرجال عند اعتقالهم والعبث بالمناطق الحميمة بأجسادهم والروايات كثيرة تصلنا بالكلام والصور؟ ماذا يعني تعرية رؤوس النساء بالقوة ودفعهنّ يمينًا ويسارًا؟ ماذا يعني دفن الجثث بعد الاغتصاب ثم الإعدام المباشر حتى لا تعيش الضحيّة لتروي حتى شهادتها، ولا يتبق شيءٌ من جسدها؟

كلّ هذا إلى آخره من بقيّة حقوق الإنسان الأصلية والفرعية التي انتُهكت وتُنتهك يوميًا باستمرار العدوان الصهيوني الهمجي، ما الذي مازالوا يودّون توثيقه كي يصدقون الرّواية الفلسطينية؟ وحتى وإن صدّقوها ما الذي يستطيعون فعله ضد دولة الاحتلال العنصرية أمام حجم هذه الانتهاكات وفي مقدّمتها جرائم الإبادة الجماعية والتي أقرّت محكمة العدل الدولية بحدوثها؟ كم من هذه المؤسسات بادرت بفضح سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ومندوبتها في مجلس الأمن تعلن الفيتو أمام أي قرار لصالح الشعب الفلسطيني، وترفض المصادقة على قرارات المحكمة؟

نحن النساء في قطاع غزة المحاصر والمدمُر، لا نحتاج لأن نُهدر المزيد من وقتنا وكرامتنا لإقناعهم بأنّنا نتعرّض للانتهاك والاعتداء والعنف، ولا نريد تزويدهم بتقارير كي تقوم العاملات والعاملين في المؤسسات الأُممية وغيرها بإقناع أنفسهم والظهور على أنهم ناجحون في عملهم وعملهنّ أمام مؤسساتهم ومدرائهم. إنّهم وإنهنّ لا يستحقّون منّا هذا الجهد وهذا الاستنزاف الذي يجبرونا عليه، والسؤال الأكبر: مقابل ماذا علينا أن نكشف خصوصيّاتنا وعوراتنا وقصصنا؟ مقابل ماذا وهم عاجزون وعاجزاتٍ حتّى عن قول كلمة حق بشأن حقوق الإنسان في قطاع غزة.

زينب الغنيمي، من مدينة غزّة تحت القصف والعدوان

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير