فادي البرغوثي يكتب لوطن .. حماس بين الخطاب التقليدي والعصري

28.01.2024 03:06 PM

‎عرضت حركة حماس وثيقة جديدة سلطت فيها الضوء على تصوراتها ومبادئها والمبررات  التي دفعتها للقيام بعملية "طوفان الاقصى " ومجريات الأحداث والمطالبات الدولية لوقف العدوان.

وعلى ضوء قراءة الوثيقة حاولنا معرفة التغيرات والتطورات الجديدة الحاصلة على صعيد حركة حماس ووضع ملاحظات على الوثيقة من خلال عملية الربط بين الوثيقة مع الوثائق الأخرى الصادرة عنها والتركيز على الأشياء الجديدة، الأمر الذي يستدعي رصد التغيرات الجارية على صعيد  الحركة بطريقة موضوعية وحيادية كاملة وفيما يلي أبرز الملاحظات على الوثيقة حسب بنودها.

أولا: لماذا عملية" طوفان الأقصى".
أ‌-      ذكر في الوثيقة خطاب جديد وعصري، استخدم مصطلحات جديدة لم تكن بالأصل دارجة في خطاب حركة حماس السياسي، كمصطلح الفصل العنصري او استخدام التقارير والدراسات والإحصاءات الصادرة عن المنظمات الدولية والفلسطينية والاسرائيلية، مثل مؤسسات الامم المتحدة ولجان التحقيق والمحاكم الدولية ، ومنظمات حقوق الإنسان العالمية كمنظمة العفو الدولية كمرجع  لتأكيد روايتها وهو امر جديد على خطاب الحركة التي دائما لها روايتها الخاصة التي كانت تستند إليها.
ب‌-   اظهرت الحركة عدم تطبيق قرارات الامم ومجلس الامن الصادرة عنهما منذ النكبة وكذلك الفيتو الأمريكي والموقف الغربي والتحيز الكامل للولايات المتحدة الأمريكية للاحتلال.

هنا يجب التأكيد بان حركة حماس لها مواقف في هذه المنظمات بالأصل وهي لا تعترف بقراراتها واستخدامها لإظهار بان إسرائيل هي من تخترق القانون الدولي هو احد الأساليب الجديدة التي تظهر بان حماس ليس لديها مشكلة مع قرارات الشرعية الدولية والمشكلة تكمن في الاحتلال الذي لا يطبق القرارات.

ت‌-   ذكرت الوثيقة مسار التسوية وبالتحديد اتفاقية أوسلو وحمّلت فشلها للاحتلال، بل إنها ذكرت في صريح القول بان أوسلو التي كان يفترض ان يؤسس الى دولة فلسطينية مستقلة، لكن اجراءات الاحتلال من الاستيطان ومحاولة تهويد القدس والضفة الغربية هي حالت عدم تقدم هذا مسار التسوية، في حين ان حماس كانت تحمل السلطة مسؤولية التوقيع عن الاتفاقية وتعتبرها خطأ استراتيجي كبير.
ثانيا :- أحداث 7 أكتوبر والرد على الادعاءات والأكاذيب التي لفقها العدو.

أ‌-      ذكرت الوثيقة  بتجنب استهداف المدنيين وتم ملاحظة ذلك بشكل  واضح منذ عملية "طوفان الأقصى " في المعركة نفسها والعمليات التي حدثت في الضفة اثناء العدوان على غزة ، حيث بات واضحا ان حركة حماس تستهدف الجنود او المستوطنين في الضفة الغربية والتي قتالهم ينسجم مع قرارات الشرعية الدولية  مع محاولة عدم قتل الأطفال والنساء حتى بين المستوطنين، وقد قام القسام بنشر فيديوهات سابقا توضح كيف تعامل القسام بطريقة حسنة مع  كيبوتس (حوليت )في غلاف غزة او اعتراف الاعلام العبري في عمليات الضفة الغربية، وان العمليات ضد المستوطنين تجنبت الأطفال والنساء كما انها أوعزت الى ان الاخطاء التي حدثت في عملية طوفان الاقصى جاءت بسبب انهيار المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية مما أدى الى حدوث فوضى، بل ان من قتل عدد من المستوطنين المدنيين ، هي الشرطة الاسرائيلية او الجيش من خلال القصف بالطيران الذي استهدف كل من هو حي في المنطقة بما فيهم  كتائب القسام.
ومن يعرف تاريخ حركة حماس يعلم ان هذا الموضوع هو جديد من حيث الخطاب والممارسة الفعلية منذ تأسيس الجناح العسكري للحركة الذي تتعامل مع جميع دولة الاحتلال بنفس الميزان والاستهداف. 
ثالثا :- المطالبة بتحقيق دولي نزيه: عدا عن الخطاب العصري أيضا الذي ظهر في هذا البند، الا انه يجب الاشارة ان الذي انضم الى محكمة الجنايات الدولية هي دولة فلسطين المراقب غير العضو الذي تم الاعتراف بها عام 2012 بقرار من منظمة التحرير الفلسطينية، كما انها لم تذكر منظمة التحرير الفلسطينية التي قادت هذا التوجه وعوقبت على قرارها في حينه
-       قامت حركة حماس برمي الكرة مرة أخرى في الملعب الدولي والتأكيد على التقاعس عن تقديم واجباته والمطالبة بقيام محكمة الجنايات الدولية بفتح تحقيق نزيه وضرورة القدوم الى فلسطين لمشاهدة ما يحدث لمحاسبة قادة الاحتلال، مما يؤكد ان حركة حماس لا تركز على الأمور العسكرية فقط بل انها تركز على الإيمان بالعمل والنضال الدبلوماسي والسياسي وهو اهتمام جديد

رابعا:- تحت بند التذكير بما هي حماس :_
فإن هذا البند مهم جدا والذي يظهر تغيير جوهري في الحركة عن مسارها السابق وهو مستنبط من التغيرات التي قامت فيها الحركة بوثيقتها الجديدة عام 2017 والتي لم تذكر صلتها بالإخوان المسلمين، علما بأن ميثاق حركة حماس السابق يؤكد بانها احد فروع الإخوان المسلمين في العالم.       

كما ميزت الوثيقة ما بين اليهود كديانة وبين المشروع الصهيوني الذي جلب اليهود كمستوطنين وتبني إسرائيل الدعاوي الدينية والقومية والقمع ضد الشعب الفلسطيني وهو ايضا يختلف بشكل جذري عن ميثاق حماس الذي كان يركز على الخلاف العقائدي وعدم التمييز بين المشروع الصهيوني واليهود في فلسطين .

خامسا :- البند الذي يتعلق  بما هو مطلوب ، هنا يجب ان نرى ان حركة حماس تريد النضال بكافة السبل والأشكال بما فيها النضال السلمي وغير السلمي وأهم ما تريده في هذا المرحلة هو وقف العدوان على قطاع غزة فورا والعمل على معاقبة الاحتلال قانونيا، ودعم المقاومة ضد الاحتلال والمطالبة بتوقف الدول الكبرى عن دعم الاحتلال ورفض الوصاية وربط مصير قطاع غزة بالضفة ورفض التطبيع والدعوة لمقاطعة الاحتلال، ومن يتطلع الى المطالب يلاحظ انها صيغت بدقة متناهية ومطالب عادلة مما يؤكد انه يوجد تغيرات جديدة وأنها ليست بعيدة عن المجتمع الدولي المغيب عن خطابها سابقا .

تنويه: - بالمجمل، ان الوثيقة الجديدة تعبر عن تطور في الخطاب السياسي لدى الحركة والتي يمكن ان نطلق عليه وعي جاء بحكم التجربة التي اكتسبتها حركة حماس والذي يعبر عن نضج كبير في مخاطبة الحركة، كما أظهرت الوثيقة ايضا بان التعامل مع العدو لا يأتي بحسن النية معه بل بالنضال حيث انها ركزت وبررت فعل عملية طوفان الاقصى الذي أكدت بان الاحتلال هو الذي يتحمل المسؤولية عن الهجوم كما أظهرت الوثيقة انها حركة تحرر وطني وهو الأهم في هذه المرحلة من ناحيتين ؛
أ‌-      كون حركة حماس ليس لها ارتباطات ومحاور خارجية وإقليمية
ب‌-   ما تم الاشارة له في الوثيقة خصوصا اتفاقية أوسلو وتحميل الاحتلال عدم تطبيقها.
ان البندين السابقين يفتح امام فصائل منظمة التحرير وخصوصا حركة فتح لإعادة النقاش مع حركة حماس على ضوء التغيرات الجديدة فيها بانها حركة تحرر فلسطينية تحمل فكرا اسلاميا وفي نفس الوقت فان حركة فتح تجد ضرورة ان تقتنع بان الاحتلال لا يريد السلام بل انه يريد البقاء بل أكثر من ذلك فانه يريد اعادة النكبة مرة اخرى الامر الذي يمكن كسر الهوة ما بين الفصيلين لإنهاء الانقسام وبرنامج مشترك للجميع تقود المرحلة الخطيرة التي نمر فيها هذه الأيام.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير