اليوم الثامن بعد المائة لحرب الإبادة على غزة، 22 يناير 2024

زينب الغنيمي تكتب لوطن من غزة: الأمل يعود مجددًا بوقف هذا العدوان الهمجي

26.01.2024 11:00 AM

بعد انسحاب الجيش الصهيوني من قلب مدينة غزة باتجاه مواقع التموضع شرق المدينة وجنوبها، وعلى إثر الضجيج الإعلامي خلال الأيام الأخيرة والذي يدور حول المفاوضات من أجل اتفاقية هدنة طويلة الأمد نسبيًا بهدف تبادل الأسرى كما تريد حكومة الاحتلال الصهيوني، بدا للناس أنّ هناك بعض الأمل بانفراج الأزمة، فانتعشت الحياة قليلا في مدينة غزة وشمالها، وعادت بعض العائلات إلى منطقة غرب غزة، وامتد السوق الشعبي على طول شارع عمر المختار من وسط المدينة حتى البحر، حيث يمكن للمرء أن يجد الكثير من الأشياء على البسطات المنتشرة وبالتأكيد بأسعار مضاعفة عدة مرات.

لكن برغم ارتفاع الأسعار، فأصحاب الحاجة يسعون لشراء ما يلزمهم، والسوق يضمّ بضائع متنوّعة: الملابس بكلّ أنواعها؛ الداخلي والخارجي منها المستعمل والجديد، والمأكولات مثل الأجبان والمعلّبات، والأرز الذي ارتفع ثمنه، والزيوت، واللحم، والبهارات، والحبوب المجففة، والمكسرات المحمصة والنية، والحليب المجفف، والعصائر والمشروبات الغازية. كما يوجد باعة المأكولات الطازجة مثل مناقيش الزعتر والجبن والبيتزا، والحلويات. وتُباع أيضًا تشكيلة من الأدوات المنزلية والمنظّفات، وأدوات التجميل من الكريمات وصبغات الشعر، حتى الأدوية الصحيّة باتت متوفرة على البسطات.
كلّها على الأغلب بضائع خرجت من مخازنٍ نجت من القصف، أو محلّاتٍ طارت أبوابها أو حتى للأسف سُرقت ونُهبت مع فوضى العدوان وغياب أصحاب الحقوق وتغوّل الحاجة لدى الناس.

كما انتعشت الأسواق الفرعية في الأحياء الأخرى، ووصلت الخضروات الورقية من جباليا وبيت لاهيا للأسواق مثل الخبيزة والسلق والسبانخ والحماصيص، إضافة إلى الجزر والليمون وأصناف أخرى من الحمضيّات.

المُحاصرون والمُحاصرات في مدينة غزة وشمالها والذين تمكّنوا بأعجوبة من النجاة من الموت، باتوا يرغبون في تنحية آلامهم وأوجاعهم جانبًا، والبحث عما يُجدّد الأمل فيهم بالحياة ويُمكّنهم من استمرار العيش، في تحدٍّ للجوع والفقر والتشرد الذي فُرض عليهم بسبب هذا العدوان الصهيوني وتبعاته. فهم يعيشون على أمل إنهاء هذا الحصار وهذا العدوان، ومثلهم أيضًا من نزحوا إلى مناطق أخرى، ومن محافظةٍ إلى أخرى من الشمال حتى الجنوب، هاهم ينتظرون العودة بفارغ الصبر إلى بيوتهم أو ما بقي منها أو حتى أطلال تلك البيوت.

اليوم، بينما كنّا نستمع للأخبار واحتمال إنجاز اتفاق على هدنة، انقضى الوقت مع بنات وأبناء صديقتي وقريباتي بالاسترسال في أمنياتهنّ وأمنياتهم للمستقبل القريب، والحديث عن المدارس المُدمرة ومتى يمكن العودة للدراسة، وكيف يمكن ذلك؟ وأين تُراهم مدرسيهم ومعلماتهم الآن؟

كذلك تحدّثنا عن الجامعة والسنة الدراسية التي انتهى نصفها دون أن تبدأ حقًّا، وقال طالب السنة الأولى في كليّة الطب الذي قضى شهرًا واحدًا في الجامعة قبل بدء العدوان، هل سنضطرّ للدراسة عن بُعد؟ وهل الأساتذة كلّهم ما يزالون على قيد الحياة؟ وهل قسم كلية الطب مازال موجودًا أم تمّ تدميره مع ما تدمّر؟ كما قالت الشابة بحزنٍ، وهي التي كانت تنتظر استلام شهادة التخرج من الجامعة أن خالتها أكّدت لها أن أوراق القيود في الجامعات وأوراق التخرج تبعثرت مع القصف وأصبحت قراطيسًا يستخدمها باعة الفلافل والمناقيش على الطرقات.

أحلامٌ وأمنياتٌ مختلفةٌ ومعقّدة في نفس الوقت، وأسئلةٌ كثيرة نحاول نحن الكبار الإجابة على ما نستطيع منها، ولكن الحقيقة أننا نحن أيضًا بحاجة للتأكّد من معلوماتنا كل يومٍ بيومه، لأنّ هذا العدو في عدوانه الهمجي دمّر وما يزال يُدمّر كُلّ شيء ولا يترك بارقة أملٍ في نجاح أي اتفاق لإنهاء هذا العدوان نهائيًا، ومع ذلك مازلنا نجد أن على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة.

زينب الغنيمي، من مدينة غزّة تحت القصف والعدوان

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير