ملحمة فلسطين الكبرى... آياتٌ في الجهاد والمقاومة
كتب د. محمود الفطافطة: في هذه الأيام يُسطر الشعب الفلسطيني ملحمة متجددة من ملامح ثورته المتواصلة منذ قرنٍ وأزيد. في هذه الثورة التي بذل، ويبذل، فيها الفلسطيني النفس والنفيس من أجل تحرير أرضه، وحرية شعبه، من أبشع احتلال عرفته البشرية، يهتدي الإنسان الفلسطيني بآيات الله الكريمة التي تحض على الجهاد في سبيل الله، وفي سبيل تحرير الأوطان من رجس الطغاة، وظلم البغاة، ولعنة الغزاة.
إن الفلسطيني المؤمن بربه، والمخلص لدينه، والمنتمي لأمته ولشعبه ولأرضه، سيظل دستوره القرآن؛ ذلك الكتاب الذي ما أن تمسك به أحدٌ إلا وقد وجد ريح القوة، ورياح النصر. وها هو الشعب الفلسطيني يحارب هذا المحتل النازي، ومن خلفه الغرب المستعمر، وكثير من الأعراب المتصهينين، دون أن يكل أو ييأس. كيف له أن ييأس وربه الله، ودينه الإسلام ونبيه محمد! كيف يستسلم ودستوره كل آياته تدعو إلى القوة والتفاؤل والإرادة والعزة.
وعلى هذا الأساس، ارتأينا أن نسجل أهم الآيات القرآنية التي تحض على الجهاد والمقاومة لدحر المحتلين عن أرض المسلمين، مع الإشارة إلى أننا ربطنا تلك الآيات بما يجري في فلسطين من ملحمة ومعركة سيخلدها التاريخ والشعوب كثورة انتصرت على دولة لقيطة لم يجيد القائمين عليها إلا البطش والإبادة والدماء. دولة تتنفس بالدماء، ولن تزول إلا بالدم. وهذه الآيات هي التالي:
1. (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ (: فرض الله القتال، أي الجهاد، على المسلمين، حيث اعتبر معظم المفسرين الجهاد الركن السادس من أركان الإسلام. وللجهاد فضائلٌ عظيمة وكثيرة، منها: أن كل حركة من حركات المجاهد مكتوبة له من الأجر والثواب، وأنه أفضل من نوافل العبادات، وأنه سبب للحصول على رحمة الله ورضوانه، وكذلك هو سبب للفوز بمرتبة الشهادة التي جعل الله أصحابها في مصاف النبيين، وأنه سبب لدخول الجنة، والفلاح في الدنيا والآخرة، وتحقيق الإيمان، وأيضاً، يُعتبر الجهاد ضامناً لحفظ الحق وتمكينه ودفع الباطل.
وفي المقابل، وردت نصوص كثيرة تحذر من ترك الجهاد وتبين عواقب تركه وتصف الناكلين عنه بأقبح الأوصاف. إن ترك الجهاد سبب للهلاك في الدنيا والآخرة، أما هلاك الدنيا فبالذلة والاستعباد وتسلط الكفار عليهم، وأما هلاك الآخرة فمعلوم. كذلك، فترك الجهاد سبب لعذاب الله وبطشه، كما وأن تركه من صفات المنافقين، علاوة على ما يمثله من إفساد أهل الأرض بالقضاء على دينهم، قال تعالى:(ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ولكن الله ذو فضل على العالمين). واضافة لذلك، فترك الجهاد يفوت مصالح عظيمة وفضائل جمة منها الأجر والثواب والشهادة والمغنم والتربية ودفع شر الكفار وإذلالهم، ورفع شأن المسلمين وإعزازهم، وأيضاُ فإن ترك الجهاد قد يعرض لعقوبة عاجلة تنزل بالقاعدين عن الجهاد، وذلك مصداقاً لقول الرسول عليه السلام:" لئن تركتم الجهاد وأخذتم بأذناب البقر وتبايعتم بالعينة ليلزمنكم الله مذلة في رقابكم لا تنفك حتى تتوبوا إلى الله، وترجعوا إلى ما كنتم عليه". كما ويقول:" فمن ترك الجهاد ألبسه الله ذلاً وفقراً في معيشته، ومحقاً في دينه إن الله أعز أمتي بسنابك خيلها ومراكز رماحها". كذلك، ويقول الرسول عليه السلام في مناسبة أخرى: "أغزوا تورّثوا ابناءكم مجداً ". أما علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، فيقول:" إن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه، وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، وجنته الوثيقة، فمن تركه رغبة عنه ألبسه الله ثوب الذل وشمله البلاء، وديث بالصغار والقماء".
أما بخصوص ثمرات الجهاد وفوائده، فيمكن تلخيص أهمها في الآتي: كشف المنافقين، فإنهم في حال الرخاء لا يتميزون عن غيرهم فإذا جاءت الشدة والبأساء تبينوا للمؤمنين وانكشفوا؛ تمحيص المؤمنين من ذنوبهم؛ اتخاذ الشهداء منهم؛ محق الكافرين؛ تربية المؤمنين على الصبر والثبات والطاعة وبذل النفس والإيثار؛ دخول الناس في دين الله تعالى فإن كثيراً من الناس لا ينقادون للحق الذي لا تحميه قوة ولا يكون له بأس، وعامة الخلق ينفرون من الضعيف والضعف؛ محو الفساد من الأرض، لأنه إن لم يجاهد المسلمون المفسدين ارتفع منار الفساد وقويت شوكة المفسدين؛ سبب لرأب صدع المسلمين وتآلفهم وقلة خلافاتهم: إذ يكون جل همهم ملاحقة عدوهم ونشر دينهم ودعوة الناس إلى الله؛ كما أن من ثمرات الجهاد أنه سبب للهداية قال تعالى: (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا)، قال سفيان بن عيينة لابن المبارك: إذا رأيت الناس قد اختلفوا فعليك بالمجاهدين وأهل الثغور، فإن الله تعالى يقول: (لنهدينهم)؛ كما أن الجهاد سبب لاستمساك المسلمين بدينهم، وحرصهم على الحفاظ عليه، وذلك لأنهم بذلوا في سبيله الغالي والرخيص، فلا يمكن أن يفرطوا فيه أو يتهاونوا به.
2. (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ): في هذه الآية يشدد الله عز وجل على أهمية الوحدة والتعاضد في زمن القتال وكذلك في زمن السلم، لما لذلك من أهمية كبيرة في تقوية صف المؤمنين، وتفعيل شوكتهم ضد الكفار والمحتلين. وما أحوجنا، نحن الفلسطينيون، للوحدة السياسية والاجتماعية والنضالية، خاصة في ظل الظروف الصعبة والمفصلية التي يمر بها شعبنا وقضيتنا.
3. (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ). يُشدد الله سبحانه وتعالى على أهمية الاستعداد المادي للجهاد، إذ أن هذا المطلب لا يستقيم بدونه فعل الجهاد. فالعدو يستعد دوماً ويستبد، وما على المؤمن المقاوم إلا أن يكون، دوما،ً في حالة استعداد مادي ونفسي واجتماعي واقتصادي وثقافي لمواجهة المحتل الذي قد يكون عدده أكبر وعتاده أكثر مما لدى المسلمين، ولكن إرادة المسلم المؤمن وايمانه المطلق بنصر الله له يتيح له النصر والفوز.
4. (وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ): يبين الله سبحانه وتعالى أن أعظم ما يُقدمه المؤمن في سبيل الجهاد هو بذل روحه نفيسة لله وللوطن، وكذلك المال. فالإنسان، بطبيعته، يُولي أهمية مطلقة لهذين العنصرين (النفس والمال)، وقد يتراجع عن الجهاد أو يتكاسل في التوجه نحوه؛ لأنه يخاف الموت، أو يخشى الفقر، ولكن الله يبين للمؤمن المقدار العظيم والثواب الكبير لمن يبذل نفسه وماله في سبيل اعلاء كلمة الله، والتضحية من أجل تحرير الوطن من المغتصبين والكفار.
5. (ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ إِلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ وَبَاؤُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ): تبين هذه الآية الكريمة أن الله ضرب على اليهود الذلة والمهانة بما فعلوه من كفر بآيات الله وقتلهم للأنبياء، وفسادهم في الأرض. فالذي يقوم بهذه الكبائر المشينة ليس من الصعب أو المتعذر عليه أن يقتل ويطرد ويسلب الأرض وينهب الموارد، ويبيد أهلنا في فلسطين. هؤلاء اليهود الذي عصوا ربهم، واعتدوا على ما سواهم لا مكان لهم في أرضنا، وسينصرنا الله عليهم.
6. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ): يطلب منا الله في هذه الآية ألا نوالي أعدائنا، ونتقرب إليهم. فكيف لنا أن نقوم بمسالمتهم والتعاون معهم وهم الذين يحتلون أرضنا، ويسلبون خيراتنا، ويقتلون أبنائنا، ويعتقلون ويجرحون شبابنا، ويهدمون بيوتنا!! علينا أن نحارب هؤلاء الذين يكنون لنا العداوة والغدر والبغضاء، وما يخفونه ضدنا لهو أشدٌ وأقصى. ولذلك، علينا ألا نصالحهم، ولا نأمن جانبهم، وبالتالي يتوجب أن نحاربهم ونقاتلهم إذا احتلوا أرضنا.
7. (فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ): توضح هذه الآية أن الابتلاء للمؤمنين تقوية لإرادتهم، وتمحيص لإيمانهم؟ كذلك تبين الآية أهمية انتصار عقل المؤمن على رغبات النفس؛ لما لذلك من أهمية في الانتصار على العدو. كما أن الآية تؤكد أن الذين يساهمون في التغيير قلة، ويتضح ذلك من قوله تعالى:" فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ". ومن هنا، نؤكد أن القلة المؤمنة الواعية المنتمية هي التي تساهم في ثلاثية (التفسير، التنوير، التغيير)، وما على البقية إلا أن تساعدها، لا أن تحبطها.
8. (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ): يبين لنا الله عزو جل في هذه الآية أن العامل الرئيس في النصر هو الايمان ثم الاستعداد وإن كان العدد قليل، والتاريخ يثبت أن القلة المؤمنة تغلب الأعداد الكبيرة، شريطة الايمان المطلق، مع الاستعداد الجيد. وعلى هذا الأساس، يجب ألا نسمع لأولئك المثبطين الذين يروجون لادعاءات كاستحالة الانتصار على العدو لأننا أقل منهم عدداً وقوة. فلو كان ادعاءاتهم هذه صحيحة لما انتصرت الشعوب الواقعة تحت الاحتلال على مستعمريها.
9. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ): هذه الآية تؤكد على أهمية كل من الصبر، وهو أمر الله للمؤمنين أن يصبروا على مشاق الطاعات وما يصيبهم من الشدائد، وفي أمر ٍآخر هو " صابروا"، وهو الفعل الثاني وفيه أمرهم بمغالبة أعداء الله بالصبر على شدائد الحرب أكثر من صبر الأعداء. والفعل الثالث هو الرباط. وكفى أرض فلسطين بعد قدسيتها وبركتها وطهارتها أنها بلد الرباط، وما للرباط من أجرٍ وبركة. فمن صبر وصابر ورابط، فله النصر في الدنيا والفلاح بالجنة يوم القيامة، وإن شاء الله سنظل نقاوم ونصبر ونصابر ونرابط في أرضنا المقدسة حتى يزول الاحتلال المجرم.
10. (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ): هذا الأمر والطلب الرباني من المؤمنين أن يقاتلوا الكفار والظلمة، وأن يطاردوهم في كل مكان، لأن هؤلاء يقاتلون المؤمنين ويفسدون في الأرض، ويحاربون دين الله ويعتدون على أوليائه وعباده. ويبين الله أن الهدف من هذا القتال أهدافٍ عديدة، منها: قتالهم حتى لا تكون فتنة في الأرض، لقوله تعالى:" وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكونَ فِتْنَةٌ وَيَكونَ الدِّينُ لِلّهِ". وكذلك من أجل نيل الشهادة ورضا الله ونيل الوسيلة وهي مرتبة عليا من الجنة، حيث يقول تعالى:" يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ ٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱبْتَغُوٓا۟ إِلَيْهِ ٱلْوَسِيلَةَ وَجَٰهِدُوا۟ فِى سَبِيلِهِۦ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".
11. (يُدَبِّرُ الأَمْرَ): إن يقيننا بالله يحول دون دخولنا سراديب الشك والقلق. فكل ما يُريده الله يحدث، وما علينا إلا الاستسلام لقدرة وقدر الله ومشيئته. إن كل من يكون مُؤهلاً لذلك يرى في الألم والمرض والفقر وكافة صنوف المعاناة قدراً من الله، وكلما صبر المؤمن وشكر كلما تضاعف أجره يوم القيامة، وتخلص من هذه الشرور في دنياه.
12. (إِنَّ مَعَ العُسرِ يُسرًا): إن المؤمن إذا مر بصنوف المعاناة المختلفة، وأشكال العُسر المتعددة كلما أيقن أن ذلك لن يستمر. فوجود الاحتلال عسر بالطبع، وزواله هو اليسر، وهذا هو يقين المؤمن. إن العسر زائل، وإن اليسر هو الثبات بعد الصبر والايمان واليقين.
13. (فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ): إن ايماننا بالله هو اليقين. فالله عز وجل لن يترك محبيه وأوليائه. إن المؤمنين المجاهدين الذين يحاربون أعداء الله موقنون بأن الله لن يتركهم لهؤلاء القتلة، وبالتالي يكونون مطمئنين لنصر الله وإن لاقوا الكثير من الدم والدموع والآلام. على المؤمن أن يكون لديه يقين مطلق بأن خيرَ الله قادم لا محالة.
14. (لا تقنطوا من رحمة الله): إن رحمة الله للمؤمنين قطعية، وعلى المؤمن أن يدرك ذلك، ويرضى بذلك. قد تتأخر تلك الرحمة لأمرٍ يريده الله، وبالتالي فعلى المؤمن ألا ييأس من قدوم الرحمة، أو يصيبه السخط أو الضجر أو الشكوى. على المؤمن أن يتعود على التواصي بالخير والحق، لا أن يصيبه داء الشكوى، والتذمر واليأس. إن الله هو الرحيم والرحمن، وأرحم على الطفل من أمه.
15. (وفي السماء رزقكم وما توعدون): قد تعتري الإنسان حينٌ من الدهر لحظات تتسرب إلى نفسه القلق على الرزق، والخوف من الفقر، خاصة في ظل الظروف الصعبة كالنزاعات الداخلية، والحروب، والكوارث، وما شابه. في هذه الآية يذكرنا الله، بل ويؤكد لنا أن رزقنا مقسوم ومحتوم، وما علينا إلا أن نجتهد ونعمل. علينا أن نتوكل على الله في الرزق، لا أن نتواكل ونطلب منه الرزق؛ إذ يقول: "فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ".
16. (قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا): تؤكد لنا هذه الآية أنه لن يصيبنا إلا ما قدَّره الله علينا وكتبه في اللوح المحفوظ، هو ناصرنا على أعدائنا، وعلى الله وحده الاعتماد والثقة، وهو الذي يبعث لنا مؤمنين بالله، ومقاومين مخلصين لوطنهم ولشعبهم يعملون على مقاومة المحتل للتخلص منه وزواله. في زمن الحروب والصراعات قد يخشى الإنسان الموت أو الاعتقال أو الإصابة، وبالتالي قد يراوده عدم المشاركة في المقاومة والجهاد حرصاً على السلامة. هذا الحرص لا ينفع أبداً مع ما قدره الله للإنسان، فكل ما يصيبنا مكتوبٌ لنا، فقد نكون في بيوتنا ونُقتل، وقد نكون في ميدان المعارك والمواجهة ونسلم من القتل أو الاعتقال والاصابة.
17. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ): إن الصبر والصلاة عاملان مهمان جداً في الاستعانة في زمن المعاناة والألم. فالصبر لا نتيجة له إلا الظفر، والصلاة لا نتيجة لها إلا الخير والطمأنينة والتسليم بما قدره الله علينا. عندما نقرأ هذه الآية الكريمة نتذكر قول امام المفسرين الشيخ الشعراوي رحمه الله عندما قال: "حذاري أن تملّ من الصبر؛ فلو شاء الله لحقق لك مرادك في طرفة عين، هو لا تخفى عليه دموع رجائك ولا زفرات همك، هو لا يعجزه إصلاح حالك وذاتك لكنه يحب السائلين بإلحاح.. أليس هو القائل "إنِي جزيتهم اليوم بما صبروا".
18. (أَتَىٰ أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ): لا تستبق الأحداث اتريد اجهاض الحمل قبل تمامه؟ وقطف الثمر قبل النضج؟ إن الله كتب على المؤمنين الدفاع عن أوطانهم ودينهم. فالشعب الفلسطيني، ومنذ أن احتل الأغيار أرضه وهو يدافع عنها دون أن يمل أو يستسلم. فهذه الأرض المقدسة والمباركة تلفظ كل ظالم ومحتل. إنها الأرض التي لا يُعمر فيها ظالم… إنها فلسطين: أرض المنشر والمحشر…أرض الأقصى والمسرى. أرض الرباط والطائفة المنصورة… إنها أرض الخلافة والأنبياء والشهداء ومهد الحضارات والديانات. لا مساومة مع المحتل، بل مقاومته والتصدي له… لا مناص للاحتلال إلا الرحيل عن أرضنا أو الاندثار في باطنها مثلما جرى مع كل المستعمرين والغزاة الذين جاؤوا من أقاصي الدنيا ليعيثوا دماراً وهلاكاً بأرض فلسطين وشعبها. فماذا كان مصير كل من الروم والإغريق والفرس والصليبيين والتتار ونابليون والإنكليز والكثير مما سواهم. لقد كان مصيرهم الهزيمة في أرض فلسطين؛ إما فراراً وإما هزيمة وقتلاً وعاراً. إن الحل الوحيد لقضية فلسطين يكمن في زوال الاحتلال عن كامل تراب أرضنا من النهر إلى النهر… لا مقايضة على الحق، ولا نسيان للحق. ودوماً، الحمد لله الذي أسكننا الأرض المباركة المقدسة أرض فلسطين؛ الأرض التي ستبقى لنا وفينا ومنا إلى يوم الدين.
19. (ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما): أيها المؤمن الصابر والمدافع عن دينك ووطنك وشعبك مهما تألمت فبك في ذلك الأجر والثواب. ففي دنياك النصر والتمكين، وفي آخرتك الخلود في الجنة. في المقابل، فإن الكافر والمحتل والقاتل يتألم مثلك، بل وأكثر. فهو يتألم بسبب ما تلحقه به من خسارة في الأموال والأرواح، وهو يخسر الثقة بنفسه لأنه محتل وغاصب، وهو يخسر الخسارة الكبرى المتمثلة بالهزيمة والزوال.
20. (إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ): ما أجمله من بيع، وما أعظمه من ربح. إن الله يشتري ممن خلقه واصطفاه للخير وللخلافة في الأرض نفسه وماله. فنفسه النفيسة يُضحي بها المؤمن برضا وطمأنينة من أجل الجهاد في سبيل الله والدفاع عن دين الله وحرماته وأرضه. أما بشأن المال، فالمؤمن يدافع عن أهل الحق، وعن الجهاد، من خلال ما يقدمه من مالٍ يساهم في تقوية مقومات الجهاد وضمان استمراريته وتحقيق أهدافه.
21. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ): في زمن الصراعات والحروب والكوارث البشرية والبيئية تتكاثر الاشاعات وتصبح ركناً أساسياً في حياة البشرية، وعنواناً دائماً لألسنة الناس وخططهم. وما تكاد الصراعات تشتعل، إلا وتشتعل بالتلازم معها الاشاعات الكاذبة التي هدفها إشاعة الفتنة، وتثبيط عزائم أهل الجهاد والمقاومة. إن الذين يصنعون هذه الاشاعات هدفهم خبيث وخطير جداً، وفي حال لم يُدرك أهل المقاومة ذلك فإن خطراً مستطيراً سيلحق بهم وبقضاياهم. إن الاشاعات الكاذبة لا تقل خطراً من سهام العدو؛ لذلك على الناس جميعاً، أن يتبينوا من المعلومات التي يستقونها، وأن لا يكونوا قطيعاً؛ يُسلمون لهذا القول، أو يستسلمون لتك المعلومة بسرعةٍ أو بدون تدبر أو تمحيص. إنّ سوء الظنّ في غير محلّه من أكثر القرارات ندامةً، إذ ينطوي على مخاطرة عظيمة، فلطالما هدَمَ علاقاتٍ وأواصرَ متينةً تستحقّ الحفظَ والصون، وكثيرًا ما يكون هدمها غير قابل للترميم وإعادة البناء... إنّه من الخطايا التي لا يمحو آثارَها الندم... فإيّاكم وسوء الظنّ.
22. (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ): إن المؤمن المظلوم الذي يتعرض إلى أبشع أنواع القهر والاضطهاد والتضييق والتجويع من قبل أعداء الله عليه أن يكون على يقينٍ مطلق بأن الله سينصره. كما وعليه أن يكون في حالة يقين تام بأن دعائه الخالص لله سيكون العون له من الخلاص من هذا العدو والغاصب لأرضه ولحقوقه. ما على المؤمن إلا أن يكون صادقاً مع الله، مخلصاً له، وموقناً بنصر الله لقضيته.
23. (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ): إن الإنسان قد يقع له شيء من الأقدار المؤلمة، والمصائب الموجعة، التي تكرهها نفسه، فربما جزع، أو أصابه الحزن، وظن أن ذلك المقدور هو الضربة القاضية، والفاجعة المهلكة، لآماله وحياته، فإذا بذلك المقدور منحة في ثوب محنة، وعطية في رداء بلية، وفوائد لأقوام ظنوها مصائب، وكم أتى نفع الإنسان من حيث لا يحتسب.
والعكس صحيح: فكم من إنسان سعى في شيءٍ ظاهره خيرٌ، وأهطع إليه، واستمات في سبيل الحصول عليه، وبذل الغالي والنفيس من أجل الوصول إليه، فإذا بالأمر يأتي على خلاف ما يريد، وهذا هو معنى القاعدة القرآنية التي تضمنتها هذه الآية باختصار. إن الخير دوماً من الله، وإن الشر دوماً من الإنسان، وما على المؤمن أن يُدرك دوماً بأنه في حال أصابه الشر والألم فعليه أن يصبر وله الأجر، وإن أصابه الخير فعليه أن يشكر وله الأجر كذلك.
24. (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ): جاء في الأثر: من خاف الله خوف الله منه كل شيء. فبئس العبد الذي يخاف من عبدٍ ولا يخاف من رب العباد. المؤمن القوي، صاحب الحق لقضاياه، والمخلص لها لا يخاف لومة لائم؛ فإن أقدم شخص أو مجموعة أو دولة أو سوى ذلك على تخويفه وترهيبه فعليه ألا يستسلم لذلك. كيف للمؤمن أن يخاف وهو الذي يستمسك بحبل الله القوي المتين؟ كيف للمؤمن أن يخاف من البشر وقد ملأ الله قلبه بالإيمان واليقين والشجاعة؟ قد يُصيب المؤمن الخوف الفطري، وهذا ما لا يمكن لأحدٍ من البشر رده، ولكن الخوف هنا هو ذلك الجبن الذي به يرتعد الإنسان أمام غيره من البشر. إن المؤمن الحقيقي هو الذي إذا تنادى الكثيرين لتخويفه قال لهم: لن أخافكم أبداً، بل الخوف فقط من ربي القدير القهار. لن أخافكم قط، بل إن ايماني بقضيتي سيزداد، ولن يصيبني إلا ما كتبه الله لي. ورحم الله إمامنا الكبير الشافعي عندما سُئل: من هو الإنسان، فأجاب: هو صاحب العفة والشجاعة.
25. (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ، فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ، فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ، إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ): أيها المقاوم المؤمن، عليك ان تقرأ التاريخ جيداً!! ألم تقرأ قصص عاد وثمود وفرعون وسواهم من الأقوام الذين طغوا، ورأوا في أنفسهم بأنهم أكبر من الخالق، وبعضهم أباد الكثيرين لأنهم قالوا بوجود خالق!! ألم تقرأ أن هؤلاء الطواغيت قد أذلهم الله شر ذلة، وبقوا إلى يوم القيامة عبرة لمن لا يعتبر! أيها المقاوم المؤمن: إن حديث الله عن هؤلاء المجرمين والملحدين والمشركين واذلالهم يمنحك اليقين والطمأنينة، بأن الله ناصرك على مثلهم وهم اليهود، هؤلاء القتلة لشعبك، والمغتصبين لأرضك، ستكون نهايتهم كنهاية هؤلاء، بل وأشد قسوة إن شاء الله.
26. (حَتَّىٰٓ إِذَا ٱسْتَيْـَٔسَ ٱلرُّسُلُ وَظَنُّوٓاْ أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ جَآءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّىَ مَن نَّشَآءُ ۖ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْمُجْرِمِينَ): أيها المقاوم المؤمن: إن لك في الأنبياء والرسل لعبرة عظيمة. هؤلاء الأنبياء الذين اصطفاهم الله من بقية خلقه، وكرمهم بالنبوة والرسالة قد تعرضوا إلى الكثير من المعاناة والشقاء على أيدي المشركين والكافرين، ولكن في النهاية انتصر الله لأنبيائه ولرسالته. إن هذا الأمر يستوجب منك أيها المقاوم المؤمن أن تكون في يقين تام بأن الله سينصر مقاومتك وشعبك وقضيتك، ولكن ما عليك إلا أن تصبر، وإياك أن تيأس من نصر الله، وفي النهاية سيحيق بالظالم دوائر الهزيمة.
27. (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ (9) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ): أيها المؤمن المقاوم: عليك بالقين المطلق أن الله سيحارب معك، ولن يتركك للأعداء يستفردون بك. ولكن عليك أن تكون مؤمناً بالله، مُخلصاً له في عملك وهدفك. وعليك كذلك، أن تلتزم بشروط وقوانين النصر وهي: (وما النصر إلا من عند الله)؛ أي عليك أن تكون في يقينٍ تام بأن النصر فقط من الله، لا من الشرق ولا من الغرب، لا من دولةٍ هنا، ولا من مجموعة أو جماعة هناك وسواهما. والقانون الثاني: (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين)؛ أي عليك أيها المقاوم المؤمن أن تُدرك بأن النصر حتمي لك وهو حق للمؤمن المخلص لله، وما عليك إلا الايمان بذلك، والعمل من أجل تحقيقه. والقانون الثالث: (إن تنصروا الله ينصركم)؛ أي أيها المقاوم المؤمن عليك أن تنصر الله بنصر نفسك بالخير والايمان. إن الله لا يحتاج منا أن ننصره، فهو غني عنا وعن العالمين، ولكن المطلوب أن ننصر قضايانا بالعدل، وأن ندافع عن المظلومين بعدالةٍ وحق، وألا نترك للأعداء مجالاً يظلموننا بالقتل والسلب والإساءة إلى ديننا.
28. (ولَيُمَكِّنَنَّ لَهم دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهم ولَيُبَدِّلَنَّهم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمْنًا): أيها المقاوم المؤمن عليك باليقين أن الله سيمكن لك في الأرض طالما تقوم بما يستوجبه منك الله. عليك أن تنصر دينه، وتدافع عن رسوله، وعن أرضك المغتصبة، وعن المظلومين الذين طُردوا من أرضهم، وأحل العدو سلب أرضهم وقتلهم. عليك أيها المقاوم أن تكون على قدر المسؤولية الكبرى وهي الخلافة في الأرض. عليك أن تكون من أهل الولاء والبراء. الولاء للمؤمنين، والبراء من المنافقين والكافرين والمشركين والمجرمين. إذا قمت بذلك، فيقيناً أن الله سيمكن لك وينصرك، ويعلي من شأنك.
ولن نذوق لذَّة التَّمكين حتى نذوقَ مرارةَ الخوفِ والألم وشدَّة اللَّأواء، ثمَّ يستقرُّ التَّمكين كما وعدَ الله ولن يخلف الله وعده. اقرؤوا عن الفتوحِ الإسلاميَّة، وانظروا كيف كانت المآسي والشَّدائد قبلها. وقد سأل رجل إمامنا الخالد الشافعي فقال: يا أبا عبد الله، أيما أفضل للرجل أن يُمكن أو يُبتلى؟ فقال الشافعي: لا يمكن حتى يُبتلى.
29. ("وَجَعَلْنَا مِنۢ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَٰهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ"): أيها المقاوم المؤمن عليك أن تكون على يقين أن الله معك، في سكناتك وحركاتك، في قولك وفعلك، وأن الله سيحرصك من الغدر، ويؤمنك من الظالمين والمحتلين. إن الله سيجعل من أبصار هؤلاء القتلة معتمة، وقلوبهم سوداء مقفلة، وما عليك إلا أن تكون ثابتاً على الحق، مدافعاً عن أهل الحق، وصادحاً بكلمة الحق.
30. (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً): إن في هذه الآية الكريمة طمأنينة للمؤمن، وصاحب الحق. إنها من الآيات القرآنية التي تُريح نفس المقاوم والثائر صاحب العدل والعدالة، وتؤكد له أن الله سينصره، وأن عدوه سيحيق به الذل والهزيمة مثلما جرى لأقوامٍ ظالمة؛ طغت واستبدت على مر الزمان لتكون عاقبتها البوار، ونهايتها الانهيار والنسيان.
31. (فَسَيَكفيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّميعُ العَليمُ): إن الله سيحمي عباده المؤمنين الصالحين الذين يجاهدون في سبيله، ومن أجل اعلاء كلمته، وكلمة أهل الحق المظلومين في الأرض. إن الله كفيل بالقضاء على الباطل وأهله، وبالتالي أعطى وعداً أنه سيكفل أهل الحق وحمايتهم من الكافرين القتلة.
32. (لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ ۚ بَأْسُهُم بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ ۚ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّىٰ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ): هذه الآية تجسد واقع اليهود المحتلين لفلسطين، حيث أنهم لا يقاتلوننا إلا وهم في دباباتهم التي يدمرها المقاومين، أو من وراء الجدران، أو من فوق آلاف الأمتار في السماء. هؤلاء المحتلون يعتقدون أنهم محصنون في مستعمراتهم التي أقاموها على أرض شعبنا الفلسطيني؛ معتقدين أن فيها الأمان والأمن؛ ليجدوا أن يد المقاومة تصل إليهم وتزهق أرواحهم، وما ملحمة طوفان الأقصى إلا الدليل الأكبر والأوضح لذلك. هؤلاء القتلة المغتصبين لأرضنا نفوسهم مريضة، ومجرمة، والعداوة بينهم متواصلة، ولكنهم لا يظهرونها عندما يحاربوننا، ولكن في الحقيقة هذه العداوة مشتعلة بينهم، خاصة بين من هو يهودي شرقي وغربي، أو بين من هو ديني وعلماني، وغيرها من الصراعات الاثنية في داخل هذا المجتمع الممزق في هويته المزيفة والمخترعة.
33. (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ): إن الغرب الذي يساعد دولة الاحتلال ويشاركها في إبادة شعبنا، سيما الدولة المارقة أميركا، والغرب العنصري الاستعماري، ينفقون وسينفقون الأموال الطائلة لصالح إسرائيل، من خلال المساعدات والهبات المالية، أو من خلال تزويدها بالأسلحة الفتاكة التي تبيد أهلنا في القطاع والضفة. هؤلاء الكفار الذين يسيئون إلى الله ورسوله ودينه وأمته لن يجنوا إلا البوار والهزيمة. هؤلاء سينفقون ما يقدمونه ليكون حسرة عليهم في دنياهم وآخرتهم.
34. (سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ): مهما طغى الظالم، وتجاوز الحدود فلا بد من نهاية بشعة له: إنه القتل أو الفرار... إنها الهزيمة والفضيحة والذل. لقد فسد وأفسد الاحتلال الصهيوني في بلادنا: لقد احتل الوطن، وطرد أهله، وأقام عليه دولته اللقيطة، واستولى على الموارد، وسلب الخيرات، وقتل الأبناء، واعتقل الأحرار، وجرح البواسل، وحاصر العمران، وأذل الإنسان. كل ذلك لن يكون مقطوع الثمن، بل حسابه كبير في الدنيا، وذلك على أيدي الأحرار والحرائر. الأحرار يسفكون دمه، والحرائر ينجبن الثوار الذين رضعوا حليب الشجاعة والكرامة والفداء.
35. (هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۖ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ): هذه الآية نزلت في المنافقين الذي خطرهم قد يكون أشد من الكفار والظالمين. فهم العدو فعلاً. الظالم والمحتل تعرفه جيداً، وبالتالي تستعد لمحاربته، أما هذا المنافق الذي يبطن عكس ما يظهر تكون طعنته عميقة، بل وقاضية أحياناً. إن المنافقين خطر داهم يصيب الأمم، وقد ابتلينا بهم، نحن الفلسطينيون، سواءً من خلال العملاء الشياطين، أو من خلال الذين يحاربوننا عبر التنسيق مع المحتل، أو من خلال الذين يدعون أنهم عرباً وما هم إلا أعراباً ومنافقين ومطبعين وخونة. هؤلاء المنافقين الذي وصفهم الرسول الأعظم بالتالي: "إن للمنافقين علامات يعرفون بها: تحيتهم لعنة، وطعامهم نهبة، وغنيمتهم غلول، ولا يقربون المساجد إلا هجرا، ولا يأتون الصلاة إلا دبرا، مستكبرين لا يألفون ولا يؤلفون، خشب بالليل، صخب بالنهار ".
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء