مرونة "إيران البطولية" والعصا الإسرائيلية..د.أحمد جميل عزم

01.10.2013 11:59 AM
رفع المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، التوقعات بخطابه قبل نحو أسبوعين، عن "المرونة البطولية". وهو مصطلح استخدمه سابقاً في حديثه عن المزيد من الدبلوماسية والهدوء والمرونة في السياسة الخارجية، من دون تقديم تنازلات كبرى. كانت ردة الفعل مرحبة داخل إيران، وارتفعت قيمة العملة الإيرانية على وقع التصريحات.
يرد الإسرائيليون بمحاولة احتواء هذه المبادرة، خصوصاً بعد خطاب وزيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى نيويورك الأسبوع الماضي، والتي أعقبها اتصال هاتفي تاريخي معه من قبل الرئيس الأميركي باراك أوباما.

يُذكّر حديث خامنئي ومكالمة أوباما بخطوات تدّثرت برداء المرونة وغيّرت مسار التاريخ. إذ تُذكّر، مثلا، بزيارة الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون إلى الصين العام 1972 (بعد أشهر من زيارة سرية قام بها مستشاره للأمن القومي هنري كيسنجر، لبكين)، مُنهيا قطيعة دامت ربع قرن. كانت تلك المرونة المفاجئة بداية تغير كبير في الساحة الدولية، وتأكيدا لابتعاد الصين الشيوعية عن الشيوعيين السوفييت. وتذكر هذه المرونة بعبارة الرئيس المصري الأسبق أنور السادات، في 9 تشرين الثاني (نوفمبر) 1977، عندما قال في مجلس الشعب المصري، بحضور الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وتصفيقه: "ستدهش إسرائيل حينما تسمعني الآن أقول أمامكم، إنني مستعد أن أذهب إلى بيتهم، إلى الكنيست ذاته". وكانت هذه العبارة فاتحة اتفاقية السلام الإسرائيلية-المصرية. كما تذكر هذه المقولات بحديث ياسر عرفات نهاية الثمانينيات عن "هجوم السلام الفلسطيني" الذي قاد إلى اتفاقيات أوسلو.

تصريحات خامنئي وروحاني قد تكون مقدمة لتغيير كبير، وقد لا تكون. ربما تريد طهران من العالم والغرب أن يتعايش مع "ديمقراطية إسلامية" بالمقاييس الإيرانية، كما يتعايش مع صين شيوعية، تتبنى إلى حد كبير الليبرالية التجارية والاقتصادية خارجيّا. ومن حوافز إيران لذلك، التخلص من الحصار الاقتصادي، ومحاولة التوصل لتسويات مع واشنطن بشأن ملفات إقليمية مثل الحليف السوري، وفتح الباب للاعتراف الأميركي بطهران قوة إقليمية كبرى، على أن تتجه نحو الاعتدال وتقليص أفكار تصدير الثورة. وذلك بعد أن اتضح أنّ الأميركيين منفتحون على حلول وسط، ويخشون تغييرا سريعا لنظام بشار الأسد.

توتر الإسرائيليون من التصريحات الإيرانية، ومن خطاب روحاني في الأمم المتحدة، وإعلانه للموقف الإيراني التقليدي بأنّ "السلاح النووي لا مكان له في عقيدة الأمن القومي الإيراني"، وأّنّه يمكن حل الخلافات مع الغرب. وكذلك تصريح أوباما في خطابه في الأمم المتحدة أنّ واشنطن لا تستهدف تغيير النظام في إيران، وأنّ علاقة البلدين ستكون مختلفة إذا سُويّ الخلاف النووي. ويزعم وزراء إسرائيليون أنّ إيران بعيدة ستة أشهر فقط عن قنبلة نووية، ويُعتقد أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، سيركز في خطابه (المقرر أمس) على خطورة تقبل الابتسامات الإيرانية. وبحسب تقارير إعلامية، سيقدم نتنياهو للأميركيين معلومات استخباراتية ترفع درجة القلق من مشروع طهران النووي. وما سيطالب به نتنياهو عمليّا سيكون عدم التعايش مع أي مشروع نووي إيراني، وأن تقوم أي تسوية على أساس تفكيك هذا المشروع وإفراغه من محتواه.

الزعم الإسرائيلي، والذي قد لا يكون خطأ تماما، هو أنّ الإيرانيين يشترون وقتاً لإتمام مشروعهم النووي، وربما لتقليص الحصار. ولكن من أهم مؤشرات نجاح الانفتاح سيكون وصول طهران وواشنطن لتفاهمات بشأن سورية. وقد سبق للطرفين أن توصلا لتفاهمات ضمنية أو علنية بشأن العراق وأفغانستان. ثم، إلى أي مدى توجد آلية حقيقية يمكن للإيرانيين تقديمها للأميركيين لتأكيد سلميّة مشروعهم النووي؟ وما هي الإغراءات السياسية في سورية وغيرها التي قد يجري تقديمها من قبل الطرفين لبعضهما، بما يساعد طهران على التراجع نوويا، وربما تغري واشنطن بتعايش مم نوع ما مع إيران نووية (غير عسكرية)، ولكن أقل ميلا لتصدير الثورة، ولتعطيل المصالح الأميركية، ولكن مع مكانة إقليمية أكبر؟
قد يكون ما يجري دبلوماسية ومناورة من الطرفين؛ طهران لكسب الوقت، وواشنطن تعطي فرصة لطهران ستساعد، في حال عدم التوصل إلى تفاهم، على حشد تأييد دولي لخطوات واشنطن المستقبلية باعتبارها منحت إيران كل الفرص. ولكن قد يكون ما يجري مدخل نظام إقليمي جديد، رغم العصا التي يريد الإسرائيليون وضعها في الدولاب.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير