الكاتب محمود ابو الهيجا يناقش وينتقد مقال 'ثَمَرُ فلسطين ..وفوضى البلد ..هي فوضى'
29.09.2013 01:26 PM

في المقالة الاخيرة هذه التي نناقشها هنا ، يقفز السيد جهاد حرب عن طبيعة القيم الاجتماعية السائدة وخاصة ذات المحتوى العقائدي، والتي تجعل غالبا من قتل المرأة على خلفية الشرف، عنوانا للرجولة وحتى النزاهة والبطولة ...!!!
ألا يردد الكثير منا حتى اللحظة : لا يسلم الشرف الرفيع من الاذى حتى يراق على جوانبه الدم ...!!
اليس المجتمع ما زال مؤمنا ومصدقا لما بين يديه من مفاهيم وقيم تقول : ان ( قطرة الدم ) تلك هي عنوان العفة والشرف فأذا ما سقطت في غير موعدها ومكانها المباركين برضى المجتمع وقيمه واعرافه وتقاليده، تنزل أمره، بالقتل والذبح وكأنه أمر سماوي لا يقبل الطعن او الرد او الحوار، ليعيد لقطرة الدم معانيها الاجتماعية المقدسة ...!! لا يناقش السيد حرب هذه القيم ولا يتعرض لها بالنقد، ولا يبحث في اصولها وتاريخها الذي لم يبدأ بالقطع مع قيام السلطة الوطنية، بل انه لا يقربها ولا بأي نوع من انواع الكلام ...!!!
وبكلمات اخرى لا يرى السيد جهاد حرب جريمة قتل النساء على خلفية الشرف معضلة اجتماعية ضاربة الجذور في القيم والمفاهيم معا، لا يرى فيها نوعا من الهندسة الاجتماعية التي لا يعرف المجتمع ذاته خارجها، لا يرى ذلك، ولعله اذا كان يستطيع هذه الرؤية، فانه لا يريدها ليذهب دائما الى غايته السياسية في نقد السلطة الوطنية، بل هو هنا في مقالته الاخيرة هذه يلمح ان السلطة الوطنية بسياساتها ليست مقصرة فحسب وانما يرجع لها سبب " التحلل المجتمعي والانهيار القيمي في المجتمع الفلسطيني " وهو يربط في ختام مقالته على نحو مخاتل بين جريمة قتل ثمر زيدان وازمة جامعة بير زيت، مشيرا الى ما بينهما من " انحدار اللغة " بين الشرطة والمتظاهرين المعترضين على المفاوضات " دون ان يرجع هذا الانحدار الى اصحابه من بعض اهل اليسار من رواد الكافتيريات الحداثوية والتي لا يرى فيها السيد جهاد حرب ايضا نوعا من الخراب الاجتماعي....!!! الاخطر في المنهج التحليلي عند السيد حرب ليس غاياته السياسية، وانما انتقائيته التي تطيح بالرؤية الموضوعية والعلمية حتى انه يرى ان القوانين( التي لا تصدرها السلطة الوطنية ..!!) قادرة على تغيير الثقافة المجتمعية السائدة ...!!
والحق ان القوانين قد تساعد في عملية التغيير وفق شروط موضوعية صارمة، اهمها بالنسبة لنا الحرية والسيادة وبمعنى الخلاص من الاحتلال اولا، ثم ان التغيير في هذا السياق يتطلب سيادة ثقافة الانتاج، بكل تجلياتها العملية في مختلف مؤسسات المجتمع، الرسمية وغير الرسمية، لا ثقافة الاستهلاك بسلوكياتها المنحطة، وبوسعنا القول دون خشية من خطل في الرؤية والتقدير، انه ما من قوانين قادرة على التغيير، دون مراكمات معرفية، خلاقة وثورية، في بنية القيم والمفاهيم الاجتماعية، سنتفق مع السيد جهاد حرب ان ما هو سائد في اللحظة الراهنة هي الفوضى(...!!) لكنها في الواقع فوضى الكلام وانفلاته الديمقراطي ان صح التعبير، الذي لا علاقة له بحرية التعبير، وبعض فوضى الكلام هو هذا الذي لا يرى عادة من الكأس غير نصفه الفارغ بقصدية التأزيم والتثبيط، مثلما لا يرى ان امر السياسة يظل دائما مرتبطا بموازين القوى .
ملاحظة اخير : وأد البنات الذي حرم من الف واربعمائة سنة، لا علاقة له بجرائم قتل النساء على خلفية الشرف، هو بعض تجليات الثقافة الذكورية التي تحط من قدر النساء وقيمتهن الانسانية ، لكن هذه الجرائم هي تجليات ثقافة مجتمعية نرى الكثير من النساء انفسهن يدافعن عنها .ولهذا نقول ان التغيير بحاجة الى عملية اجتماعية كبرى، هي ليست مهمة السلطة الوطنية وحدها .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء