الأصولية والعلمانية: من يدعمهما؟ - أحمد جميل عزم

26.09.2013 11:17 AM
مشھدان مصرياّن يعكسان حقیقة أنّ الإسلامیین يصبحون أحیانا قوة دافعة باتجاه العلمانیة، فیما خصومھم يعززون، من حیث لا يدركون، الأصولیة:
إذ استقبل طلبة مؤيدون للرئیس المصري المُنَتخَب المُعَتَقل محمد مرسي، المفتي المصري، علي جمعة، لدى حضوره لمناقشة أطروحة جامعیة في جامعة القاھرة، مستخدمین أقذع السباب، لا باسم المفتي الشخصي، بل بموقعه الديني الرسمي؛ فكان الھتاف "يا مفتي يا ابن (...) الشھدا جوا القلب". بعد ذلك بساعات، أعُلن بقرار قضائي مصري حل جماعة الإخوان المسلمین، وحظر نشاطھا ومصادرة ممتلكاتھا.

يساھم الإسلامیون بدون قصد في إثبات ضرورة فصل "رجال" الدين عن السیاسة؛ سواء كان ھؤلاء أصحاب مواقع دينیة رسمیة في مشیخیات الأزھر والإفتاء، أم من يدّعون بحق أو بدون حق أنھّم علماء، وذلك من خلال التباين الشديد حد العداوة بین ھؤلاء ومعھم أتباعھم. ولا يتوقف الأمر عند ما قد يراه البعض تباينا بین نوعین من العلماء؛ فیعتقدون أنّ ھناك "علماء السلاطین" وباقي العلماء، إذ يسھل في حالة جُمعة تصنیفه أنهّ من الفريق الأول. كما لا يتوقف الأمر عند تباينات الجماعات الإسلامیة؛ من سلفیة، وإخوان، وتحرير، لا يتعايشون، خصوصا إذا وصل أحدھم الحكم، ولكن الصراع يقوم داخل الفريق الواحد. فمنذ مطلع التسعینیات، عاش العالم حالات تباين شديد وخصومة بین إسلامیین لھم اتصال بعالم السیاسة. انقسم العلماء بحدة بشأن التدخل 1991 .

وفي مثال آخر، كان حسن الترابي، القیادي الإخواني السوداني / الأجنبي في حرب الخلیج العام 1990 في الماضي، البطل الملھم لكثیر من الشباب الإسلامي حول العالم، باعتباره قائد نموذج الحكم والدولة الإسلامیین. ولكن الترابي نفسه سُجن في السودان في سیاق خلافات الإسلامیین أنفسھم، وناله سخط الإسلامیین لفتاوى مثل جواز زواج المسلمة من غیر المسلم. وساھمت تجارب حكم الإسلامیین، بدءا من إيران، إلى أفغانستان، إلى السودان، وحتى مصر، في تراجع جاذبیة المشروع الإسلامي. فمثلا، في إيران، تمنع أعداد تصل إلى ما يزيد على 1700 شخص، من خوض الانتخابات البرلمانیة، منھم رجال دين، يمنعھم رجال الدين في ھیئة تشخیص مصلحة النظام. كما لم يحقق الإسلامیون نجاحات تنموية تذكر، وإيران مثال
على ذلك. وفي حالات مثل السودان، لم يجر الحفاظ على وحدة أراضي البلاد. وفي مصر، لم يستطع الإسلامیون تمییز أنفسھم عن غیرھم في ملفات مثل فلسطین؛ فمنحوا رجل اتفاقیات السلام مع إسرائیل أنور السادات، وساما،ً وقّدموا التطمین تلو الآخر بشأن إسرائیل، للأمیركیین. وتباينت مواقف فروع التنظیم الإسلامي الواحد من بلد لآخر في القضیة ذاتھا، ما أثبت أن الاعتبارات السیاسیة والوطنیة ھي الأساس، ولا يوجد حكم شرعي جامع مانع.

فمثلا، أيد "إخوان" العراق تغییر نظام صّدام حسین بالقوة، ورفض باقي الإخوان ذلك. ويؤيد "إخوان" سورية الأمر نفسه بالنسبة لنظام بشار الأسد، ويرفض إخوان الأردن. ھم من برھنوا إذن أنّ السیاسة واعتباراتھا والاجتھادات فیھا، ھي الأساس.

على أنّ مصدر القوة الأكبر للإسلامیین، عدا عن جاذبیة وسلطان الخطاب الديني، كان دائما الشعور الشعبي بأنھم مظلومون، وملاحقون، وبأنّ لديھم مشروع إنقاذ يحاربه العلمانیون كرھا منھم للدين، أو لمصالح خاصة. وإذا كان يمكن الافتراض أنّ تجربة الحكم ودخول الإسلامیین له في فلسطین (تحت الاحتلال)، ومصر، وتونس، من شأنھا وضع مشاريع النھضة ووعود الإسلام السیاسي على المحك، فإنّ استعجال خصومھم العلمانیین، ومعھم أحیانا إسلامیون آخرون، التصدي لھم بتجییش الشارع، وبالانقلابات العسكرية، أو برفض أذرع النظام القديم التعاون مع الحكام الجدد، وكل ھذا تحت شعار أنّ ھناك عملیات "أخونة" وتمكین للإسلامیین لیمنعوا تداول السلطة مجددا، ولیمنعوا غیرھم من العمل السیاسي، يؤدي عملیا إلى عودة الإسلامیین لمواقع يستطیعون فیھا زعم "المظلومیة" مجددا،ً وأنھّم لم يأخذوا حقھم في التجربة، ولم يتركوھم لینجحوا وينھضوا ولیقاتلوا إسرائیل.

يبدو المشھد كما يلي: تجربة الإسلامیین وتحولاتھم ھي التي تحمل بذور الضعف لفكرة إعطاء رجل الدين (ولا نقول الدين) دورا سیاسیا. بینما استعجال خصومھم، ولجوئھم للقضاء العنیف على الإسلامیین، ھو الذي يوفر بذور استمرار ھذه الجماعات، وربما اتجاھھا نحو مزيد من الأصولیة ورفض التعددية، والعنف.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير