"إسرائيل" لا تسرق مياهنا النقية فحسب بل أيضًا مياهنا العادمة وتخصم أجرة معالجتها

10.09.2023 01:37 PM

وطن- جبريل محمد

إثر اتفاق أوسلو عام 1993 وفي مفاوضات المرحلة الانتقالية، شُكّلت لجنة إسرائيلية فلسطينية مشتركة للمياه والصرف الصحي بموجب (البند 40) من الملحق الثالث "بروتوكول التعاون الاقتصادي" سنة 1995، وبحسب الاتفاقية، فإن اللجنة المشتركة تتعامل مع مشاريع المياه من شبكات وخزانات وحفر آبار وصرف صحي في الضفة الغربية، سواء الفلسطينية أم تلك المرتبطة بالمستعمرات، وتخضع لإشراف لجنة الشؤون المدنية العليا، وتتكون من لجان فرعية، هي "لجنة الأسعار، ولجنة الصرف الصحي، واللجنة العلمية وتبادل الخبرات، ولجنة التزود ومشاريع المياه، ولجنة الآبار، ولجنة الطوارئ".

لكن كل بنود الاتفاقات لم تُطبّق تطبيقًا ناجعًا، فمنذ تشكيلها تعاني اللجنة فرض الاحتلال لشروطه وقدرته على توجيه قراراتها، خصوصاً أن قراراتها مرتبطة بموافقة "الإدارة المدنية الإسرائيلية"، وقد ظهر أن سلطة المياه الفلسطينية وافقت على جميع الطلبات الإسرائيلية الخاصة بمنشآت إمدادات المياه الجديدة لمستعمرات الضفة، في مقابل الموافقة على 37% من طلبات الفلسطينيين في الفترة ( 1995-2009 ) كما يورد الباحث عبد الرحمن التميمي، وحصول الفلسطينيين منذ عام 1993 على إذن واحد من الاحتلال بحفر بئر في الحوض الغربي، واعتراض الاحتلال على كل طلب فلسطيني يتعلق بالآبار الجديدة في الحوض الغربي للخزان الجبلي الجوفي، وتأخيره الموافقة على تطبيقات أُخرى مدة تصل إلى ثمانية أعوام.

هذا عن المياه النقية، فيما شُكّلت لجنة فرعية لبحث شؤون الصرف الصحي، عُرفت بــ "لجنة المجاري"، التي عانت جراء عرقلة العمل بسبب سياسات الاحتلال المستفيد من تدفق المياه العادمة نصف المعالجة عبر الوديان في الضفة الغربية إلى داخل المناطق المحتلة عام 1948، حيث يعيد معالجتها بنسبة 90% وأكثر ليُعاد استخدامها لري المزروعات الإسرائيلية.
ومع أن الدول المانحة تكفلّت بتغطية جميع نفقات معالجة المياه العادمة، وذلك بإنشاء المعامل في الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أنه لم يُنشأ سوى عدد محدود من المعامل في البيرة وأريحا وجنين ونابلس.

هذه المحطات لا تُصان على النحو المطلوب ولا تُستغل المياه المستخلصة منها للأغراض الزراعية الفلسطينية، بل تُضخ المياه إلى الوديان المؤدية إلى داخل "إسرائيل".

وتُقدّر كمية المياه التي يتخلص منها الفلسطينيون في الوقت الحالي بأكثر من 56 مليون متر مكعب سنوياً، منها 4 مليون متر مكعب سنوياً تُعالج في محطات فلسطينية، ونحو 14 مليون متر مكعب تُعالج في محطات إسرائيلية والباقي يلوث المياه الجوفية والبيئة.
لم يطور الفلسطينيون مشاريع معالجة المياه العادمة، مع أن دولاً ومؤسسات كثيرة وعلى رأسها ألمانيا واليابان والبنك الدولي أعربت عن رغبتها في تخصيص أموال كثيرة لإنشاء محطات حيوية كتلك.
هذا مع أن برامج اللجنة المائية المشتركة المصادق عليها موجودة أصلاً لمعالجة المياه العادمة في نابلس، وطولكرم، وجنين، وسلفيت، ورام الله، والخليل، ووسط قطاع غزة.

ليس هناك تقدم نوعي لدى الفلسطينيين في مجال معالجة مياه المجاري، فعلى سبيل المثال أصبح وادي الخليل مجرى للمياه العادمة يصل الى وادي بئر السبع، فيما تتدفق مجاري نابلس من الجهة الغربية نحو السهل الساحلي ومثلها مجاري طولكرم.
تشير الوقائع إلى أن "الإسرائيليين" كانوا وما زالوا ينتهكون إدارة قطاع المياه والصرف الصحي حتى في المراحل المختلفة للمفاوضات، ومع أن السلطة الفلسطينية وضعت مخططات وإستراتيجيات خاصة بالمياه العادمة ومعالجتها، إلا أنها اصطدمت بالرفض الإسرائيلي، وذلك بتعليق وإعاقة تنفيذ المشاريع المتصلة بالمياه والصرف الصحي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.
وكان من المفترض إقامة محطة لمعالجة المياه العادمة في منطقة وادي المطوي ضمن حدود مدينة سلفيت، غير أن العراقيل والشروط التي وضعها الاحتلال حالت دون نجاح المشروع. 

واشترطت "إسرائيل" للموافقة وإعطاء الترخيص اللازم لإقامة المحطة في منطقة "ج" أن يكون المشروع مشتركًا مع المستوطنات لمعالجة مياهها العادمة، وعليه رفض الفلسطينيون مقترحها لأن ذلك يعد محاولة لشرعنة وجود المستوطنات الإسرائيلية.
كذلك هو الحال في منطقة بيت لحم والقدس فيما يتصل بالمياه العادمة المتدفقة في وادي النار، إذ يرغب الإسرائيليون بإقامة المحطة في منطقة "النبي موسى" وذلك لمعالجة المياه العادمة الناتجة عن المستوطنات المقامة في منطقة القدس، كما أن سلطات الاحتلال رفضت الطلب الفلسطيني بمعالجة مياه طولكرم، وأصرّت على نقل المياه العادمة إلى ما وراء "الخط الأخضر" لمعالجتها هناك، والاستفادة من المياه المعالجة للزراعة.

فيما تخصم "إسرائيل" شيكلاً واحدًا عن كل متر مكعب من المياه العادمة من ميزانية السلطة. 

وتجدر الإشارة هنا إلى أن "إسرائيل" علّقت وجمّدت حوالي 150 مشروعاً في مجال تحسين خدمات البنية التحتية الأساسية، وفي مقدمتها خدمات المياه والصرف الصحي للتجمعات السكانية الفلسطينية، بسبب عدم موافقة "إسرائيل" على تلك المشاريع لأسباب أمنية.
في حين لا تحتاج مشاريع المياه الإسرائيلية للمستوطنات في المناطق الفلسطينية إلى أي موافقة، حيث احتفظت
"إسرائيل" بمسئوليتها عن شبكات المياه والصرف في مستوطنات الضفة الغربية في أثناء "الفترة الانتقالية"، وبهذا فإن سلطة الاحتلال تقتطع ما يزيد على 110 مليون شيقل سنويًا من موازنة السلطة بذريعة تدفق المياه العادمة، حسب تصريح رئيس سلطة المياه الفلسطينية مازن غنيم.

هل هناك خطة فلسطينية للحفاظ على مياهنا بأيدينا؟
رغم وجود خطط طموحة على الورق، إلا أن الواقع لا يشير إلى عملية تنفيذ جدية لهذه الخطط سواء بسبب نقص التمويل الخارجي لهذه الخطط والمشاريع أم بسبب تأخر أولوية الحفاظ على المياه داخل الضفة والقطاع بين أولويات أخرى.
تشیر معلومات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني إلى أن 61٪ من الأسر الفلسطينية تعیش في تجمعات تتوفر فیها خدمات الصرف الصحي (92٪ في غزة و41٪ في الضفة الغربية)، وفي المناطق الحدودیة في الضفة الغربية، ترتبط بعض القرى الفلسطینیة بنظم معالجة میاه الصرف الصحي الإسرائیلیة.

هذه الأرقام تشمل عديد المخيمات في الضفة والقطاع التي تتوافر فيها خدمات الصرف الصحي، بتمويل ومسؤولية وكالة الغوث؛ فإذا ما حُذفت المخيمات من التجمعات السكانية المرتبطة بخدمات الصرف الصحي، نجد أن النسبة المرتبطة بهذه الخدمات ستقل كثيرًا، على سبيل المثال، أريحا لا تمتلك أي شبكة للصرف الصحي وكذلك طوباس، ومعظم القرى في مختلف المحافظات؛ حيث تفيد الخطة الإستراتيجية أن  النسبة المئوية للسكان الذين یعیشون في المناطق التي تشتمل على خدمات الصرف الصحي منخفضة، خصوصًا في المناطق الریفیة، وبعض المناطق الحضریة الكبيرة، مثل أربحا وطوباس.
وعمومًا، تعد هذه المعدلات أقل بكثیر في الضفة الغربیة (41٪ من مجموع سكان الضفة تصلهم خدمات الصرف الصحي) عمّا هي علیه في قطاع غزة (92%).

ووفقاً لمسحٍ أجرته سلطة المیاه الفلسطینیة، یستفید حوالي 46٪ فقط من إجمالي سكان الضفة والقطاع من شبكات الصرف الصحي، بینما تُصرّف میاه الصرف الصحي للجزء الباقي مـن السـكان فـي البالوعـات، والمصـارف المفتوحـة، وخزانـات الصـرف الصـحي.

ویعـد إجمـالي طاقـة محطـات معالجـة میـاه الصـرف الصـحي أكثـر محدودیـة بكثیـرٍ فـي الضـفة الغربیـة؛ إذ تمتلـك محطـات معالجـة میـاه الصرف الصحي الخمسة طاقة إجمالیة تبلـغ 12000 متـر مكعـب/ يوم (=4.4 ملیـون متـر مكعب/ سـنة) ومـع ذلك هناك محطتان خارج الخدمة؛ وبالتالي تعد طاقة المعالجة الفعلیة لمیاه الصرف الصحي الناجمة عن نظام الصرف الصحي أقل بنسبة 10٪.
"فـي الوضـع الحـالي، تواجـه سـلطة المیـاه الفلسـطینیة ومقـدمو الخـدمات في البلديات والمجالس القروية عـدداً مـن المعیقــات الإضــافیة المرتبطـة بـالاحتلال العســكري الإسرائیلي (الصعوبات والقیود المفروضة على الوصول إلى الأراضي ومصادر المیاه، والتأخیر غیر الطبیعي، والصعوبات في استیراد المعدات، وغیر ذلك)، كذلك معیقات تتصل بالسماح بإنشاء محطات معالجة میاه الصرف الصحي، خصوصًا في المنطقة "ج".

ونظرًا لهذه المعيقات والقیود، تنطوي خطة التنفیذ قصیرة المدى فقط على الاسـتثمارات، وإدارة المصـادر المائیـة والإجـراءات التـي یمكـن الانتهاء منها في غضون الوضع السیاسي الراهن (مع أخذ القیود المرتبطة بالاحتلال العسكري في الاعتبار).

هذا ما تقوله الخطة الإستراتيجية لسلطة المياه، بمعنى أنها تمتلك خططًا طويلة المدى مرهونة بموافقات الاحتلال العسكري، الذي لا يسمح بتطوير هذا القطاع لأنه يستعيد المياه إلى اقتصاده، وبعد أن ندفع ثمن معالجته لها، حيث يقول التقرير: "وحالمـا تُـزال هـذه القیـود، فإنه سیُعاد النظر في خطة التنفیذ، وتحدیثها لتتناسب مع الإستراتيجية طویلة المدى".

هذه هي سياسة الاحتلال التي تبسط قوتها ليس فقط على مياهنا السطحية والجوفية، وإنما على مياهنا العادمة أيضًا، يقابلها عجز السلطة عن إقامة مشاريع لمنع استفادة الاحتلال من مياهنا العادمة، وقبولها بدفع "خاوة" له، لقاء معالجته لمياهنا العادمة التي يستفيد منها في زراعته.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير