د. عقل أبو قرع يكتب لوطن.. العدالة البيئية والمناخية وقمة دبي العالمية للمناخ

05.09.2023 01:20 PM

 تتواصل المشاورات واللقاءات تحضيرا لعقد قمة المناخ العالمية الدورية في مدينة دبي في شهر كانون الاول القادم، ومن الواضح من النقاشات ومن المداخلات والتصريحات حتى الان، عدم وجود اتفاق أو تفاهم بين المشاركين وبالتحديد بين الدول الغنية والدول الفقيرة، بالأساس حول تطبيق مبدأ "العدالة البيئية والمناخية"، أي حول تعويض ممن أحدث وما زال يلحق الضرر بهذا الكون من خلال التلوث البيئي ومواصلة استخدام الوقود الأحفوري وهي الدول الغنية أو المتقدمة.


  التي من المفترض ان تعوض الدول الفقيرة أي دول العالم الثالث أو النامية، والتي ورغم انها لا تساهم الا بالقليل في التلوث والتداعيات البيئية، ولكنها الأكثر تأثرا بالتداعيات الخطيرة للتغيرات المناخية في العالم، وتبعاتها المدمرة على مختلف جوانب الحياة، من تصحر وفيضانات وتقلب الطقس وامراض واوبئة وتداعي الامن الغذائي وشحة المياه وتدني جودتها وما الى ذلك من اثار نشهدها بشكل واضح في حياتنا هذه الايام.

وتقوم فلسفة العدالة البيئية او المناخية على أساس حق افراد المجتمع، او الناس، وبغض النظر عن الموقع او عن الجنس او الدين او العرق او عن المستوى الاجتماعي او المادي، بالتمتع بالعيش وبممارسة النشاطات، في بيئة صحية ونظيفة وخالية من التلوث والأضرار والمعيقات، وفي وضعنا الفلسطيني، يعني ذلك في المناطق المحتلة، سواء اكانت القريبة من المستوطنات او من نشاطات الاحتلال او تلك البعيدة والمقيدة او المحكومة بممارسات الاحتلال، والتي تستنزف مصادرنا الطبيعية وتدمر النظام البيئي الذي اعتدنا عليه.

وبشكل اعمق، او اكثر تفصيلا، بات مفهوم العدالة البيئية مرتبطا ارتباطاً وثيقاً بالعدالة الاجتماعية وبحقوق الانسان، حيث ان عدم المساواة في الحقوق البيئية ينتج أساساً عن تفاوت القوى الاجتماعية و السياسية والاقتصادية، وبالأخص بسبب تباين القوة بين الأغنياء والفقراء حيث يلاحظ أن الأغنياء في العالم يستهلكون و يستنزفون الموارد الرخيصة التي يقدمها الفقراء وفى حين أن المجتمعات الفقيرة تتحول الى أماكن لدفن المخلفات الخطرة للصناعات الملوثة للبيئة  وهناك على كل المستويات أمثلة عديدة لمظالم  بيئية تحتاج إلى البحث والمناقشة في محاولة لتصحيحها أو تقليل آثارها المدمرة، واوضاعنا البيئية الفلسطينية، تحت الاستيطان والاحتلال بسبب ممارساته، يمكن ان تعكس هذه الصورة، من الظلم البيئي ومن استنزاف المصادر ومن تلويث البيئة، وبالتالي من غياب للعدالة البيئية.
حيث ما زال الاحتلال، وبالأخص المستوطنات الاسرائيلية تساهم بشكل او باخر في تلويث وتحطيم البيئة الفلسطينية، وما زلنا نسمع عن مجاري المستوطنات والمياه العادمة سواء كانت مكررة او غير مكررة، تصب في قرى سلفيت وبيت لحم والخليل ورام الله، وما زال الاستيطان يعيق عمل مكبات النفايات كما حدث لمدينة البيرة، او حتى يحد من استعمال مكبات نفايات جديدة، كما يحدث في منطقتي الخليل وبيت لحم، وما زالت مصانع "جيشوري" الإسرائيلية الكيميائية في منطقة طولكرم تلوث البيئة، وما لذلك من تداعيات قصيرة وبعيدة المدى، ومتواصلة على البيئة الفلسطينية وعلى صحة الناس، وبالإضافة الى ذلك، شوهت المستوطنات المناظر والتواصل الطبيعي الذي يربط الأراضي الفلسطينية، وادى بناؤها وتوسعها الى الاخلال بالتنوع الحيوي في فلسطين، من نباتات وحيوانات برية وطيور
ويكتسب مفهوم العدالة البيئية او المناخية أهمية خاصة هذه الايام، في ظل التغيرات المناخية العنيفة التي تعصف بالكرة الارضية، وفي ظل التحضير لقمة المناخ العالمية في دبي، والتي في العادة يشارك فيها ممثلي حوالي 200 دوله، ومن بينهم عدد كبير من الرؤساء ورؤساء الحكومات والوزراء والخبراء والباحثين، وتحظى بتغطية وزخم اعلامي هائل. 

وفي ظل دق ناقوس الخطر الحقيقي من  الصورة القاتمة التي وصلت اليها الارض وما تحويه من نظام بيئي، بسبب تعمق وتفاقم وتواصل النشاطات البشرية التي ما زالت تساهم في التلوث بأنواعه، وبالأخص تلوث الهواء، ومن ثم الاحتباس الحراري وتشكل ما بات يعرف ب غازات الدفيئة، وانعكاسات ذلك من خلال ارتفاع درجة حرارة الارض الكبير والمستدام  خلال السنوات الماضية، وتضاؤل كمية الامطار، والتصحر أي عدم القدرة على زراعة التربة أو المحاصيل أو الجفاف وتهديد التنوع الحيوي، وتفشي الآفات المختلفة ومنها الجديدة، وما يمكن أن يجر ذلك من كوارث لم يعتدها نظامنا البيئي من قبل.
والعدالة المناخية أو البيئية غائبه منذ زمن، وربما بدون ظهور أثار ملموسة مثل ما نلحظ هذه الايام، ونحن نعرف أن قمة المناخ في دبي هذا العام، لن تكون القمة الأخيرة أو الاجتماع الأخير الذي يناقش المناخ والنظام البيئي، حيث  عقدت قبلها قمم عالمية ناقشت المناخ، وشارك فيها ممثلو معظم دول العالم، ومن بينهم عدد كبير من الرؤساء ورؤساء الحكومات، وتم التركيز خلالها على عرض الأدلة والبيانات ونتائج الأبحاث التي قام ويقوم بها المختصين والباحثين، سواء أكانوا يتبعون مراكز أبحاث مستقلة أو هيئات أكاديمية، أو حكومات أو هيئات دولية ومنها ما يتبع منظمة الامم المتحدة، بتخصصاتها وبرامجها المختلفة، ورغم ذلك لم تجد قراراتها الطريق الى التطبيق العملي. 
ومع الانتهاء من انعقاد قمة المناخ هذا العام في مدينة دبي، ومع دق ناقوس الخطر الحقيقي لكوكب الأرض، ومع تواصل غياب العدالة المناخية في هذا العالم، فأن مفهوم العدالة المناخية ينطبق كذلك علينا في فلسطين، ورغم اننا لسنا بالبلد الصناعي او الزراعي ذو التأثير الملموس على البيئة والمناخ في العالم، الا اننا اصبحنا نتأثر بما يقوم به الآخرون في العالم، وبسبب البقعة الجغرافية الضيقة عندنا، والمصادر الطبيعية المحدودة، والتنافس الشرس على هذه المصادر، فقد يكون هذا التأثير علينا  كبيرا وملموسا  وبدأنا نلمس آثاره في مجالات المياه والإنتاج الغذائي والجفاف والتصحر وتراكم النفايات وانتشار الآفات واستخدام المواد الكيميائية، والتي من الواضح انها سوف تزداد وتتعمق خلال المدى المنظور في ظل تواصل غياب العدالة البيئية والمناخية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير