الألعاب النارية وإطلاق الرصاص "عُرف مجتمعي" يكلّف الفلسطينيين صحتهم واقتصادهم و20 مليون شيكل سنوياً ولا عقوبات رادعة
وطن- عبد الباسط خلف
لا يختلف اثنان على أن المفرقعات والألعاب النارية وإطلاق الرصاص في الهواء باتت تشكّل ظاهرة خطرة، فهي تشارك الفلسطينيين أفراحهم، وقد تقلبها أحزانًا، كما تستنزف جيوبهم، وتؤدي إلى انعكاسات صحية لا يُحمد عقباها.
وتؤكد وزارة الاقتصاد الوطني في أرقام صدرت حديثًا، أن 20 مليون شيكل سنوياً تُنفق على شراء الألعاب النارية، إذ تُهرّب عبر المستوطنات، وتسبّب حروقاً شديدة، أو بترًا للأطراف، وربما تفقأ العيون.
في التقرير التالي تلقي "آفاق البيئة والتنمية" الضوء على هذه الظاهرة، على وقع نتائج الثانوية العامة وحفلات التخرج والأعراس، التي يقول مختص في علم الاجتماع إنه من الصعب جدًا وقفها؛ لأنها تحولّت إلى "عُرف مجتمعي"، كما تحاور مسؤولي الضابطة الجمركية والشرطة والاقتصاد الوطني.
ضحايا
يقول المتحدث بلسان الشرطة العقيد لؤي ارزيقات إن ستة أشخاص أُصيبوا في نابلس، وبيت لحم، وقلقيلية، والخليل خلال الاحتفالات بنتائج الثانوية العامة في 20 يوليو/ تموز الماضي.
ووفق ارزيقات، فقد أصيب شاب (19عامًا) من محافظة نابلس بعيار ناري في الظهر، في أثناء تواجده على سطح منزله، وآخر يبلغ (22 عاماً) بُترت أصابع يده اليسرى عند إطلاقه للألعاب النارية.
وأضاف أن مواطناً من الخليل أصيبت عينه اليسرى، وشابًا من محافظة بيت لحم، وآخر من قلقيلية أصيبا في يدهما، في أثناء إطلاقهم للألعاب النارية.
وأكد المتحدث بلسان الشرطة، إلقاء القبض على 20 شخصًا وإحالتهم للنيابة في عدة محافظات لإطلاقهم الألعاب النارية والرصاص، وتجاوزهم القانون وقت الاحتفالات.
وأشار إلى ضبط 13 حاملة ألعاب نارية وكميات من المفرقعات، والتحفظ على مسوقّيها ومُطلقيها، وضبط مركبتين لقيام سائقيها بــ "إقلاق الراحة العامة".
هذا السلوك تكرر وأدى إلى نشوب حريق في شقة في كفر عقب بسبب الألعاب النارية، وأخمده الدفاع المدني.
وناشد ارزيقات المواطنين بعدم إطلاق النار، والابتعاد عن استخدام الألعاب النارية لما لها من خطورة عليهم وعلى أبنائهم.
ضبط 8 آلاف مكعب مفرقعات
من جهته، يقول المقدم إبراهيم عيّاش مدير العلاقات العامة والإعلام في الضابطة الجمركية، إن ما ينظم "عمل الضابطة" في التعامل مع المفرقعات قرار مجلس الوزراء رقم (26) لعام 2004، الذي ينصّ على "منع استيراد لعب المفرقعات النارية ومسدسات الهواء أو الاتجار بها، واتخاذ الإجراءات المناسبة لوقف منح رخص استيرادها"، وكذلك "قانون المفرقعات الأردني" الصادر عام 1953.
وبموجب القرار والقانون فإن استخدام المفرقعات ممنوع تمامًا، وبالتالي يمكن للشرطة إلقاء القبض على مطلقيها، حسب قوله، مستدركًا حديثه: "لكن إجراء كهذا يمكن أن يشكّل قضية رأي عام، ويحتاج إلى أعداد كبيرة من قوى الأمن للسيطرة على هذه الظاهرة في مناسبة إعلان نتائج الثانوية العامة".
وأوضح عياش أن الأمر ينطبق على إطلاق النار في الأفراح والمناسبات، إذ لا يمكن أن يصبح اعتقال العريس وعائلته مثلًا إجراء دائمًا، وإنما يُنفّذ ذلك جزئيًا.
واستطاعت "الضابطة" الوصول إلى 8 آلاف مكعب مفرقعات منذ مطلع عام 2023 وحتى منتصف تموز.
ووفق المقدم عياش، فإن أسعار الألعاب النارية "متذبذبة" حسب الأوقات، والمواسم، والمواقع وقربها من المستوطنات أو وجودها في المناطق المسماة (ج)، إذ ترتفع ليلة إعلان نتائج التوجيهي مثلًا، وقد ذكرت وزارة الاقتصاد الوطني أن حجم الإنفاق السنوي عليها بلغ 20 مليون شيقل، فيما ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أن الفلسطينيين أنفقوا 50 مليون شيقل في صيف 2022.
ويشير إلى أن "الضابطة" تتابع طوال العام ملف المفرقعات، والأهم مسألة تصنيعها داخل المستوطنات، خاصة "بركان" القديمة غربي محافظة سلفيت، وهي مُصنّعة فقط للسوق الفلسطيني، وتشكّل 90% من المتوفر فيه، بينما تُهرّب البقية من الصين ودول أخرى بطرق غير مشروعة، إذ لا يوجد سجل تجاري لأي مستورد لها، "ويقدم الاحتلال تسهيلات لإدخالها لأنها مخصّصة لأسواقنا".
وأفاد في السياق نفسه، أن الاتجار بالمفرقعات يتم بـ "التهريب" من شخص لآخر، فتُسوّق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولا تُباع بعد تعقّب مصادرها إلا عبر "وسيطٍ ثقة بين تجارها" في سوق المفرقعات، وتُسلّم خارج مناطق (أ).
"ماذا عن الإجراءات التي تتخذها "الضابطة الجمركية" في حق من يتاجرون بها؟" عن هذا السؤال أجاب: "ننفّذ عمليات استدراج للمروّجين، كما ننشط في "مجهود استخباري" للوصول إلى المصدر وضبطه، وفي حال تم ذلك تُحرّر محاضر ضبط مع "وزارة الاقتصاد الوطني" ويُسلّم المروجون للشرطة، ثم النيابة العامة، ووحدة الجرائم الاقتصادية، وهناك أحكام تصل لشهرين ولا تتعدى العامين، وغرامات تحتاج لأن تكون أكثر صرامة للحد من اتساع رقعة الظاهرة".
وتبذل الضابطة جهدًا توعويًا مشتركًا مع الأجهزة الأمنية للحد من تداول المفرقعات، الأمر الذي يصطدم "بثقافة مجتمعية" تؤمن "أن الألعاب النارية وسيلة للتعبير عن الفرح الذي لا يتم من دونها" يقول عياش.
وأكد تراجع هذه الظاهرة في الصيف الحالي إلى النصف، خاصة في المدن، جراء ضبط كميات كبيرة من المفرقعات، مضيفًا: "تنشر الضابطة عادة تقريراً سنويًا يرصد حجم المضبوطات، على أي حال، جهودنا تراكمية ونسعى لتعزيزها سنويًا حتى نحدّ تمامًا من ظاهرة تنتشر أيضًا في الدول المجاورة".
واقترح عياش تشكيل لجان شبابية تجمع الأموال التي تذهب للألعاب النارية قُبيل إعلان نتائج الثانوية العامة، على أن تضعها في صندوق للطالب الجامعي المحتاج، بدلًا من حرقها، والبدء بتوجيه مناشدات لمساعدة غير القادرين على إتمام تعليمهم.
وأكد أن "الاستخبارات" ترصد إطلاق بعض أفراد الأجهزة الأمنية للنار في المناسبات، وتقدم المشاركين فيها للمحاكم العسكرية.
مرض اجتماعي
بدوره، عزا د. أسعد تفّال رئيس قسم الخدمة الاجتماعية في جامعة النجاح الوطنية، الاحتفال بإطلاق المفرقعات إلى رغبة المجتمع في التعبير عن الفرح، موضحًا: "لقد أصبح على ما يبدو نوعًا من التفريغ النفسي والاجتماعي والهروب من الواقع أحيانًا، جراء حالة الكبت التي يعيشها، لا سيما مع افتقارنا لمظاهر الفرح في حياتنا".
وأكد أن ربط الفرح بالمفرقعات يعبّر عن "مرض اجتماعي"، يستند إلى فكرة ربط الابتهاج بالصوت ولفت أنظار أكبر عدد من الناس، "بل إن المفرقعات أصبحت أحيانًا أهم من النجاح نفسه، إذ يمكن التنازل أحيانًا عن بعض مظاهر الاحتفال، في حين أن التنازل عن الألعاب النارية ليس واردًا" يقول د. تفّال.
ويضيف في حديثه مع مراسل "آفاق البيئة والتنمية": "بعض الناس لا يرون في الألعاب النارية خطورة أو أن تكلفتها عقبة، فقد يلجؤون إلى الاستدانة من أجلها، ولا يتوقف الأمر عند إصابة مطلقيها بعاهات دائمة، أو فقدان أطرافهم وعيونهم فحسب؛ بل فيه أيضًا إشارة واضحة لحالة مشوهّة في المنظومة الاجتماعية، والرغبة في التعبير عن عقدة نقص، لاعتقادنا أن أسرع تعبير للآخرين عن فرحنا هو إسماع الجميع صوت المفرقعات، دون الاكتراث بمناشدات الشرطة، أو بالحوادث المؤلمة السابقة".
وذكر أن الأصوات المعارضة لهذه الظاهرة تصطدم بعقلية مجتمع ترفض التوقف عن استخدامها، كونها أصبحت ثقافة راسخة ومتأصلة وجزءًا من تقاليد النجاح والأعراس، وحتى العودة من الحج.
والمؤسف، وفق كلام تفّال، أن فئة من الناس ترى عدم استخدام الألعاب النارية تقصيرًا بحق الأبناء، حتى أنها يمكنها تقبّل تأجيل تعليمهم، لكن هذه الفئة لا تتفهّم ألا تعبّر عن فرحتها باستخدام المفرقعات، وكأنها صارت "إثبات وجود" مزيف.
وأردف قائلاً: "بات من الصعب جدًا وقف هذه الظاهرة، حتى بالقانون وفرض الغرامة؛ لأنها تحولت إلى "عرف مجتمعي" له أنصار يبررونه ويدافعون عنه، ويعتقدون أنه حقٌ، متذرّعين بالكبت الذي نعيشه، ومن يعارض هذه الفكرة يطاله النقد، هذه الحالة التي تعودّنا عليها تتطلب حالة مضادة لوقفها".
وحسب رأيه أن أي جهود تعارض وتنتقد ظاهرة المفرقعات لن تجدي نفعًا في المرحلة الحالية، وستكون نتائجها ضعيفة المردود.
وختم حديثه بالقول: "المفرقعات ظاهرة إقليمية وتنتشر إلى حد كبير في دول الخليج، وقد تكون عالمية أحيانًا، وفي بعض الدول يُستأجر مطلقو النار والمفرقعات، بمعنى آخر؛ هذه الحالة في مجتمعنا ليست استثناءً، وما ساعد على ترسيخها مواقع التواصل الاجتماعي عبر التباهي بها".
أرباحها مغرية جداً للتجار
من جانبه، أفاد مدير عام حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني، إبراهيم القاضي أن خطورة المفرقعات تكمن في "سوء الاستخدام"، ففي كل مناسبة تقع إصابات وبتر، وحرائق في صفوف مطلقيها، ومع ذلك تستمر.
وفي معرض سؤاله عن الطريقة التي تدخل بها المفرقعات إلى أسواقنا، يقول: "بالتهريب، ليس هناك أي جهة تستوردها قانونيًا، وبدأ الاحتلال يضع قيودًا عليها بعد تصنيفه إياها بـ"وسيلة استخدام مزدوج، يمكن استخدامها ضده"، ومع ذلك ترويجها مستمر".
وطالب القاضي بضرورة تنفيذ أحكام قانونية مشدّدة، ورفع مستوى العقوبات، وتحويلها من مخالفات إلى جنائيات، وعدم الاكتفاء بمصادرة المفرقعات وتوقيف مروّجيها.
في حين أن ما يحدث في واقع الأمر، كما يقول، أن مسوقيّ المفرقعات يُحولون إلى النيابة باعتبارها مخالفة وليست جناية، ولا يُسجن المتورطون بها بل يُكتفى بتغريمهم، وهناك قضايا عديدة على هذه الشاكلة في المحاكم.
وكشف أن نسبة الأرباح في المفرقعات والألعاب النارية تصل إلى 300%، وهي مغرية جدًا للتجار رغم عدم قانونيتها.
ومن الحلول المقترحة للحد من انعكاساتها الصحية ما أسماه بـ "تنظيم إطلاقها" من شركات متخصصة في تنفيذ الحفلات، كما يحدث في دول العالم، وعدم السماح للأفراد باستخدامها.
وقال إن قرار مجلس الوزارة عام 2004، منعَ استيرادها وتسويقها، ولم يحدد عقوبات بشأن مطلقيها، مضيفًا: "نعتبرها حاليًا خطرة؛ لعدم مطابقتها للتعليمات وإجراءات السلامة، لكن عمليًا من المستحيل وضع شرطي على باب كل بيت لضبطها".
وأشار إلى أن العالم يتجه كل يوم لممارسات وسلع أفضل للمستهلكين، بما فيها الألعاب النارية بالإضاءة والطائرات، وفي الشق الآخر من المقارنة، يضيف: "بينما في حالتنا ما زلنا في النسخة القديمة من الاختراعات، ونحتاج وقتًا للوصول إلى التحديثات".
ويؤكد أن السلطة لا تستفيد من هذه المفرقعات المُهرّبة، إذ لا تدخل خزينتَها ضرائبها، بل تشكل مصدر خطر وإزعاج لها، لافتًا إلى أنها تُباع بمبالغ خيالية، وقد ارتفع سعرها كثيرًا، فبعد أن كانت تباع بـ 60 شيقلًا أصبحت بــ 150 شيقلًا،
ويدعو القاضي إلى التعبير عن الفرح باستخدام أدوات آمنة، موضحًا: "الخسائر الحقيقية للمفرقعات ليست في قيمتها المادية، بل في نتائجها الكارثية التي يترتب عليها إصابة بعض مطلقيها، وما يؤدي ذلك إلى بتر أطراف وتضرر عيون، وتسبّب في نشوب حرائق.
جدير بالذكر أن مدينة الخليل تشهد عمليات ضبط للمفرقعات أكثر من غيرها من المحافظات، بسبب تعدادها السكاني، وفقاً لقوله.
مؤيدون ومعارضون
تستطلع "آفاق البيئية والتنمية" آراء عدد من الأشخاص، فمن جهتها تقول هبة إبراهيم إن المفرقعات "عادية مقارنة بإطلاق الرصاص الذي يمكن أن يتسبب بالموت المحقق".
أما الصحفي طارق سويطات يرى أن من الأهمية بمكان وضع حدٍ للتجار والمهرّبين، فيما وصف الشاب مجد عصام الرصاص بــ"الأكثر خطورة وتكلفة ورعبًا".
ومن وجهة نظر محمود خلف أن الحل يتطلب إرادة للوقوف بجدية وحزم مع أي تاجر، ومقاطعة صاحب الفرح الذي يستخدم المفرقعات والرصاص، والانسحاب فوراً منه عند حدوث ذلك.
فيما تساءل عبد الرحمن أبو سلامة "ألا يكفي سبباً لمقاطعتها أنها من الصناعات العسكرية للاحتلال؟".
فيما لم يرَ الشاب أحمد غانم في الأمر مشكلة، معقبًا: "ليست مزعجة أو مؤذية، وعلى مستوى العالم تعد أحد مظاهر الاحتفال، والمشكلة الأساسية هي عدم تنظيمها، ربما النقطة المهمة ضمان جودة الموجود منها في السوق".
وبالانتقال إلى الناشط الشبابي محمود أبو شادوف، فقد اعتبرها خطرة ومكلفة، لكنها الأكثر شيوعًا في التعبير عن الفرح الممزوج بالضجيج.
وأعرب المحامي حسام خلف عن استيائه من هذه الطريقة "التي ثبت بالدليل القاطع خطورتها، لأنها في حالات عدة قلبت الأفراح أتراحاً، فضلًا عن كونها تبذيرًا"، موصيًا بإيجاد طرق أخرى حتى يعبّر الناس عن فرحتهم.
خاص بآفاق البيئة والتنمية