د.عقل أبو قرع يكتب لوطن .. موضوع الأخطاء الطبية...بين الفينة والأخرى!

27.08.2023 11:31 AM

أدت الوفاة المأساوية لامرأة شابة، بعد عدة ايام بعد الولادة في احدى مستشفيات مدينة رام الله، الى اثارة موضوع الأخطاء الطبية، والذي يتم إثارته أو اثارة الجدل حوله بعد أمور مشابهة سواء ادت أو تؤدي الى الوفاة او الى الاصابة أو المرض أو الاعاقة، حيث يثور الجدل حول هذا الموضوع، سواء في الأحاديث الجانبية الضيقة بين الأصدقاء أو المعارف أو داخل افراد العائلة، أو على المستوى العام حين يتدخل الإعلام والجهات ذات العلاقة ويصبح الموضوع قضية رأي عام، حول ربط تداعيات التدخل الطبي بحدوث أخطاء طبية.

وحين يأخذ موضوع الأخطاء الطبية حيزا واسعا ويصبح قضية رأي عام تتداولها وسائل الإعلام والجهات المختلفة سواء أكانت جهات رسمية أو غير رسمية، يتم في العادة وكرد فعل سريع يتبع بروز هذا الموضوع في الحيز العام، اتخاذ اجراءات من الوزارة المعنية، وفي هذه الحالة وزارة الصحة، لإجراء تحقيق من خلال تشكيل لجنة تحقيق، ومن ثم توقيف أو نقل أو فصل أطباء وممرضين عن العمل أو اجراءات سريعة عاطفية لامتصاص ردة الفعل أو الغضب والتذمر. 

ومع الانتهاء من ذلك الخطأ الطبي المحدد، يعود الحديث مرة أخرى عن الخوف من وقوعها، وما يرافق ذلك من الم ومن خوف وقلق عند الناس، سواء أكانت هذه الأخطاء الطبية تحدث في المستشفيات الخاصة، أو في داخل المستشفيات الحكومية، وأصبح واضحا أن تشكيل لجان التحقيق وبغض النظر عن طبيعتها أو حجمها أو عن أهميتها، لا يشكل رادعا أمام الخطأ الطبي القادم، ولا يشكل عاملا لإقناع المواطن او المريض بمدى جدية تطبيق توصياتها واجراءات الوقاية التي من الممكن أن تحد من الخطأ الطبي القادم.

وبغض النظر عن نتائج لجان التحقيق التي يتم تشكيلها، او عن وجهات النظر التي يبديها البعض من هنا وهناك، ألا ان موضوع الأخطاء الطبية في القطاع الصحي الفلسطيني، أو بالتحديد نظرة الناس الى هذا الموضوع، اذا حدث امر غير متوقع أو غير مفهوم او عليه جدل واشكال، سواء أكان حالة وفا’ مثل الحالة الحالية، أو حدوث عاهة أو اعاقه، هو موضوع جدير بالاهتمام ويتطلب تسخير وزارة الصحة أو الحكومة حيزا هاما له.

سواء من حيث النقاش العلمي الموضوعي، أو من ناحية مراجعة السياسات والبروتوكولات التي تعمل على التقليل منه أو التعرف عليه ان حدث، أو من ناحية طبيعة التوجه الاعلامي الى الناس، وتبيان أن الأخطاء الطبية من الممكن ان تحدث في أي مكان طبي عادي خاص أو عام او اي مكان طبي مرموق في العالم، وأن هناك فرق كبير بين الخطأ الطبي الذي يحدث وفي أحسن الظروف والإجراءات المتبعة، وبين الإهمال الطبي المقصود أو غير المقصود.

وكما حدث في الماضي، تثير القضايا المستجدة من الأخطاء الطبية، سواء في القطاع الخاص أو العام، جدلا متكررا وبدون نهاية حول الانظمة المتبعة أو الموجودة حاليا، للتعامل مع الأخطاء الطبية في حال حدوثها، أو حول أهمية توفر اجراءات مكتوبة وواضحة من أجل المتابعة والمراقبة والمساءلة والتعلم والتقييم، هذا إذا كان هناك اجراءات محددة موثقه على شكل بروتكول، للتأكد من عدم حدوث الأخطاء الطبية من الأساس.

والعمل من اجل عدم حدوثها مرة اخرى ان حدثت، ورغم مأساوية نتائج الأخطاء الطبية، وبغض النظر عن الأسباب الحقيقية لها، الا انه من المتوقع ان يؤدي ذلك الى العمل من اجل التركيز على منع حدوث مثل هكذا أمور في المستقبل من الاساس، اي على اجراءات الوقاية،  بعيدا عن تشكيل اللجان وعن الاجتماعات والتصريحات الاعلامية، وبعيدا عن تبادل الاتهامات بين الأطراف المختلفة، وعن اللقاء اللوم هنا او هناك، والذي لن يساهم ايجابيا، في منع حصول اخطاء طبية اخرى، أو في مواصلة تطور وتقدم القطاع الصحي الفلسطيني الذي يعول عليه الناس.

ورغم الإقرار ان هناك تحسن وتطوير متواصل في خدمات وأجهزة وكوادر القطاع الصحي في بلادنا، سواء أكان القطاع الحكومي أو الخاص، سواء من حيث الكوادر أو الاجهزة أو الأدوات وطرق التعامل،  الا ان هناك الكثير الذي ما زلنا نحتاجه وبالأخص لمنع تكرار الاخطاء الطبية، والذي وفي ظل الإمكانيات المحدودة، والظروف المعقدة، يمكن القيام به، من خلال  إقرار والالتزام بسياسات وإجراءات وأمور اداريه، ومن خلال تغيير في ثقافة عمل وتعامل، ومن خلال تطبيق اجراءات محددة تمنع وقوع الخطأ الطبي القادم، ومن خلال تعديل في فلسفة الادارة، واعادة تسخير المصادر حسب احتياجات المواطن الفلسطيني، وحتى الحاجة الى اعادة ترتيب اولويات، والى تبني انظمة ادارية أكثر كفاءة وأكثر وضوحا وأكثر نجاعة.

ومع اثارة موضوع الاخطاء الطبية هذه الايام، وبالتالي تصاعد القلق والارتباك والخوف، عند  المريض وأفراد العائلة والناس بشكل عام، او عند المرضى الذين يمكن ان يكونوا في أوضاع مماثلة لتلك التي حدثت فيها هذه الحادثة المأساوية التي هزت مشاعر الناس، فأن معالجة قضية الأخطاء الطبية،  يحتاج الى المزيد من الإجراءات الواضحة، وبالأخص الى تبني وتطبيق فلسفة محددة على المستويات الإدارية العليا، نحو المزيد من المتابعة والمساءلة والتعلم والتقييم، والى التركيز على التخطيط لاستراتيجيات بعيدة المدى، تعتمد على مبدأ الوقاية ومنع حدوث الخطأ كأولوية للحفاظ على الصحة العامة، وفي حال موضوع الأخطاء الطبية، الحاجة الماسة، الى وجود اجراءات وانظمة عملية يتم الالتزام بها وتكون مقنعة للناس، وتركز على منع حدوث الخطأ الطبي من الأساس.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير