"بير زيت".. أزمة مرحلة ..د.أحمد جميل عزم
18.09.2013 03:19 PM
هذا هو الأسبوع الثالث لإغلاق رائدة الجامعات الفلسطينية؛ بيرزيت. يُغلقها طلبة ينتمون إلى ثلاث كتل طلابية، تمثل بدرجة أو أخرى ثلاثة فصائل أساسية، احتجاجاً على إجراءات إدارتها التي أدت إلى رفع تكلفة القسط الجامعي. الإغلاق تعبير عن حالة عجز شاملة، وعن فشل اجتماعي سياسي واقتصادي وتعليمي، يعبّر عن إخفاقات المرحلة الفلسطينية الراهنة.
كانت الجامعة يوماً عنواناً للمشروع الوطني الفلسطيني، سعت إليها القوى الوطنية الفلسطينية، لتكون حاضنة لجيل وطني، يحمل أعباء المشروع الوطني داخل فلسطين بكل جوانبه؛ مكاناً حاضناً لجيل ثوري، تتابعه وترعاه قيادة كانت في مطلع السبعينيات في لبنان؛ ومكاناً للمقاومة بالتنمية والعلم والصمود والثورة. ولذلك، "أمر" الإسرائيليون بإغلاق الجامعة في اليوم الثاني لافتتاحها، وأبعدوا رئيسها سنوات طويلة؛ ومنها خرجت القيادات الميدانية للمقاومة في الثمانينيات. وعلى سبيل المثال المُخِل الظالم الذي يستثني عدداً هائلا من الأبطال، فقد خرج منها مروان البرغوثي، ويحيى عيّاش.
أغلقها الإسرائيليون خمس عشرة مرة، وكان طلبتها وأساتذتها يلتفون حولها. والمقصود بالالتفاف حولها ليس المعنى المجازي، ولكن المعنى الحرفي؛ إذ كان الأساتذة يلتفون ويخترقون ما تيسّر من القرى المحيطة، ويقدّمون دروسهم على الحواجز وفي الشوارع.
وتخبرني طالبة دراسات عليا فيها الآن: "أكثر ما أذكره.. معاناتنا اليومية التي استمرت حوالي العامين على طريق سردا.. أيام كنت أعتبرها رحلة التعريف بالبلد؛ إذ كنت أضطر مكرهة-راغبة، إلى المرور بقرى لم أكن قد سمعت باسمها يوما، وإذا بي أمر بشوارعها، وأطالع أهلها. كانت بحق السنون العجاف، ولكن أدركت خلالها وبعدها كم استطعنا، طلبةً وأساتذة وعاملين، تجاوز كل شيء، من أجل شيء واحد؛ مواصلة العملية التعليمية. ما أزال أذكر أستاذي يقدم إحدى محاضراته على طريق سردا، وكأن ما كان وقتها لم يكن بالشيء الكبير الذي يمكن أن يوقف عمله، ويحد من حلمه، وبالتالي أحلام جميع الطلبة معه".
هذه جامعة كانت، وربما ما تزال رافعة للعمل الوطني. جاءها أساتذة فلسطينيون وغير فلسطينيين من أهم وأرقى جامعات العالم، ليكونوا جزءا منها ومن رسالتها. فهي إرث وثمرة للنضال الفلسطيني المجتمعي والسياسي، وثمرة تكامل الرسمي مع الشعبي. الجامعة التي كانت منظمة التحرير الفلسطينية تتحمل الأعباء المالية لأغلب أو جميع طلبتها في مراحل معينة، وغالبية مبانيها ومختبراتها ومكتباتها تبرع بها فلسطينيون أفراد، يقطن بعضهم أميركا اللاتينية، وبعضهم في دول الخليج العربية، وفي كل مكان.
من هنا، على الجميع الاعتراف بأنّ إغلاق الجامعة هو شهادة فشل مطلق لهم.
لقد قيل إنّ ما بعد "أوسلو" مرحلة لنوع جديد من المقاومة والبناء والعمل الوطني، تقوم على بناء الدولة والتنمية. فهل يُعقل لمن يرفع هذه الشعارات أن يعجز عن ضمان ديمومة مؤسسة مثل هذه؟! أن لا يقدّم معادلة جديدة خطّها الأحمر إغلاق البوابات؟!
القوى السياسية التي تزعم أنّها تقود الشارع الفلسطيني، يجب أن تعترف أنّ واجبها طرح حلول وأفكار وتوفير سبل لديمومة هذه المؤسسات وتطويرها. يجب أن تواجه هذه القوى نفسها بأنّ ديمومة التعليم العالي هي أحد أوجه الإشكاليات الناجمة عن تبني سياسات وأدوات معينة للمرحلة. وبالتالي، لا بد من حلول خلاقة بعيدا عن استسهال تقزيم القضية لجامعة تضطر لإجراءات مالية معينة في ظل واقع شح مالي شديد، وأقساط لا تُغطي أكثر من 60 % من تكاليف التعليم، فيكون الرد إغلاق البوابات، بدلا من طرح استراتيجية حل شاملة.
طريقة الإغلاق هي قيام نشطاء الكتل بإقفال البوابات بالجنازير، أو بالوقوف ومراقبة الأبواب ليقرروا من يُسمح له بالدخول والخروج، فيما نحو عشرة آلاف طالب وطالبة يجلسون في بيوتهم أو ينتشرون في المقاهي، أو يقومون بعمل ما يدر دخلا لحين استئناف الحياة الجامعية. وتفشل الدعوات للاعتصام والمؤازرة التي تطلقها الكتل الطلابية في اجتذاب أكثر من عشرات الطلبة الآخرين. يُمنع الأساتذة من العمل في مكاتبهم وفي المكتبات، ويدخل قادة الفصائل للتضامن مع الطلبة، بدون أن يقدموا حلولا وطنية. وفي النهاية، النتيجة: جهد ضائع، وحركة وطنية وطلابية تتعامل مع أزمات بردود فعل قصيرة المدى، ولا أحد يفكر استراتيجياً.
كانت الجامعة يوماً عنواناً للمشروع الوطني الفلسطيني، سعت إليها القوى الوطنية الفلسطينية، لتكون حاضنة لجيل وطني، يحمل أعباء المشروع الوطني داخل فلسطين بكل جوانبه؛ مكاناً حاضناً لجيل ثوري، تتابعه وترعاه قيادة كانت في مطلع السبعينيات في لبنان؛ ومكاناً للمقاومة بالتنمية والعلم والصمود والثورة. ولذلك، "أمر" الإسرائيليون بإغلاق الجامعة في اليوم الثاني لافتتاحها، وأبعدوا رئيسها سنوات طويلة؛ ومنها خرجت القيادات الميدانية للمقاومة في الثمانينيات. وعلى سبيل المثال المُخِل الظالم الذي يستثني عدداً هائلا من الأبطال، فقد خرج منها مروان البرغوثي، ويحيى عيّاش.
أغلقها الإسرائيليون خمس عشرة مرة، وكان طلبتها وأساتذتها يلتفون حولها. والمقصود بالالتفاف حولها ليس المعنى المجازي، ولكن المعنى الحرفي؛ إذ كان الأساتذة يلتفون ويخترقون ما تيسّر من القرى المحيطة، ويقدّمون دروسهم على الحواجز وفي الشوارع.
وتخبرني طالبة دراسات عليا فيها الآن: "أكثر ما أذكره.. معاناتنا اليومية التي استمرت حوالي العامين على طريق سردا.. أيام كنت أعتبرها رحلة التعريف بالبلد؛ إذ كنت أضطر مكرهة-راغبة، إلى المرور بقرى لم أكن قد سمعت باسمها يوما، وإذا بي أمر بشوارعها، وأطالع أهلها. كانت بحق السنون العجاف، ولكن أدركت خلالها وبعدها كم استطعنا، طلبةً وأساتذة وعاملين، تجاوز كل شيء، من أجل شيء واحد؛ مواصلة العملية التعليمية. ما أزال أذكر أستاذي يقدم إحدى محاضراته على طريق سردا، وكأن ما كان وقتها لم يكن بالشيء الكبير الذي يمكن أن يوقف عمله، ويحد من حلمه، وبالتالي أحلام جميع الطلبة معه".
هذه جامعة كانت، وربما ما تزال رافعة للعمل الوطني. جاءها أساتذة فلسطينيون وغير فلسطينيين من أهم وأرقى جامعات العالم، ليكونوا جزءا منها ومن رسالتها. فهي إرث وثمرة للنضال الفلسطيني المجتمعي والسياسي، وثمرة تكامل الرسمي مع الشعبي. الجامعة التي كانت منظمة التحرير الفلسطينية تتحمل الأعباء المالية لأغلب أو جميع طلبتها في مراحل معينة، وغالبية مبانيها ومختبراتها ومكتباتها تبرع بها فلسطينيون أفراد، يقطن بعضهم أميركا اللاتينية، وبعضهم في دول الخليج العربية، وفي كل مكان.
من هنا، على الجميع الاعتراف بأنّ إغلاق الجامعة هو شهادة فشل مطلق لهم.
لقد قيل إنّ ما بعد "أوسلو" مرحلة لنوع جديد من المقاومة والبناء والعمل الوطني، تقوم على بناء الدولة والتنمية. فهل يُعقل لمن يرفع هذه الشعارات أن يعجز عن ضمان ديمومة مؤسسة مثل هذه؟! أن لا يقدّم معادلة جديدة خطّها الأحمر إغلاق البوابات؟!
القوى السياسية التي تزعم أنّها تقود الشارع الفلسطيني، يجب أن تعترف أنّ واجبها طرح حلول وأفكار وتوفير سبل لديمومة هذه المؤسسات وتطويرها. يجب أن تواجه هذه القوى نفسها بأنّ ديمومة التعليم العالي هي أحد أوجه الإشكاليات الناجمة عن تبني سياسات وأدوات معينة للمرحلة. وبالتالي، لا بد من حلول خلاقة بعيدا عن استسهال تقزيم القضية لجامعة تضطر لإجراءات مالية معينة في ظل واقع شح مالي شديد، وأقساط لا تُغطي أكثر من 60 % من تكاليف التعليم، فيكون الرد إغلاق البوابات، بدلا من طرح استراتيجية حل شاملة.
طريقة الإغلاق هي قيام نشطاء الكتل بإقفال البوابات بالجنازير، أو بالوقوف ومراقبة الأبواب ليقرروا من يُسمح له بالدخول والخروج، فيما نحو عشرة آلاف طالب وطالبة يجلسون في بيوتهم أو ينتشرون في المقاهي، أو يقومون بعمل ما يدر دخلا لحين استئناف الحياة الجامعية. وتفشل الدعوات للاعتصام والمؤازرة التي تطلقها الكتل الطلابية في اجتذاب أكثر من عشرات الطلبة الآخرين. يُمنع الأساتذة من العمل في مكاتبهم وفي المكتبات، ويدخل قادة الفصائل للتضامن مع الطلبة، بدون أن يقدموا حلولا وطنية. وفي النهاية، النتيجة: جهد ضائع، وحركة وطنية وطلابية تتعامل مع أزمات بردود فعل قصيرة المدى، ولا أحد يفكر استراتيجياً.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء