الفدائي الفلسطيني...بقلم: ساطع نور الدين

21.09.2011 09:02 AM

الرجل الذي اشتهر بأنه ركض خلف الرصاصة الاولى من اجل استردادها، ما زال صامدا، يؤكد على المضي قدما في تنفيذ العملية الفدائية الاولى في تاريخه، ويصر على انه لن يرجع منها إلا غانما، وإلا فانه سيعتزل ويترك القضية لسواه.

صمود الرئيس الفلسطيني محمود عباس وثباته حتى الان على موقفه من طلب قبول فلسطين كدولة كاملة العضوية في الامم المتحدة، يثير الاعجاب فعلا، ويدعو الى التأمل في تجربة الرجل الذي لم يسبق ان كان من هواة العمل الفدائي او اي عمل عسكري فلسطيني نظرا للاختلال الهائل في موازين القوى مع العدو الاسرائيلي، لكنه يجد نفسه اليوم مدفوعا الى خطوة يائسة تكاد تكون انتحارية لا يمكن لاحد ان يضمن انها ستحسن وضع الفلسطينيين، وتقربهم من الاستقلال.

لم يقل عباس في اي وقت منذ اتخاذه قرار التوجه الى الامم المتحدة انه يريد ان يصبح في آخر ايامه فدائيا. قال فقط انه يطلب العودة الى طاولة المفاوضات، ويريد ان يشهد الشهود الاميركيون والاوروبيون والروس ان السلطة الفلسطينية نفذت جميع التزاماتها، وان حكومة اسرائيل لم تنفذ ايا من تعهداتها. العملية بسيطة، هدفها فضح حكومة بنيامين نتنياهو وحشرها في الزاوية من اجل ان تعود الى المسار التفاوضي وتتوقف عن تهويد القدس واستيطان الضفة الغربية. لكن تطورات العملية لم تعد بمثل هذه البساطة ابدا: لا يستطيع نتنياهو ان يعود الى التفاوض الذي بلغ عناوينه النهائية الدقيقة مخافة ان تسقط حكومته. لا تقدر إدارة الرئيس الاميركي باراك اوباما على مواجهة تلك الحكومة الاسرائيلية في فترة انتخابية اميركية، كما لا يمكنها ان تستخدم الفيتو في مجلس الامن من دون ان تخاطر بإغضاب الرأي العام العربي الذي صار اشد احساسا بحريته وكرامته. ولا يمكن لاوروبا او روسيا ان تساير الاسرائيليين الى حد التخلي عن تعهد دولي ثابت بدعم قيام دولة فلسطينية.

ضرب عباس رجله في الارض وتقدم بطلب سهل ومشروع، هو التفاوض ليس الا، مع الحرص على عدم تحريك الشارع الفلسطيني حتى سلميا، فاذا هو يفجر ازمة عالمية كبرى، تمس العلاقات بين معظم دول العالم، وتختبر الكثير من الحلفاء والخصوم، وتضع القضية الفلسطينية للمرة الاولى منذ سنوات على رأس جدول الاعمال الدولي، بالاستناد فقط الى قوة الوجود الفلسطيني، المجرد تقريبا من اي سلاح او المحروم من اي شكل من اشكال المقاومة المسلحة، وبالاعتماد اساسا على البعد الانساني وعلى العامل الاخلاقي الذي تختزله قضية ذلك الشعب المسكين.

العالم كله منهمك في هذه اللحظات في كيفية ايجاد مخرج من تلك الازمة التي فجرها عباس بدافع اليأس الشديد المشفوع بالحرص الاشد على الخيار التفاوضي السلمي وحده ولا شيء سواه. حتى الان حقق الرجل انجازا سياسيا مهما، لا يمكن لاحد في العالم ان ينكره.. مع ان احدا لا يمكن ان يتنبأ بما يمكن ان يحصل قبل يوم جمعة فلسطين.

                                                                                                               جريدة السفير/ بيروت

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير