التغريبة الفلسطينية تعيش فينا

04.06.2023 09:03 AM

كتب فارس صقر: أنهيت اليوم مُشاهدة مُسلسل "التغريبة الفلسطينية" وهذه المُشاهدة العاشرة على الأقل، ولكن لم أكن أُدرك بأن هذه المشاهد هي مُجرد تمثيل، ولم أتخيل أن هناك أناس آخرين خلف الكاميرا يقومون بتجهيز كل شيء لنستطيع أن نرى هذه المشاهد بتلك الحقيقية والواقعية!

لم تكن لديّ القدرة على الإقتناع بأن هؤلاء الأشخاص يمثلون فقط! وليس هُمّ أنفسهم أصحاب المأساة والحكاية، كيف استطاعوا نقل تجربة ومعاناة شعب بأكملها منذ ثلاثينيات وحتى سبعينيات القرن الماضي، وما دارت من أحداث بتلك الفترة.

عندما تشاهد هذا المسلسل للمرة العاشرة أو أكثر، فعليكّ أن تنسى جميع تلك المُشاهدات وتتابعه وتندمج معه كأنك تشاهده لأول مرة! تعيش الحالة معهم، وكأنك داخل الرواية، تندمج، تتألم، تُعاني، وأحيانًا تذرف دمعاً، وأحياناً أُخرى تشتم وتبصق وكأنك داخل المشهد.
د. وليد سيف الكاتب ابن مدينة طولكرم، ومعه المُخرج العظيم السوري المرحوم حاتم علي، صوّرا لنا بإتقانٍ وإبداعٍ شديديْن هذه الحكاية، وأتساءل عن ذاكرتهِم الرائعة التي عكست لنا كلّ هذا الحِمل الثقيل الذي كان على رأس أهالي فلسطين أيّام النكبة الفلسطينيّة وما قبلها وما تلاها مِن أحداث.

د. وليد سيف لم يُردّ لنا أن نُشاهده كباقي الأعمال الدرامية! بل أراد منا أن نتألم ونتحسر ونحن نشاهد، لا أن نستمتع فيه. ففصل جميع أشكال المعاناة التي عشناها وما زالت، حياة القرية والفلاح وظلم المُختار، والفقر، والتعليم، والنكبة، والنكسة، نعيش فيها لهذا الوقت.
كالكايد أبو صالح "أحمد" الذي ترجم لنا معنى الرجولة والمُقاومة رُغمًا عن كل شيء، كعلي الطفل الطموح الذي تعلّم في المدينة والذي روى لنا المُسلسل بدقة عالية وكنا نرى الحلم في عينيه دومًا، كحسن الشاب الوسيم الذي أحبَّ جميلة والوطن. والأم "أم أحمد" القوية التي كانت تُدرك تماماً بأن قوتها هي عمود البيت، والكثير من الشخصيّات التي جسدت لنا واقعاً مريراً يُشبهنا تماماً، وفي زاوية أخرى يأتي "مسعود" ذلك الذي يرى الواقع كما هو ليحقق أحلامه بصمت.

لنصل إلى النكبة، فكان مشهد خروج العائلات ليومين أو أسبوع على حسب الوعودات آنذاك، وتفاصيل التهجير كأخذ مفتاح البيت، وضياع صالح بين الجموع المَهولة، وبُعدّ رشدي عن أمه، وأمّ سالم التي أخذت الوِسادة بدلاً من ابنها، والمختار الذي لم يعد له سلطة، الخِيَم وليالي الشّتاء، المعونات من "وكالة الغوث" التي ينتظرونها كلّ شهر بعد أن آواهم المُخيم، من حاول الهروب من ذلك فاختطفتهُ الطريق، أو الرصاصة.

بداية المُسلسل كانت باهرة للغاية، ونهايته كانت تعني بالنّسبة لنا "سلامًا لكِ أيّتها الحياة إن لم يكن بكِ مقاومة"، ذلك الأمل الذي كان يُحدّثنا عنه المسلسل دائمًا تركَ أثرًا عميقًا في داخل أغلبنا.

هكذا تُقدّم الدراما قيمة إنسانيَّة فعليّة، لن يكتب كاتب درامي بالطريقة التي يكتب بها د. وليد سيف، ولن ينقل لنا صورة الصراع الفلسطيني مع الانتداب البريطاني والاحتلال الإسرائيلي في تلك الفترة كما نقلها لنا المخرج المبدع حاتم علي.

لن ولم يوفِ أي شخص هذا المسلسل حقّه.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير