نساء الهيموفيليا في فلسطين بين الواقع والمعيقات

30.05.2023 06:09 PM

كتب: جاد كنعان الطويل

لا يدرك المواطن الفلسطيني خطورة أمراض نزف الدم الوراثية، وأنها لا تنحصر في نوعي الهيموفيليا ألف وباء، بل هي ثلاثة عشر نوعاً مختلفاً بالإضافة لاعتلال في الصفائح الدموية، والأخطرمن ذلك كله الاعتقاد السائد بين الأهالي والطواقم الطبية أن امراض نزف الدم الوراثية تصيب الذكور فقط.
تجرأت قبل ما يقارب الخمسة عشر عاماً "أم حنين"، وهي إمرأة بسيطة تعيش في إحدى ضواحي مدينة القدس؛ بالتحدث خلال فيلم وثائقي عن معاناة مرضى نزف الدم الوراثي في فلسطين، مستعينة على ذلك بحالة ابنتها "الطفلة" حنين.
استهجن الناس قيام "أم حنين" بالطلب من المارة في أسواق مدينة رام الله القريبة، التبرع لابنتها بوحدات الدم؛ نتيجة لتعرضها للنزف شبه الدائم أسبوعياً وإصابتها باعتلال بروتين سي،  الذي يسبب النزف المتكرر، من هنا نكتشف عدم دراية المجتمع بأهمية الإحاطة بواقع مريضات نزف الدم الوراثي.
مر عقد ونصف من الزمن على هذا الفيلم الوثائقي، وثلاثة عقود على إنشاء الجمعية الفلسطينية لأمراض نزف الدم؛ ولا زالت الجمعية تتولى مسؤولية التوعية والتثقيف ومحاولة إيصال معاناة هذه الشرائح المهمشة، وخاصة الفتيات والنساء، لمقدمي الخدمات في الحكومة ولصناع القرار القادرين على توفير الأموال لشراء الأدوية، ولتأهيل الطواقم الطبية، ورغم ذلك تزداد معاناة المرضى والمريضات وأعدادهم تزيد يوماً بعد يوم.
لا تعاني حنين وحدها فهناك مئات الفتيات والنساء في الضفة الغربية وقطاع غزة يعانين بصمت، وتشير الإحصائيات العلمية إلى وجود آلاف الفلسطينيات ممن يعانين من أمراض نزف الدم الوراثية؛ كنقص العامل المخثر الأول أو "بروتين سي" أو العامل المخثر الخامس "أوجلانزمان"  أو نقص العامل المخثر العاشر "أوفان ويلبراند" وغيرها من أمراض نزف الدم الوراثية.
كبرت حنين وأصبحت شابة وتغيرت مؤشرات جسدها البيولوجية، وزادت حاجتها للعلاج الدائم من العوامل المخثرة (الدواء)؛ لأنها تمر في فترة حيض شهرية؛ وهذا يتطلب إما وحدات دم أو مشتقات دم (كالبلازما) أو (الكريو) او حتى الإبر الوريدية من العامل المخثر المركز.
أثناء الدورة الشهرية تزداد معاناة نساء الهيموفيليا الجسدية والصحية جراء النزف الذي يطول ومن الوضع النفسي الذي يعشنه، وهذا يتطلب أحياناً إقامة في المستشفيات ورعاية أطباء دم ورعاية أخصائي نسائية، فما بالك في حالة الحمل والولادة ومضاعفات هذا المرض.
تكمن المشكلة الأساسية في علاجات الإبر الوريدية؛ إذ لا تتوفر بشكل كلي، وإذا ما توفرت لا يحصل ذلك بانتظام؛ فها هي حنين كما هن باقي المريضات لا يتقدمن للحديث عن احتياجاتهن أو معاناتهن لخجل ما، أو محاولة للاحتفاظ بخصوصية أجسادهن، وإن كان النزف أيضاً يحدث في مفاصلهن وعضلاتهن وأعضائهن الداخلية الأخرى أيضاً حالهن حال الذكور المرضى.
إن متابعة احتياجات نساء و بنات الهيموفيليا لا يتوقف على الأمهات فقط، بل الآباء أيضاً، فأبو السعيد من محافظات وسط الضفة، تعرفت عليه منذ فترة طويلة، ويتابع علاج بناته الثلاث والمصابات بمرض "جلانزمان" بأدق التفاصيل خاصة عند حدوث النزف في المفاصل والعضلات وأثناء مكوثهن في المستشفيات أثناء الدورة  الشهرية او الحمل والولادة.
لكن للأسف تُبقي العادات والتقاليد غير المبررة حواجز تضاعف معاناة المريضات وتخلق لديهن عبأً إضافياً، لا سيما فيما يتعلق بالخصوصية وتحرج المريضات أمام مقدمي الخدمات، ولا ينحصر الأمر على مقدمي الخدمات بل يطال المجتمع برمته (ثقافة العيب).
في ختام الأمر يجب أن يوضع توفير التشخيص والأدوية والرعاية الصحية والطبية والنفسية (الخدمة الشمولية الدائمة والمتواصلة)، وحسب البروتوكولات العلاجية العالمية لمرضى نزف الدم الوراثي، وخاصة لنساء الهيموفيليا، على سلم الأولويات للجهات الرسمية ذات الاختصاص، ويبقى السؤال؛ لماذا لا تتوفر الفحوصات لحاملات الصفة الوراثية أو التشخيص الدقيق لمرضهن أو بدائل علاجية؛ مثل الإبر الوردية من العوامل المخثرة المركزة، بدلاً من تركهن وعائلاتهن لإجراءات شراء  الخدمة من الداخل المحتل، أو إجراءات  الشراء الموسمي  غير المنتظم،  سواء في مناطق سكناهن أو في المرافق الصحية. 
جاد كنعان جاد الله الطويل: ناشط في مجال الحقوق الصحية، ومن مؤسسي الجمعية الفلسطينية لأمراض نزف الدم ورئيس مجلس إدارتها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير