فطافطة يناقش ويستشرف العلاقات الهندية – الإسرائيلية وابرز مخاطرها على القضية الفلسطينية

21.05.2023 08:47 AM

كتب : د. أمين دراوشة:

اسم الكتاب: العلاقات الهندية – الإسرائيلية
المؤلف: د. محمود الفطافطة
الناشر: دار الجندي للنشر والتوزيع القدس
السنة: 2020
الصفحات: 285


مقدمة:
قسم الباحث كتابة إلى جزئين، وتضمن مقدمة وأربعة فصول، وأنهاه في خلاصة إلى ما يمكن أن تكون عليه العلاقات في المستقبل. وتناول بدايات اهتمام الحركة الصهيونية في إيجاد صداقات مع دول العالم من أجل نيل اعتراف أكبر عدد ممكن في دولة إسرائيل التي ولدت بعد حرب 1948م، وكان من أساسيات الفكر الصهيوني منذ مؤتمر بازل في 1897 البحث عن دولة عظمى ترعى مشاريعه الكبرى وأهمها قيام دول يهودية على الأرض الفلسطينية، ولأن بريطانيا كانت تسيطر على الأراضي الفلسطينية، فقد اعتبرت الحركة الصهيونية الحصول على تأييدها أولوية، لذا جعلت بريطانيا محور شغلها لتحقيق أهدافها، وبعد ضعف بريطانيا العظمى بعد الحرب العالمية الثانية، وجدت الحركة الصهيونية في أمريكا الأم الرؤوم لاحتضان المشروع الاستعماري الوليد. ومن ثم انطلقت "دولة إسرائيل" بعد صناعة الدولة إلى الدول المؤثرة في محاولة للحصول على الشرعية الدولية وبناء تحالفات لعلها تخرجها من الحصار من قبل المحيط العربي.

إن اهتمام إسرائيل في مسألة اعتراف الهند هذه؛ الدولة الكبيرة نابع ولا شك من تأثيرها، وخاصة بعد استقلالها، والشخصية الكاريزمية العالمية لغاندي، الذي كان له تأثيره الفكري على الكثير من شعوب العالم، والمستقبل الذي كان ينتظر الهند بصفتها دولة كبرى من ناحية عدد السكان والمساحة الجغرافية، مما يجعلها سوق واعدة للطامعين.
إن السياسة الخارجية للدول من القضايا المهمة والشائكة، ويتم تشكيل السياسية الخارجية وتنفيذه وفق عوامل ومؤثرات داخلية وخارجية. فالموقع الجغرافي والعوامل السكانية والعسكرية والاقتصادية، بالإضافة إلى تأثير الرأي العام والإعلام والاحزاب والإيديولوجيا وغيرها من العوامل الداخلية التي لها تأثيرها في رسم السياسية الخارجية. أما العوامل الخارجية فتغلب توازنات القوى العالمية والمنظمات الدولية والإقليمية دورها في توجيه صانعي القرارات وتحديد سلوكهم من القضايا المرتبطة بالسياسة الخارجية.
انهيار الاتحاد السوفيتي وانتشار فلسفة (السياسة مصالح)
يتطرق الكاتب إلى الموقف الهندي من قيام دولة إسرائيل، والعلاقات معها، ويسرد أهم المحطات التي دعت الهند إلى توثيق علاقاتها مع إسرائيل على حساب الدول العربية الهشة.
فبعد انتهاء الحرب الباردة بانهيار الاتحاد السوفيتي، بدأ المسرح العالمي في حالة تبدل، وبدأت الدول الأسيوية الكبرى (الصين، والهند) العمل على فرض نفسيهما كلاعبين أساسيين على المسرح الدولي، ففرضا نفسيهما كقوتين إقليميتين كبيرتين، وانطللقا نحو بناء قوتيهما لفرض حضورهما الكبير في المشهد السياسي العالمي.
تملك الهند مساحة جغرافيا هائلة 3 ملايين كيلو متر، وعدد سكان مأهول بلغ مليار و253 نسمة حسب إحصائيات 2015م، كما تملك قوة عسكرية جبارة، وتحوز على عدد لا يستهان به من الرؤوس النووية. في بداية نشوئها واستقلالها عن بريطانيا عام 1947م، ساهمت في إنشاء حركة عدم الانحياز، التي وقفت بقوة ضد الاستعمار، وأيدت الشعوب المستضعفة، ولكن مع مرور السنوات، والتطورات التي يشهدها المسرح العالمي، اتجهت الهند لتغليب مصالحها الاقتصادية والعسكرية على حساب العامل الإيديولوجي.
ففي ظل العداء المستحكم بين الهند وجارتيها اللدودتين (الصين، والباكستان) وحاجة الهند الماسة للسلاح، اتجهت بداية لتكون حليف للاتحاد السوفيتي الذي زودها بما تحتاجه من سلاح، وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي، اتجهت لبناء علاقات عميقة مع أمريكا، ولأن مفتاح باب أمريكا مع إسرائيل، فإن الهند أقامت علاقات كاملة معها في كانون ثاني 1992م، بعد أن اعترفت بها بعد نشوئها عام 1950م دون أن تقيم علاقات دبلوماسية معها.
في بداية علاقاتها مع إسرائيل حاولت الهند التوفيق بين علاقاتها مع الدول العربية ومع إسرائيل، ولكن في السنوت الأخيرة ونتيجة لما يسمى الربيع العربي الذي أدى إلى انهيار العديد من الدول العربية، ومع تدمير العراق من قبل أمريكا وتحالفها، زادت الشراكة الهندية – الإسرئيلية على حساب الحق العربي دون أن تذعر الهند من الموقف العربي المتلاشي.

الهند والقضية الفلسطينية
في أدبيات السياسة الخارجية الهندية، ارتبطت القضية الفلسطينية بمبدأ حق تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية، واعتبرت الحركة الصهيونية نموذجا للتميز العنصري، وهكذا تبلورت السياسية الخارجية الهندية خلال فترة الحرب الباردة.
ودعمت الموقف العربي في كل المحافل الدولية، فقد كان موقفها مرتبط بعدالة القضية الفلسطينية، والتاريخ العربي-الهندي المشترك في مواجهة الاستعمار الإنكليزي، بالإضافة للعلاقات الوطيدة التي نشأت بين عبد الناصر وجوهر لآل نهرو في إطار حركة عدم الانحياز. وقفت الهند إلى جانب الحق العربي خلال الحرب الباردة لاعتبارين، أولاً: مبدئي، باعتبار إسرائيل امتداد للاستعمار، وتحصل على دعم كامل من الدول الاستعمارية وخاصة بريطانيا مستعمرة الهند ومقسمتها. وثانياً: منفعي، إذ أقامت الهند شبكة مصالح اقتصادية مع الدول العربية وخاصة في الخليج، كما اهتمت بالموقع الاستراتيجي للعرب.
ومنذ نشوء الدولة الهندية، حاولت إسرائيل عبر شخصيات يهودية وأمريكية الحصول على تأييد غاندي لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، ولكنه رفض، وقال: "لقد أخطأ اليهود كثيراً في محاولاتهم فرض أنفسهم على فلسطين بمساعدة أوروبية وأمريكية وبريطانية، الاعتماد على الإرهاب المفتوح". وتساءل: لماذا يعتمد اليهود على أموال أمريكية لفرض أنفسهم في أرض غير مرغوب بهم فيها". (ص 23)
وكرروا المحاولات مع نهرو، الذي قال: " فلسطين ليست أرض مهجورة غير مأهولة بل هي وطن لأبنائها الفلسطينيين منذ الأزل، وبالتالي، لا نستطيع استيعاب فيض من اليهود المهاجرين القادمين إليها". (ص 27)
واستمرت المحاولات دون كلل، واستطاعت إسرائيل إحداث اختراق في علاقتها بالهند بواسطة عدة أدوات رسمية وغير رسمية، فعملت على تطوير العلاقات مع وسائل الإعلام الهندية، وخاصة المتعاطفة مع إسرائيل كصحيفة (التايمز أوف انديا)، وأرسلت بعثات من رجال الدين لتحفيز يهود الهند على تأييد إسرائيل، والقيام بواجباتهم اتجاهها، كما حاولت العمل على تهجيرهم إليها. وأيضا أقامت علاقات مع أعضاء البرلمان المتعاطفين معها، ودعتهم لزيارتها، ونسجت علاقات مع الأحزاب اليمينية الهندية مثل: سوانترا، جانا سنغ، وبراجا الاشتراكي من أجل تغير الموقف الهندي في حال وصلت هذه الأحزاب للحكم. واستقطبت عدد لا يستهان به من الأكاديميين الهنود، ونجحت في الدوائر الأكاديمية العلمية أكثر من الدائرة السياسية الرسمية، "فنجحت في استقطاب عدد من علماء الهنود في مقدتهم نائب رئيس جامعة بناراس (بانديت ماندا)، و (بي. اس. جاها) المتخصص في علم الحيوان، وغيرهما". (ص 72)
وكانت الانعطافة مع اغتيال أنديرا غاندي عام 1984م، وصعود ابنها راجيف غاندي إلى الحكم، وهو الذي عُرف عنه "توجهه الليبرالي، وتحرره من القيود الأيديولوجية، وانفتاحه على الغرب سعيا وراء بناء دولة هندية حديثة ومتطورة، ومسايرة لمستجدات القرن الحادي والعشرين". (ص 90)
فكان اللقاء الأول بين رئيسي الوزراء للبلدين منذ إقامتهما عام 1985 بالتقاء راجيف غاندي مع شمعون بيريز على هامش اجتماعات الدورة الأربعين للجمعية العامة للأمم المتحدة.
السعي لتحقيق الأهداف
إن تطور العلاقات بينهما جاء من أجل حماية أهدافهما المشتركة، فلكل من الهند وإسرائيل أهداف استراتيجية من وراء شراكتهما المتصاعدة، فأهداف الهند قائمة على الاستفادة من التقدم العلمي الذي حققته إسرائيل وخاصة في مجال البرامح التسليحية. والاستفادة من التعاون الأمني مما يتيح للهند التعرف على الأنشطة النووية والتسليحية الباكستانية، وكذلك نسخ تجربة إسرائيل في حربها ضد المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وخصوصا أن الهند تشعر بخطر الحركات الأسلامية الأصولية. اعتبرت الهند إسرائيل هي البوابة من أجل الوصول إلى قلب أمريكا وأوروبا، فهي تهدف لأن "تكون إسرائيل بمثابة القاعدة التي تنطلق منها نحو بناء علاقات تجارية ضخمة مع الاتحاد الأوروبي الذي تتمتع تل أبيب به باتفاقية للتجارة الحرة، وهو ما يعني تحسين علاقات الهند بهذه الدول عبر إسرائيل". (ص 106)
أما إسرائيل فقد سعت لتحقيق جملة من الأهداف من علاقتها بالهند، أهمها: إقامة تحالف هندي-إسرائيلي ضد باكستان والتي تعتبرها إسرائيل دولة عدوة، وتخشى من امتلاكها للسلاح النووي. وعملت على الحد من تأثير العلاقات الهندية-العربية من أجل الحصول على دعم الهند في المؤسسات الدولية. وتتخوف إسرائيل من إقامة تعاون عسكري بين الهند وبعض الدول العربية لذا تعمل لقطع الطريق على أي محاولة، وإنهاء حالة العزلة السياسية التي عانتها إسرائيل. وأيضا استغلال إسرائيل علاقتها بالهند للاستفادة من دورها الحيوي في منطقة المحيط الهندي، التي تمثل نقطة العبور إلى جنوب وشرق آسيا، "وما يرتبط بها من بوابات مائية وجغرافية حيوية مثل مضيق باب المندب، والبحر الأحمر، وقناة السويس، عدا عن هدف ضمان استمرار إمدادات النفط والغاز من وإلى منطقة جنوب آسيا". (ص 108)"
ماذا عن مستقبل العلاقات؟
يناقش الكاتب موقف السكان المسلميين في الهند من العلاقات الهندية-الإسرائيلية، ويقول لا يمكن للهند تجاهل ملايين المسلمين من مواطنيها الرفضين هذه العلاقة، وإن الأحزاب الإسلامية واليسارية وما تمثله من وزن سيكون لها دور في كبح التطبيع الهندي – الإسرائيلي، وستجد الهند أنه من الصعب تبرير دعمها لإسرائيل التي تمارس القتل والتدمير بحق الفلسطينيين وأرضهم، وبخاصة إن العلاقة أصبحت مرتبطة بالعومل السياسية والحزبية الهندية مما يجعل العلاقة غير مستقرة وثابتة.
كم إن التحالف الهندي-الإسرائيلي قد يؤدي إلى بروز حلف عربي، أو إسلامي لمواجهة التطور في العلاقات الهندية – الإسرائيلية. فهناك احتمالية لنشوء تحالف إيراني- باكستاني- صيني فهذه الدول تعتبر نفسها مستهدفة من تطبيع العلاقات الهندية- الإسرائيلية، كما يمكن ظهور دول عربية تعيق هذا التحالف، إذ يمكن الضغط على الهند من خلال موارد الطاقة التي تستوردها من الخليج، ويطالب الكاتب الدول العربية التحاور مع الهند ومناقشة مخاطر تحالفها مع إسرائيل على الدول العربية، كي تدرك الهند وتراعي المصالح العربية، والعمل على تطوير العلاقات العربية والإسلامية مع الهند سواء على المستوى السياسي أو العسكري، أو الاقتصادي، أوالتكنولوجي من أجل تعزيز موقف الهند اتجاه القضية الفلسطينية ومساندتها.
ويتوصل الباحث في النهاية إن العلاقات الاقتصادية والإستراتيجية تغلبت على الاعتبارات الإيديولوجية بسبب انهيار الاتحاد السوفيتي، وانتهاء الحرب الباردة. إن العلاقات الهندية-الإسرائيلية هي انعكاس لنجاح إسرائيل في تطوير علاقاتها مع الدول الصاعدة، وإقناع هذه الدول بالفصل بين مسار الصراع العربي-الإسرائيلي، وعلاقات تلك الدول معها.
وعلى الرغم من أن الباحث تناول بشكل تاريخي وتحليلي لنشوء العلاقة، ومحاولات إسرائيل منذ عام 1948 الحصول على تأييد الهند حتى نجاحها في عام 1992م إلا أنه تجاهل عوامل أدت إلى تقوية هذه العلاقة على حساب الحق العربي، فهو تجاهل هشاشة الدول العربية وعدم قدرتها على حماية استقلالها فكيف ستضغط على دولة كبرى كالهند، إن إسرائيل بالتخطيط المحكم والصبر استطاعت تفتيت الدول العربية، ولن تتوقف قبل أن تصبح غالبية الدول العربية تحت سيطرتها وهيمنتها.
كما إن أمريكا تقف بكامل قوتها خلف مشروعها الاستعماري، وأقنعت الجميع إن من يريد خطب ودها فعليه أن يطرق الباب الإسرائيلي أولاً، لذلك رأينا الكثير من الدول تهرول للتطبيع مع إسرائيل من أجل الحصول على الدعم الأمريكي، بل إن الكثير من الدول العربية تخلت عن القضية الفلسطينية بحجة فساد القادة الفلسطينيين، وأصبحت تطالب بالتحالف مع إسرائيل لحماية استقلالها من الخطر الإيراني المزعوم!
الكتاب مهم لكل من يريد التعرف على طريقة التفكير الصهيوني، وأسباب نجاح "دولة إسرائيل" في فرض نفسها على الساحة الدولية، الذي ما كان لينجح لولا الدعم اللامحدود الذي تتلقاه من أمريكا والغرب المخادع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير