د. عقل أبو قرع يكتب لوطن.. قطاع غزة.. بين شح المصادر الطبيعية والتداعيات البيئية

05.05.2023 10:05 AM

 


طالعتنا الانباء صباح اليوم عن مفاوضات سرية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي من أجل استخراج الغاز الفلسطيني المتوفر بكميات كبيرة في المياه الفلسطينية وبالقرب من شواطئ قطاع غزة، ورغم ان هذا الغاز

وحسب القوانين الدولية هو غاز فلسطيني محض، الا ان استخراجه واستغلاله في ظل الظروف الحالية المتاحة وفي ظل تصاعد الطلب العالمي على الغاز، من المفترض ان يصب في صالح الجانب الفلسطيني، والاقتصاد المتعثر، والاهم لصالح المواطن الفلسطيني وبالأخص في قطاع غزة، حيث شح المصادر الطبيعية وعلى رأسها المياه، وفي ظل وضع بيئي كارثي يزداد قتامة مع تفاقم تداعيات التغيرات المناخية والتي بدأت تظهر اثارها بوضوح في قطاع غزة.

وهذا في ظل الازدياد المتواصل لعدد السكان في قطاع غزة، حيث يتواجد أكثر من مليوني شخص في داخل بقعة جغرافية ضيقة، تجعله من اكثر البقع اكتظاظا بالسكان في العالم، ويتعمق هذا الوضع في ظل الحصار المتواصل لقطاع غزة والقاء الاطنان من المواد الكيميائية المتفجرة بين الفينة والاخرى، حيث ان المعلومات الواردة من القطاع من خلال مصادر مختلفة، ومن ضمنها المصادر الدولية، تشير الى وجود وضع بيئي كارثي، أو في الاتجاه نحو كارثة بيئية في قطاع غزة، وبالتالي تدمير النظام البيئي، الذي يحيا فيه أكثر من مليوني شخص ، ويمارسون النشاطات المختلفة من زراعة وصناعة وتجارة وخدمات وما الى ذلك.

ومن المعروف أن عشرات الالاف من الاطنان من المواد المتفجرة قد تم ألقاءها على قطاع غزة خلال الجولات المتعددة من الحرب على قطاع غزة، التي تشمل العديد من الكيماويات المختلفة، والتي قد تكون وجدت طريقها الى الارض والجو والمياه والطعام والبشر في غزة، في تلك البقعة الجغرافية الضيقة، حيث من المعروف ان قطاع غزة بأكمله، لا تزيد مساحته عن حوالي 365 كيلومتر مربع، وبالتالي هو من اكثر بقاع الارض اكتظاظا بالسكان، ان لم يكن اكثرها، حيث يعيش في الكيلومتر المربع الواحد حوالي 5000 شخص.

ومعروف كذلك ان المصادر الطبيعية الفلسطينية، في الضفة الغربية وفي قطاع غزة، من مياه وتربة وارض او حيز هي محدودة، وبأن هذه المصادر، وبالأخص في قطاع غزة هي ليست بالحال الافضل، سواء اكانت المياه الجوفية، او التربة، او تلوث مياه البحر، أو الحيز الجغرافي من حيث انتشار النفايات الصلبة والمياه العادمة، وانتشار السيارات القديمة، وبالتالي امكانية تلوث الهواء، وكذلك ضعف او غياب القوانين البيئية الملزمة وضعف التوعية البيئية الكفيلة لإيلاء البيئة في غزة الاهتمام الكافي.

ومن أثار الكارثة ألبيئية في قطاع غزة هو تلوث المياه، ومعروف ان أكثر من 90% من مصادر ألمياه في بلادنا هي مياه جوفية، وكانت أشارت تقارير دولية ان أكثر من 90% من المياه في غزة هي مياه ملوثة، ولا تصلح للاستخدام البشري حسب المعايير الدولية، وتتلوث المياه في غزة بالمواد الكيمائية، سواء الناتجة من المياه العادمة، او من المبيدات والاسمدة الكيميائية، او من مشتقات البلاستيك والمواد الصناعية الاخرى،

ومن ثم تتسرب من خلال التربة الرملية الى مصادر المياه الجوفية ، وبعد جولات الحروب الاخيرة يمكن تصور الكميات الهائلة التي تم اضافتها الى التربة في غزة، وبالتالي احتمالات وصولها الى مصادر المياه الجوفية.

وشاهدنا من خلال الصور خلال الحرب الأخيرة على غزة، سحب الدخان الهائلة بما ما تحوية من مواد، والتي كانت تتصاعد الى الهواء، اي الى هواء غزة، ومن ثم احتمال تلويثه، وبالإضافة الى ذلك فأن معظم بقايا المواد التي تم القائها على غزة تبقى في التربة او على الارض، وبالتالي تزيد من معضلة النفايات الصلبة وفي هذه الحالة النفايات الصلبة الكيميائية الخطيرة، وكذلك ومن خلال تراكمها في التربة تحد وبالتدريج من خصوبة هذه التربة وبالتالي تحد من قدرتها على انتاج الطعام او الزراعة فيها، ومن المحتمل كذلك ان تصل هذه المواد الكيميائية بشكل مباشر او غير مباشر الى الغذاء الذي سوف يتم استهلاكه من الناس وما الى ذلك من اثار صحية، وبالأخص اثار صحية بعيدة المدى.

وفي خضم كل ذلك، فأن الوضع البيئي في قطاع غزة ومع تصاعد تأثير التغيرات المناخية من ارتفاع درجات الحرارة وقلة الامطار والتصحر وجفاف المحاصيل وظهور حشرات وافات جديدة، هو الوضع الكارثي، وان النظام ألبيئي ألصالح لحياة البشر يتهاوى، أن لم يكن قد أنتهى بعد، وبالتالي فأننا لأحوج الى اعتبار التعامل مع الاوضاع البيئية في غزة من الاولويات الوطنية ، سواء اكان ذلك من قبل الجهات الرسمية أو من قبل المنظمات المحلية والدولية الفاعلة في مجال البيئة، وبالأدق الاثار البيئية بعيدة المدى والتي لا يمكن ألحد من أثارها وتداعياتها، واذا تم استغلال الغاز الطبيعي من شواطئ قطاع غزة وبشكل منظم ومجدي، فان التعامل مع هذه الأوضاع البيئية من المفترض أن يكون من اهم مجالات استثمار عائدات الغاز.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير