الى متى.... بقلم:صمود سعدات

20.09.2011 11:00 AM

لم يفاجئني قرار محكمة الاحتلال  الهزيل مرة أخرى بمنعنا  كعائلة من زيارة أبي الذي لم أراه منذ 5 سنوات، ولم أكن أنتظر نتيجة عكس النتيجة المتوقعة، لأنني أعي تماماً من أبي وأعي تماماً من هم ، فهم مجرد أداة تم نزع إنسانيتها دربت على ممارسة شتى أنواع القمع اللاإنساني والتي في كل يوم تؤكد لي على مدى ضعفهم وخنوعهم، لأنه وحده الضعيف من يقوم بكل ذلك خوفا  أن يفقد ما سرقه على مر السنين.

فحين سمعت ردهم على الرفض ضحكت وسخرت من عقولهم الخائفة ، ففي ردهم على منعنا من الزيارة كان تبريرهم كالآتي " أنه من الممكن أن يقوم المعتقل من نقل معلومات وتصريحات من خلال الزيارة، على الرغم من أن الزيارة معروفة كيف هي الآن وما شكلها (من خلال جدار زجاجي يفصل بين الأسير وأهله وسماعة تلفون يتحدثون فيها ، وطبعا المحادثات مسجلة ومسموعة)، فيمكنه نقل المعلومات عن طريق الإيماءات مثلا"، فأي إيماءة يا محتل سنقوم بها من خلال حديث عائلي طبيعي وإنساني .

وعلى رغم كل ما أعيه عن المحتل وعن فاشيته وقمعه المستمر،، إلا أنه انتابني شعور مؤلم حين سمعت خبر الرفض للالتماس،  وأول سؤال راودني : إلى متى ؟؟؟؟؟؟؟

إلى متى سأبقى لا أرى وجه والدي ،،،هل سأبقى لا أراه من هنا حتى 25 عاماً؟؟ صدقاً اشتقت لأرى شيب شعره وسواد عيونه الصلبة ،، ملامحه التي أصبحت أراها بالأحلام،،،، اشتقت لأن أتحدث معه وجهاً لوجه حول كل شيء،، اشتقت لمداعبته التي كنا دوماً ننتزعها من الوقت ، اشتقت في كل يوم أن انهض من نومي وأذهب إلى فراش أبي وأطبع قبلة على خديه وأقول له صباحك ورد أبو حميد وبعدها أنطلق إلى عالمي بــكل محبة،،

ما زال التواصل بيننا مفقود ،، حتى الرسائل وإن كانت وسيلة اتصال فما هي إلا لأن تسد جزء صغير من ظمأنا ،، ومع هذا فهي عامة لا نستطيع فيها حتى الحديث عن تفاصيل حياتنا وعن خياراتنا التي نتشاور فيها مع آبائنا،، كأي تفاعل اجتماعي طبيعي بين الآباء وأبنائهم حين يتحدثون عن أمور الحياة وعن المستقبل ،، منذ طفولتي وأنا أرى سياج السجن يحول بيني وبين أبي ،، يمنع تواصلنا ويمنع لقاؤنا،، منذ صغري وأنا اسمع مصطلحات غريبة (اعتقال، اختفاء، استشهاد، محكمة ، سجن، تفتيش) ، كلها في ذاكرتي تدور ،، كلها في ذاكرتي تذكرني بمشهد أحبه من كل أعماق قلبي ،، يوم عيد حين كان أبي معنا بالبيت واستيقظت على قبلة منه وكلمة لن أنساها "كل سنة وأنت سالمة يا بابا، يلا نفطر سوا"، ولكن بعدها لم يعد العيد وغابت بهجته وبقيت في ذهني منذ ذلك الحين ،،،،

إلى متى ؟؟ سؤال إجابته أكيدة في ذهني إلى أن نحيا جميعا بكرامة وبحرية هذا ما تعلمته من أبي ،، ولكنها مؤلمة في لحظات،،،

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير