"عُمّار الأرض".. من تنظيف الشوارع إلى مشروع واعد لإعادة تدوير الورق

12.04.2023 10:50 AM

وطن- ميساء بشارات


تُشرف الشابة سميراء القاضي على تصليح آلة فرم الورق، بعد عطل أصاب تروسها المعدنية في أثناء تمزيق بعض الأوراق والمستندات إلى قطع صغيرة جدًا، داخل مشروعها الصغير "عُمّار الأرض لإعادة التدوير والخدمات البيئية" في قرية سردا شمال رام الله.

انطلق المشروع عام 2013، متمثلًا في مؤسسة شبابية تطوعية تسعى إلى نشر الوعي البيئي بين فئات المجتمع عامة وفئة الأطفال والشباب خاصة، وذلك بتعزيز الثقافة البيئية ومفهوم تدوير النفايات وما يعود بها من فائدة على الوطن والمجتمع.
ويهدف المشروع إلى توعية وإرشاد أفراد المجتمع كافة، حول كيفية الاهتمام بالبيئة وتدوير النفايات عن طريق تنظيم حملات التوعية، وإنشاء أخرى قائمة على إعادة تدوير الورق وبعض أنواع البلاستيك والإلكترونيات.

بدأت الشابة الثلاثينية التحدث مع عمّال الصيانة: "كل فرد بغض النظر عن عمره مسؤول عن نظافة البلد".
وأكثر ما يزعج ابنة مدينة البيرة ظاهرة تمزيق الأوراق ورميها في الشارع، خاصة في مرحلة امتحانات الطلبة نهاية الفصل الدراسي.  
اتفاقيات عدة أبرمتها "عمار الأرض" مع عدد من المدارس والمؤسسات والشركات في مختلف القطاعات، لتقليل النفايات الورقية في مناطق رام الله، والبيرة، وبيتونيا، والرام، وبير نبالا، وبيرزيت، وسردا، وذلك بفصل الكتب التالفة والأوراق وجمعها ومن ثم إتلافها بطريقة محافظ للبيئة، بحيث تعيد تدويرها واستثمارها، بإرسالها لشركات خاصة تعمل في إعادة التدوير في الداخل الفلسطيني، كما تجمع أيضًا النفايات الالكترونية من الحواسيب وغيرها، وبذلك تطبق ثقافة فصل النفايات بطريقة عملية.
فعوضًا عن رمي الكتب التالفة والأوراق في الحاويات ومن ثم حرقها، تسهم القاضي بمشروعها في التخلص منها بإعادة تدويرها، لتحافظ على البيئة كما يتوجب.

هي وشقيقتها سبق أن التحقتا بدورة للتنمية البشرية، ولاحظتا مقدار الطاقة والحماس عند الشباب، وإمكانية ان يصبحوا فاعلين في المجتمع ولديهم مبادرات شبابية بنّاءة، ما دفعها لاستثمار هذه الطاقة الإيجابية في مشروع لحماية البيئة والمحافظة عليها.
وهكذا بدأت مع شقيقتها وزوج شقيقتها في إطلاق حملات تطوعية تركز على النظافة والتوعية، بالتعاون مع البلديات لتنظيف الشوارع والمرافق العامة، وبعد فترة وجدوا أن ما يُنظّف يعود لما كان عليه في السابق، بمعنى آخر لقد تبيّن أن هذه الحملات غير مستدامة، حسب قولها.

وهنا أخذوا على عاتقهم نشر الوعي البيئي أولاً، وتغيير السلوك السلبي عند الأفراد ثانيًا، بالمحافظة على البيئة ونظافتها واستهدفوا فئة الأطفال والشباب، ونظّموا ورش عمل عن أهمية النظافة وإعادة الاستخدام والتدوير، لكن تبيّن أيضًا أن هذا غير كافٍ، وأن فصل الأوراق والبلاستيك سيعود في نهاية المطاف إلى الحاويات نفسها ويختلط مع سائر النفايات، ومن ثم إلى مكباتها؛ فلا فائدة من الفصل داخل المنزل دون وجود استمرارية للعملية. 

تضيف سميراء في السياق نفسه: "ما يُفصل في الحاوية تأتي سيارة النفايات وتخلطه مع غيره من النفايات، إذن كان علينا أن نبحث عن فكرة أكثر جدوى. تواصلنا مع المصانع التي تستقبل الإتلافات الورقية لإعادة تدويرها، واستهدفنا المؤسسات التي لديها مُخرجات كثيرة من الأوراق مثل المدارس والبنوك".

وبعد أعوام من الجهد والتعب والمبادرات، تمكنت من تحويل الفكرة إلى شركة ربحية لإعادة التدوير، وتوسعت لتعقد اتفاقيات مع مؤسسات في رام الله، والبيرة، وبيتونيا، والرام، وبير نبالا، وبيرزيت، وسردا، للتخلص من أوراقها وإرسالها إلى مصانع التدوير.
تقول سميراء: "بدأنا بسيارة صغيرة لتجميع الورق، وحاليًا لدينا سيارة أكبر لأن كميات الورق التالف آخذة في الازدياد، وخاصة بعد اتفاقياتنا مع عدد من الشركات والمؤسسات، ونطمح لما هو أكثر".

ويجمع الفريق الورق التالف في نقطة تجمع وهي بلدة سردا، ثم يُرسل لمصانع التدوير داخل الأراضي المحتلة عام 48، وجزء آخر يُصدّر لتركيا والصين، والمردود المادي يحاولون فيه تغطية التكلفة التشغيلية من عمال ونفقات عمل.
تواصل القاضي حديثها: "بدأنا من لا شيء، واستطعنا ترجمة فكرتنا على أرض الواقع لتقليل حجم النفايات، والتخلص منها بطريقة تحافظ على البيئة عوضًا عن حرقها".

وتزيد بالقول: "كانت المؤسسات والشركات تضطر للتخلص من الأوراق وخاصة السرية والمهمة بحرقها، لكن الآن قدمنا لهم الحل الفعال للتخلص منها بطريقة آمنة للبيئة".
وتتلف المؤسسات والشركات الأوراق دوريًا سواء الأوراق اليومية أم الأرشيف أم غيرها، ويشمل التالف ورق المكاتب والمجلات والأوراق العادية.

علماً أن المؤسسات والمدارس المشتركة في الاتفاقية تضع حاويات خاصة للورق داخل مؤسساتهم، وبعد امتلائها تأتي "عمّار الأرض" لأخذ ما جُمع فيها، ومن ثم نقله لمكان المشروع لضغطه ووضعه في حاويات وأخيرًا إرسالها إلى مصانع إعادة التدوير.
تغمر مشاعر السعادة القاضي عند حديثها عن نجاح مشروعها الصغير الذي بواسطته تحاول تقليل حجم النفايات الورقية بطرق بيئية بإعادة تدويرها، والبعد عن حرقها والتخلص منها بحرفية وأمان.

وتشير إلى أن مؤسستها خففّت حرق الورق بنسبة 90% الذي كانت تطبّقه المؤسسات والشركات في المناطق المذكورة.
وتتلف "عُمّار الأرض" الأوراق والإتلافات الإلكترونية وأجهزة الحاسوب وبعض أنواع البلاستيك، فتأخذ الأجهزة إلى مراكز تفكيك مختصة، وبدورهم يفصلون مواد الأجهزة عن بعضها لإعادة التدوير، لكن هذه الجزئية ما زالت محدودة النطاق.

وتشكّل "عمار الأرض" حلقة الوصل بين المصنع الذي يحتاج للمواد الخام والمستهلك الذي يخلّفها.
سألناها عن أبرز صعوبة تواجه عملهم، وكان جوابها: "قلة الوعي البيئي، نتيجة الاستخفاف بالفكرة، لذلك نسعى باستمرار إلى عقد لقاءات مع الناس والطلبة لتوعيتهم بأهمية الموضوع، إضافة إلى عدم وجود تجربة سابقة نعتمد عليها في تجنب الأخطاء والصعوبات التي تواجهنا".

وتبدو متحمسة وهي تخبرنا عن ثمرة أخرى تسعد بقطافها: " بعد الدورات التدريبية التي نظّمناها لاحظنا أن الأطفال أخذوا يحثون أهاليهم على أهمية الوعي البيئي والمحافظة على النظافة وعدم إلقاء النفايات في الشارع، أرى أن الصغار هم من سيغيرون الكبار".
وتتمنى سميراء أن يرتقي الوعي البيئي لدى المؤسسات والأفراد بشأن أهمية فصل النفايات الورقية عن غيرها لإعادة تدويرها.
وتتنهد بارتياح إزاء التطور الحاصل، فبعد أن كانت "عمار الأرض" تبحث عن المؤسسات لإقناعها بالانضمام للمشروع، الآن بعض المؤسسات والأفراد هم من يبحثون عنها. 
وتطمح مع شركائها إلى تحسين الأدوات المستخدمة، وجلب أدوات متطورة أكثر لكسب الوقت وتوفير الجهد، وتثقيف  المواطنين بيئيًا.

وتعرب عن تفاؤلها لوجود أناس يتمتعون بالوعي البيئي، ولديهم رغبة بإحداث التغيير والمساهمة في المحافظة على البيئة، بدليل استحسانهم فكرة التوجه لمكانٍ بعينه لإتلاف أوراقهم وكتبهم.

الشابة سميراء القاضي مؤسِسة مبادرة "عُمّار الأرض" أبرمت عدة اتفاقيات وتعاقدات مع عدد من المدارس والمؤسسات والشركات في مختلف القطاعات لتقليل النفايات الورقية في مناطق رام الله، والبيرة، وبيتونيا، والرام، وبير نبالا، وبيرزيت، وسردا، إذ تجمع وتفصل الكتب التالفة والأوراق بطريقة صديقة للبيئة، وبالتالي تعيد استثمارها وتدويرها، ومن ثم ترسلها لشركات خاصة تعمل على إعادة التدوير.
كما تجمع أيضًا النفايات الإلكترونية من حواسيب وغيرها، وتنقلها إلى مراكز تفكيك مختصة، لفصل مكونات الأجهزة عن بعضها لإعادة تدويرها، وبذلك تطّبق ثقافة فصل النفايات بطريقة عملية.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير