عنف المستوطنين

12.03.2023 09:35 AM

 كتب نهاد أبو غوش: في معظم زيارات المسؤولون الأميركيين للمنطقة، بما في ذلك زيارة وزير الدفاع لويد أوستن طُرح موضوع "عنف المستوطنين" باعتباره خطرا على الأمن والاستقرار وعلى كل محاولات التهدئة والعودة للمسار السياسي . هذه التحذيرات من عنف المستوطنين بدأت قبل محرقة حوارة بوقت طويل، ومنها ما ورد في زيارة فيكتوريا نولاند مساعدة وزير الخارجية الأميركي التي ناقشت هذا الموضوع مع عدة وزراء إسرائيليين ومن بينهم عومر بارليف وزير الأمن الداخلي في حكومة بينيت- لابيد الذي أقر بذلك، فقوبل بعاصفة من التنديد من قبل من يشغلون اليوم حقائب وزارية أمنية مهمة في حكومة نتنياهو.

نحن كفلسطينيين لسنا بحاجة لمن يخبرنا عن عنف المستوطنين، فوجودهم غير الشرعي على الأرض الفلسطينية هو بحد ذاته عنف وإرهاب من قبلهم، والأهم من  الدولة التي وضعتهم في هذه المناطق المحتلة لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية التوسعية. ولا شك أن نوعية معينة من الناس هي التي تقبل الانتقال من ظروف الحياة المريحة في تل أبيب والمدن الحديثة إلى تلال الضفة الغربية، وشروط حياة صعبة وسط بيئة معادية.

هؤلاء الناس يجري إقناعهم بأن وجودهم مرهون بالقضاء على الفلسطينيين وقمعهم، وتجري تعبئتهم وغسل أدغتهم وشحنهم بأفكار ومخاوف تزيد من تطرفهم، وتجعلهم كالعجينة التي يسهل التحكم بها وتوجيهها من الأحزاب الفاشية الأكثر تطرفا، وبالتحديد أحزاب التيار الصاعد للصهيونية الدينية، وهذا ما تدلنا عليه بوضوح نتائج الانتخابات الأخيرة في تشرين الثاني 2022 حيث شكلت المستوطنات المعقل الرئيسي لهذه الأحزاب، وحصلت القوى المشكلة للائتلاف الحكومي الحالي على أكثر من 75% من المستوطنات، وخاصة المستوطنات الصغيرة المنتشرة في أرجاء الضفة.

لقد عرفنا عنفهم المباشر وعانينا من وحشيته من دماء أبنائنا وبناتنا في سلسلة لم تتوقف من الجرائم المروّعة كجريمة إحراق عائلة دوابشة، والطفل الشهيد محمد أبو خضير، والشهيدة الأم عائشة الرابي، وغيرهم كثير. لكن الملاحظ أن الموجة الأخيرة من عنف الاحتلال الوحشي شملت سلسلة من الهجمات وعمليات القتل الجماعي والفردي التي نفذها مستوطنون في مناطق متفرقة من الأراضي المحتلة، ومنها إعدام الشهيد سامح الأقطش في زعترة، وعلي حرب في سكاكا، وطارق عودة معالي في جبل الريسان غرب رام الله، ومثقال رمان في قراوة بني حسان، وعبد الكريم الشيخ في سنيريا، وكرم سليمان من قوصين وغيرهم ممن قضوا برصاص حراس الأمن.

لا يقتصر عنف المستوطنين على عمليات القتل، بل يشمل عمليات تدمير للممتلكات وتخريبها، والسطو على الأراضي والمحاصيل الزراعية والمواشي، وأعمال العربدة وإغلاق الطرق،  بالتزامن مع تصاعد الوزن السياسي لهؤلاء المستوطنين، ومشاركة ممثليهم في حكومة نتنياهو، فضلا عن محاباة الحكومة لهم بمزيد من الموازنات والدعم وشرعنة البؤر الاستيطانية والإعلان عن مزيد من مشاريع الاستيطان.

علينا هنا أن نكون حذرين في الحديث عن "عنف المستوطنين"، فهذا العنف ليس أمرا مستقلا بذاته، وليس معزولا عن خطط وبرامج الاحتلال، بل على العكس فهو جزء لا يتجزأ من أدوات دولة الاحتلال بحكومتها وأجهزتها الأمنية وسلطتيها القضائية والتشريعية وجهازها الدبلوماسي، كل هذه الأدوات بما فيها المستوطنون ينفذون مشروعا احتلاليا استيطانيا واحدا حتى لو اختلفت الأساليب، ولكنها تتكامل في تحقيق الغايات والأهداف عينها، صحيح أن المستوطنين "يبادرون" ويتركون بصماتهم الخاصة ذات الطبيعة الأكثر وحشية، ولكنهم يسعون إلى تحقيق ذات الأهداف التي تسعى الحكومات المتعاقبة لتحقيقها عبر أدواتها الخشنة والناعمة.

من ناحية أخرى المستوطنون ليسوا مجرد سكان مدنيين يعيشون في أرضنا بشكل غير شرعي، بل هم فعليا تشكيلات عسكرية منظمة، أقرب إلى ميليشيات، وقد جرى في السنوات الأخيرة استحداث تشكيلات عسكرية تابعة للجيش مثل "ييشفوت هسدر" و"نيتسح يهودا" ولواء كفير بحيث تتبع لقيادة الجيش من جهة، وتراعي الميول والأفكار الدينية لبعض المستوطنين الذين كانوا يحجمون عن الخدمة العسكرية لأسباب دينية، كما أن هذه التشكيلات تملك تراتبية عسكرية وأنظمة للاتصالات والنواحي اللوجستية ووسال إعلام ناطقة باسمها وجمعيات "خيرية" تدعمها وتمولها، ومعلوم أن وزير الأمن القومي بن جفير يسعى لاستيعاب جماعات المستوطنين المسلحة ضمن ما أسماه الحرس الوطني.

حاول نتنياهو وحكومته القيام بلعبة خبيثة والنأي بحكومته عن مسؤوليتها تجاه جريمة محرقة حوارة والادعاء أنه ملتزم بتفاهمات العقبة بينما المستوطنون تحركوا بدافع "فورة الدم"،  وإظهار الحكومة وكأنها "قوة حفظ سلام" تحجز بين الفلسطينيين والمستوطنين، وللأسف انطلى ذلك على بعض الأوساط الدولية والإقليمية، مع أن كل الشواهد تؤكد معرفة الجيش بأدق تفاصيل الاستعدادات والاتصالات لشن الهجوم على حوارة، ولم تتدخل إلا حين أكمل عتاة المستوطنين جريمتهم بعد ساعات من التحضير، فخرج بعدها نتنياهو ليطالبهم بضبط النفس وترك الجيش يعمل متباهيا بقتل عشرات الفلسطينيين.

من واجبنا كذلك التيقظ من هجمات قادمة للمستوطنين كلما شعرت هذه الحكومة بمزيد من الأزمات والمآزق، أو كلما كبلتها حساباتها الدولية والإقليمية عن توسيع هجومها الوحشي. لكل ذلك على الشعب الفلسطيني وقواه السياسية ومؤسساته الاستعداد لمواجهة هجمات كهذه، في مرات كثيرة سابقة، نجح المواطنون في صد هجمات المستوطنين كما حصل في قصرة قبل سنوات، وفي ترمسعيا قبل أيام، لكن ذلك يجب ألا يظل مرهونا بالصدفة. وبات من أهم الواجبات والمسؤوليات تشكيل لجان حراسة وطنية في كل قرية وبلدة مهددة باعتداءات المستوطنين. جميعنا يعرف أن تشكيلات السلطة العسكرية والأمنية غير قادرة على خوض معارك مع جيش الاحتلال، فلا أحد يتوقع أن يخوض مخفر ما معركة مع جيش مسلح بترسانة جوية وبرية وبدبابات وسيطرة على نظام الاتصالات، لأن ذلك سيكون مغامرة انتحارية من دون شك، يمكن للأفراد أن يشاركوا في أعمال المقاومة، أما بخصوص لجان الحراسة فمن واجب الجميع، عناصر أمنية ومدنية، أن ينخرطوا فيها لأنهم بذلك يدافعون عن أنفسهم وبيوتهم وأهلهم وأطفالهم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير